ما زالت لعبة Stranded Deep، المتوافرة على الكمبيوتر الشخصي والـ"بلاي ستيشن"، واحدة من أكثر ألعاب الفيديو إثارة للاهتمام، وخصوصاً مع التعديلات التي أضيفت إليها هذا العام. اللعبة التي أطلقت عام 2015 اكتسبت مع الحجر الصحي وجائحة كورونا شهرة أكثر.
هي تداري العزلة وتدللها، وتكسب الواحد منا أملاً، ولو وهمياً، بإمكانية النجاة وترك هذا العالم التراجيدي. تصنف اللعبة تحت فئة "ألعاب النجاة". وفعلاً، ما إن تبدأ اللعبة، حتى نجد أنفسنا في طائرة تقع في المحيط الهادي. وما إن ترتطم ونتمكن من مغادرتها، حتى نجد طوق نجاة يقودنا إلى جزيرة في المحيط، خالية لا تحوي بشراً، وحولنا جزر أخرى. المَهمة ببساطة أن ننجو، ونبقى على قيد الحياة لأطول مدة ممكنة. ومع التحديثات الجديدة، أصبح بالإمكان بناء طائرة والهرب بعيداً.
ما يثير الاهتمام في اللعبة، بداية، إشباعها لرغبة الجمع والالتقاط. كل ما نراه حولنا صالح للاستخدام: النخيل، والسمك، وأوراق الشجر، والحجر والطين.. كلها مكونات علينا جمعها وتطويرها، وصناعة "أدوات" بدائية تساعدنا على النجاة، فضلاً عن الطعام والشراب وضربة الشمس. الحاجات الأساسية التي يجب دوماً مداراتها، وإلا انتهى بنا الأمر بنا موتى. وهنا تأتي رغبة الجمع والالتقاط، تلك التي تدفعنا إلى الاكتشاف، وتوفير ما نجمعه، أشبه بنموذج اقتصادي بدائيّ قائم على الجمع والتقنين، والأهم هناك الجهد والتعب الجسدي الذي لا يمكن تجاهله، فالإنهاك والتسمم أخطار قائمة وتهدد النجاة، لنرى أنفسنا أمام معادلة بالشكل الآتي: الشغف بجمع الأشياء مقابل الحفاظ على الصحة والحياة، فكل خطوة بعد مرور أيام تصبح محسوبة، هل نكتشف حطام سفينة؟ أم نجمع جوز الهند لتخزين المياه؟ أي هل نلبي رغبة الاكتشاف أم البقاء على قيد الحياة؟
يعتري اللاعب الملل في بعض الأحيان، لكن لا يلبث أن يكتشف الاحتمالات اللانهائية، إذ لا يوجد فوز وخسارة، فقط مخيلة اللاعب وأسلوبه في النجاة: هل يكتفي بخيمة من سعف النخيل، أم يبني بيتاً هائلاً، وأسطولاً من الأطواف وكأنه زعيم مستعمرة في اللامكان؟ لا جواب لهذه الأسئلة، لكونه لا يوجد شكل "صحيح" للعب. كل الاحتمالات فعالة، وكل واحد منها يتطلب أسلوباً مختلفاً في الحفاظ على الحياة، بل إن بعض اللاعبين المحترفين تمكنوا من بناء جسور بين الجزر، لنرى أنفسنا أمام ما يشبه مملكة بدائيّة، مبنية بجهد شخص، وفأس بدائية مكونة من حجرتين وحبل وقطعة خشب.
لم يكن هناك نهاية في المراحل الأولى للعبة. ومع تطويرها، أصبح بالإمكان إصلاح طائرةٍ، والتحليق بعيداً، لنكتشف إثرها الحكاية كاملة، أي كيف سقطت الطائرة بالأصل وعلق اللاعب وسط المحيط. كذلك فإنها تحوي الكثير من الأغراض التي تذكرنا بفيلم Cast Away، ككرة الطائرة نفسها التي تتبناها شخصية توم هانكس، وتصبح صديقه المُسمى "ويلسون".
كل ما سبق، يجعل اللعبة رهاناً على البال الطويل، ومواجهة تغيرات الطقس والحياة البريّة ومتطلبات النجاة، فالإحساس بالإنجاز يأتي من أشياء صغيرة: بناء كوخ، تطوير منجل للزراعة، تخمير البطاطا، أو إيجاد "بيل" يختزل كل عملية إنتاج الضوء. هذه المتع تبدو مرضيّةً حين نلعب لساعات وسط الحجر الصحي، حيث الخارج بكل تعقيداته خطر، مكان للعدوى، والقلق العام، في جزيرة وسط المحيط الهادي، فالعالم أقل تعقيداً، وأكثر تحفيزاً للمخيلة.
تختلف Stranded Deep عن غيرها من الألعاب المشابهة؛ إذ لا يوجد أعداء، أي لا يوجد خوف من هجوم مفاجئ يمكن أن يدمر كل ما بُني، لا عاصفة ولا وحوش ولا حتى "زومبيز"، ما يجعلها أيضاً لعبة صالحة للاسترخاء، واللعب بتكاسل وتراخٍ في بعض الأحيان، فلا خطر مهيمن سوى السهو، ونسيان الأكل أو الشرب.