إنه موعد إفطار رمضان في غزة. غالبية الناجين من الحرب الإسرائيلية التي لم تعرف أي وتيرة سكينة مع القتل والمجازر باتوا يعيشون في خيام، هي غطاؤهم الوحيد بين الأرض التي يفترشونها والسماء. هم صائمون بالأصل في الشهر، لأن الطعام قليل جداً، لكن لا بدّ إلا أن يُعدّوا الإفطار بالموجود، ويفرحوا برمضان. شهر الخير صامد في غزة. تحلّ بركاته على الناس، رغم أن كل شيء مدمَّر، ورغم أن مآسي الحرب وصلت، في شكل متعمد بالطبع، إلى اللقمة التي تكفي بالكاد لسدّ الجوع. لكن النفوس عامرة بفرح استقبال شهر الصوم والأمل، حتى إذا أُجبر فلسطينيو غزة على خوض صراع يومي شاقّ ومجبول بالهموم غير العادية على الحاضر والمستقبل، للحصول على اللقمة من مساعدات شاحنات تعبر حدود رفح مع مصر أو مظلات ومناطيد الجوّ التي تقتل أيضاً.
لا بدّ أن يُحيي الغزيون رمضان، لأن لا قطيعة مع عزّتهم في إنشاد بركات الله في شهر رمضان، حتى لو خلقت إسرائيل بأسلحة التدمير واستراتيجيات الحقد والانتقام قطيعة إجبارية بينهم وبين الدنيا التي يليق أن يعيشوا فيها، والتي باتت ركاماً وجوعاً وموتاً وصراخ آلام تصدح حولهم. يؤكد الغزيون أن بركات رمضان إيمانية أولاً، وتعيش في القلوب، وتتنفس الأمل بأن الحق سينتصر والأرض ستبقى لأبنائها، مهما دارت عجلة الأذى وطالت. رمضان غزة الحالي بين سحاب البارود هو الزهد بفلسطين التي تتنفس هواء الحياة، وتبقى إلى الأبد.
(العربي الجديد)