بعد مرور ثماني سنوات على الثورة السورية، يبدو أن إعلام النظام السوري لايزال قادراً على مفاجأة الجمهور بابتكاره لأساليب وروايات جديدة تبرّئ الحكومة السورية من الأزمات المتتالية التي يعاني منها المواطنون في الداخل السوري.
ويبدو ذلك جلياً بالأساليب التي تعامل فيها إعلام النظام السوري الرسمي مع أزمة الغاز والمحروقات التي يعاني منها الشعب السوري منذ أكثر من شهر، والتي تسببت بانتقادات حادة طاولت حكومة النظام السوري من قبل موالين وقفوا إلى جانب حكومة الأسد لأعوام طويلة، بما في ذلك فنانون وإعلاميون كانوا أبواقاً لبشار الأسد، وبرروا مراراً مجازره، أمثال: شكران مرتجى وبشار إسماعيل وغيرهما.
هكذا حاول إعلام النظام السوري في تقاريره اليومية أن يخفف من حدة الأزمة، من خلال نشره لتطمينات عن حل الأزمة أو اقتراب حلها، وعن قدرة الحكومة السورية على التعامل مع المشاكل المعيشية الحادة و"الحرب الكونية" التي تضرب البلاد. وقد حللت هذه التقارير أسباب أزمة الغاز بثلاث طرق مختلفة، جميعها تقود إلى تبرئة نظام الأسد؛ وهي: الحرب الاقتصادية على سورية والحصار، وهو نفسه ما لمّح إليه بشار الأسد في خطابه الأخير. حيث أشار إلى أن هذه الحرب أدت إلى نقص في بعض المواد الأولية. وتذهب الرواية الإعلامية الرسمية أبعد من خطاب الأسد، مرددةً في أكثر من مناسبة أنّ "القصف الأميركي لباخرة محملة بمادة "الفيول" في البحر المتوسط هو سبب هذا النقص.
أما التفسير الرسمي الثاني، فيُرجع أزمة الغاز إلى من يسميهم إعلام النظام السوري بـ"تجار الأزمات والحروب، والذين يحتكرون كميات كبيرة من المحروقات، رغم توافرها، بغرض المتاجرة بالشعب السوري".
بينما التفسير الثالث، يربط بين أزمة الغاز والمحروقات "وقلة وعي الشعب السوري، وتبذيره واندفاعه غير المبرر لشراء الغاز والمحروقات بكميات كبيرة، وطمع الشعب بالحصول على أكبر كمية ممكنة دفعة واحدة".
إلا أن هذه الروايات الثلاث، المتضاربة إلى حدٍ ما (وإن كان المشترك فيها تبرئة النظام)، لم تفلح في امتصاص غضب الشارع السوري هذه المرة، ولاسيما الرواية الأخيرة، التي استفزت عددا كبيرا من السوريين الذين التزموا الصمت لأعوام مضت.
وعلى هامش التقارير والبرامج الحوارية الاقتصادية التي تتناول حلولا لأزمة الغاز، حاول إعلام النظام السوري أن يبتكر بعض التقارير الهامشية التي ارتأى أنها قد تخفف من غضب الشارع؛ وأغرب هذه التقارير هو ذلك الذي بثته القناة الفضائية السورية أول من أمس، والذي تحدث عن الأزمات الاقتصادية التي تعيشها تركيا في الوقت الحالي.
يبدأ التقرير بالعبارة الآتية: "اصطف الناس في اسطنبول في طوابير طويلة جداً لشراء الخضر والمواد الغذائية، بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني، الذي تسببت به سياسات (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان وحكومته الإخوانية". وتختزل هذه العبارة كل ما يحاول إعلام النظام السوري أن يقوله. فالتقرير قبل كل شيء يؤكد أن الأزمات الاقتصادية التي ترهق بلاده تعاني منها أيضاً دول الجوار، وعلى رأسها تركيا التي يعتبرها إعلام النظام السوري العدو الأبرز؛ وبذلك يوصل رسالة مبطنة للمواطنين مفادها أن الخروج عن طاعته، أو حتى السفر، لن يحلا الأزمة الاقتصادية التي يعانون منها في الزمن الحالي.
ويحاول التقرير أيضاً أن يستثمر تضخم الأسعار الحاصل في تركيا للانتقام إعلامياً من حكومة أردوغان، التي دعمت الثورة السورية واحتضنت الإعلام السوري المعارض. ولكن التقرير بدا ساذجاً بالنسبة للجمهور السوري بكافة أطيافه لعدة أسباب: فوفقاً للتقرير نفسه، كل المواد الغذائية متوافرة في تركيا، والمشكلة أن أسعارها ازدادت، بينما لا تتوافر معظم المواد الأولية في سورية، وتلك الموجودة تضاعفت أسعارها.
لكن أسوأ ما يقوم به التقرير هو أنه يحمل حكومة أردوغان وزر الأزمة الاقتصادية، وبذلك يفتح الباب على العديد من الأسئلة التي يتهرب منها إعلام النظام السوري، حول مسؤولية الأسد عن الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها سورية.
وفعلياً، تداول السوريون بعض النكات الساخرة والانتقادات بعد انتشار التقرير. ويبقى الأمر اللافت أن هذا النوع من التقارير والفيديوهات التي تبثها القنوات السورية كل مرة عن الأزمات الخارجية وتتناسى ما يحدث في الداخل، كالتقارير التي أعدها التلفزيون السوري عن الاحتجاجات الفرنسية وتفجيرات لندن وغيرها، بات جزءاً لا يتجزأ من هوية الإعلام السوري، وبات يؤدي دوراً بالتنفيس عن الغضب الشعبي، بطريقة شبيهة بما تفعله الكوميديا.