لا تنال المسلسلات الكوميدية الفرنسية التي تبثها "نتفليكس" كثيراً من الاحتفاء. يعزو بعضهم ذلك إلى غرابة حس الدعابة الفرنسي، أو إلى سبب ثقافي، وهو تراجع الفرانكوفونية في العالم، أمام الهيمنة الأميركيّة. لكن لا يخلو الأمر أحياناً من تسلية لطيفة، يتمكن أحد المسلسلات الفرنسية من تقديمها، وهذا ما يمكن أن ينطبق على مسلسل Off the Hook (التخلص من السموم).
يحكي المسلسل عن صديقتين، الأولى ليا، موظفة الفندق المهووسة بصديقها السابق، التي تلاحقه على كل وسائل التواصل الاجتماعي، والثانية مانون، المغنية المغمورة التي تحاول الوصول إلى الشهرة. ما يحدث أن هاتين الصديقتين، وبسبب الإحراج والمشكلات التي تقعان فيها بسبب وسائل التواصل الاجتماعي، تقرران التوقف عن استخدامها لمدة شهر، أو "نزع السموم" من جسديهما عبر التخلص من كل ما يمتلك شاشة؛ الهاتف، والحاسوب المحمول، والحاسوب اللوحي، والتلفاز.
على الرغم من الفرضية التي تبدو مسلية، فإن المسلسل لا يتجاوز الاعتماد على أداء الممثلتين في سبيل الإضحاك، والإشارة إلى المواقف الطريفة التي تقعان فيها بسبب عدم امتلاكهما لهاتف محمول، كضرورة الاتصال من الهاتف الأرضي، والاعتماد على الخريطة للتنقل في المدينة، وعدم امتلاك ساعة منبه، الشأن الذي يحرك فينا، ولو لثوان، الرغبة في الإقلاع عن استخدام هواتفنا النقالة. لكن المسلسل لا يطرح مشكلة عميقة بما فيه الكفاية كي نتخلّى عما يصلنا مع العالم الرقميّ.
اللافت في Off the hook هو مخيم "الإقلاع عن وسائل التواصل الاجتماعي" الذي تدخله الصديقتان. هناك، نتعرف إلى التمرينات التي يجب اتباعها كي نتحرر جسدياً وعقلياً من وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يمنع مثلاً على الملتحقين بالمخيم ترتيب طعامهم بصورة تجعله لائقاً بأن يكون صورة لـ"إنستغرام". كما يتم تزويدهم بصواعق كهربائية تمنعهم من مد أيديهم إلى جيوبهم حيث هواتفهم، وغيرها من "التمارين" التي تكشف الأثر الجسدي للإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي.
ما يحصل بعد تجاوز محنة وسائل التواصل الاجتماعي أن ليا تنسى صديقها السابق وتقع في حب الرجل الذي ساعدها في التخلص من إدمانها. بصورة أدق، صاحب الدكان الذي يحتفظ بممتلكاتها التكنولوجية. في حين أن مانون غيرت مسيرتها المهنية. وعوضاً عن أن تكون فنانة استعراضية، تواجه السخرية والإذلال بسبب ما ترتديه، أصبحت مغنية راب جديّة، قادرة على التعبير عن نفسها، من دون خوف من تحديقة الآخرين.
لا يخلو المسلسل من بعض نكات الموقِف الذكية. كأن تظن الصديقتان أنهما عاريتان في الشارع لأنهما من دون هواتفهما النقالة، أو أن تحاولا الحصول على أي هاتف في سبيل الاطلاع على ما يحدث في العالم. أشبه بالمدمنين الباحثين عن "شمة" خلاص.
وهنا نحيل إلى ما شهدناه منذ فترة، أي حين توقفت خدمة فيسبوك لساعات، وانتشر الفزع في العالم، واكتشافنا أثناء ذلك إمكانية الحياة من دون التواصل الآني مع الآخرين. نهاية العالم لا تتمثل بخلوه من الشاشات، بل عجزنا عن الحياة من دونها. هذا الوهم يتشتت لدى الصديقتين، وتكتشفان شكلاً آخر من الحياة. والأهم، تصبحان أكثر قرباً من ذواتهما، حتى لو كان ذلك سطحياً. لكن التحرر من تعليقات الآخرين و"إعجاباتهم"، يكشف لنا جوانب جديدة من أنفسنا، جوانب مهملة أو كنا نستحي من إظهارها.
ما نحاول قوله إن المسلسل مسل، خفيف، لكنه يتلاشى من المخيلة بمجرد الانتهاء من مشاهدته. هذا ما دفع عديداً من الصحف إلى توجيه الانتقادات له، بأنه "سخيف" ويتبنى ما هو مباشر من دون الغوص عميقاً في إمكانية تحقيق ما قامت به الصديقتان، أو على الأقل رصد الأثر الأعمق للانقطاع عن وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف يمكن التخلص من إدمانها، من دون العودة إليه بمجرد إمساك الهاتف النقال.