من البداية، يشوب علاقات الرئيس دونالد ترامب مع الصحافة التوتّر والأزمات، ويسودها التوجس والشك. فهو لا يأتمن جانبها بالمرة. وَضَعها في خانة الخصم منذ زمن. خلال حملته الانتخابية، تعامل معها كـ"عدوة الشعب". والآن، مع اقتراب انتخابات الكونغرس (بعد ثلاثة أشهر) التي يرتبط بها مصير رئاسته إلى حدّ بعيد؛ عاد إلى معزوفة استعدائها، ولكن بلهجة أشد وأعنف.
في جولاته الانتخابيّة التي قام بها أخيراً لصالح المرشحين المحافظين المؤيدين له، خاطب الرئيس ترامب جمهورَه بلغةٍ لا تخلو من التحريض المبطَّن على الصحافة "المزيّفة"، كما يسميها. وبلغ الشحن درجةً حملت بعض أنصاره على التلويح بعبارات التهديد ضدّ عددٍ من المراسلين في مؤسسات إعلامية يُصنّفها الرئيس في لائحة المعادين له. خطابٌ يُنذِر بخطر وقوع حوادث واحتكاكاتٍ عنيفةٍ تؤدي إلى "سفك دماء". جوٌّ تبدو الفترة المكارثية في الخمسينيات، باهتةً، بالمقارنة به. (المكارثيّة هو سلوك يقوم بتوجيه الاتهامات بالتآمر والخيانة من دون الاهتمام بالأدلة، وينسب إلى عضو مجلس الشيوخ الأميركي جوزيف مكارثي).
والإعلام من جانبه ساهم في نفخ النار. صار في معظمه شبه مستهلَكٍ في مطاردة ترامب والدور الروسي في الانتخابات الرئاسيّة الأميركية، فضلاً عن حكاياته "الأخلاقيّة" والماليّة.
تحوَّلت المسألة إلى شيء من المبارزة. أو بالأحرى نجح ترامب في تحويلها إلى معركة يطغى عليها الطابع الشخصي الذي زاد الطين بلّة. والإعلام انساق إلى حدّ ما في هذه اللعبة. فلا هو تمكَّن من حمل البيت الأبيض على تصحيح الظلم، ولا الرئيس تمكن من "إخراس" الإعلام المتحصن بحرية الرأي التي يضمنها الدستور. فكان لا بد من الصدام بينه وبين معظم الصحافة ما عدا جزءاً منها موالياً له، مثل شبكة "فوكس نيوز" المتفرّغة للدفاع عنه. وتزداد خطورة هذا الاشتباك في أنه يحصل فوق مسرح سياسي عميق الانقسام وشديد التنافر. مساحة التسوية التي طالما اتسمت بها الممارسة السياسية في أميركا، تضيق أكثر فأكثر. الاستئثار سيّد الساحة. يُضاف إلى ذلك أن المعركة مع الإعلام تحتدم، في وقتٍ تكشف فيه التحقيقات الروسيّة عن المزيد من المستمسكات. وهو ما يصب الزيت على نار المواجهة بين الرئيس وخصومه.
اقــرأ أيضاً
الصحافة في أميركا سلطة رابعة حقيقيّة ونافذة. تلعب دور الرقيب والمحاسب. لها جسور مع الدوائر الرسمية التي تسرب لها ما يكشف وأحياناً ما يفضح أصحاب القرار. تسبّبت بخلع رئيس وبإقالات واستقالات مسؤولين في الإدارة والكونغرس، فضلاً عن عالم الأعمال والشركات وشارع المال "وول ستريت". تنبش الأسرار وتكشف الخفايا. ومن هنا، كانت علاقتها مضطربة عموماً مع البيت الأبيض. الرئيس ريتشارد نيكسون كان "يكره" الصحافيين. الرئيس جون كينيدي منع بعضهم من تغطية مناسبات في البيت الأبيض. الرئيس بيل كلينتون عانى من ملاحقتهم له ونشر فضيحة وايت ووتر، ثم في قضية مونيكا لوينسكي.
لكن، لم يذهب رئيس أميركي إلى حدود تصنيف الإعلام في خانة "عدو الشعب". ففي ذلك فتح مجابهة مع واحدة من ركائز النظام. والأسوأ أنها تهمة خطيرة أثارت الخشية من أن يجري تفسيرها وكأنها دعوة لاستباحة الصحافة كمؤسسات وصحافيين بخاصة أنّ الأجواء محتقنة كفاية وجمهور الرئيس مستنفرٌ للدفاع عنه من باب أنه يتعرض لمؤامرة للإطاحة به. وتردد أنّ "تهديدات" وجّهت لعدد من رجال الإعلام. يواكب ذلك تنامي الخطاب العنصري وتعبيراته الفاقعة التي صارت تتردد بوتيرة متزايدة ومن غير إحراج أحياناً. ومن غير مجازفة يمكن القول إنّ هذه الأجواء مرشحةٌ للمزيد من التأزم في الأشهر القليلة المتبقية للانتخابات، والتي قد يصدر خلالها تقرير المحقق الخاص روبرت مولر، مع ما قد يفجره من قنابل في أكثر من اتجاه.
والإعلام من جانبه ساهم في نفخ النار. صار في معظمه شبه مستهلَكٍ في مطاردة ترامب والدور الروسي في الانتخابات الرئاسيّة الأميركية، فضلاً عن حكاياته "الأخلاقيّة" والماليّة.
تحوَّلت المسألة إلى شيء من المبارزة. أو بالأحرى نجح ترامب في تحويلها إلى معركة يطغى عليها الطابع الشخصي الذي زاد الطين بلّة. والإعلام انساق إلى حدّ ما في هذه اللعبة. فلا هو تمكَّن من حمل البيت الأبيض على تصحيح الظلم، ولا الرئيس تمكن من "إخراس" الإعلام المتحصن بحرية الرأي التي يضمنها الدستور. فكان لا بد من الصدام بينه وبين معظم الصحافة ما عدا جزءاً منها موالياً له، مثل شبكة "فوكس نيوز" المتفرّغة للدفاع عنه. وتزداد خطورة هذا الاشتباك في أنه يحصل فوق مسرح سياسي عميق الانقسام وشديد التنافر. مساحة التسوية التي طالما اتسمت بها الممارسة السياسية في أميركا، تضيق أكثر فأكثر. الاستئثار سيّد الساحة. يُضاف إلى ذلك أن المعركة مع الإعلام تحتدم، في وقتٍ تكشف فيه التحقيقات الروسيّة عن المزيد من المستمسكات. وهو ما يصب الزيت على نار المواجهة بين الرئيس وخصومه.
الصحافة في أميركا سلطة رابعة حقيقيّة ونافذة. تلعب دور الرقيب والمحاسب. لها جسور مع الدوائر الرسمية التي تسرب لها ما يكشف وأحياناً ما يفضح أصحاب القرار. تسبّبت بخلع رئيس وبإقالات واستقالات مسؤولين في الإدارة والكونغرس، فضلاً عن عالم الأعمال والشركات وشارع المال "وول ستريت". تنبش الأسرار وتكشف الخفايا. ومن هنا، كانت علاقتها مضطربة عموماً مع البيت الأبيض. الرئيس ريتشارد نيكسون كان "يكره" الصحافيين. الرئيس جون كينيدي منع بعضهم من تغطية مناسبات في البيت الأبيض. الرئيس بيل كلينتون عانى من ملاحقتهم له ونشر فضيحة وايت ووتر، ثم في قضية مونيكا لوينسكي.
لكن، لم يذهب رئيس أميركي إلى حدود تصنيف الإعلام في خانة "عدو الشعب". ففي ذلك فتح مجابهة مع واحدة من ركائز النظام. والأسوأ أنها تهمة خطيرة أثارت الخشية من أن يجري تفسيرها وكأنها دعوة لاستباحة الصحافة كمؤسسات وصحافيين بخاصة أنّ الأجواء محتقنة كفاية وجمهور الرئيس مستنفرٌ للدفاع عنه من باب أنه يتعرض لمؤامرة للإطاحة به. وتردد أنّ "تهديدات" وجّهت لعدد من رجال الإعلام. يواكب ذلك تنامي الخطاب العنصري وتعبيراته الفاقعة التي صارت تتردد بوتيرة متزايدة ومن غير إحراج أحياناً. ومن غير مجازفة يمكن القول إنّ هذه الأجواء مرشحةٌ للمزيد من التأزم في الأشهر القليلة المتبقية للانتخابات، والتي قد يصدر خلالها تقرير المحقق الخاص روبرت مولر، مع ما قد يفجره من قنابل في أكثر من اتجاه.