وطرح موروزوف في مقاله الأسئلة التالية: هل الأخبار الزائفة هي السبب في انهيار الديمقراطية؟ أم هي مجرد نتيجة لأزمة هيكلية أعمق موجودة أصلاً منذ فترة طويلة؟ ورأى أن المشكلة تتمثل في أن النخب لا تطرح أياً من هذه الأسئلة، بل تتعامل بطريقة زائفة مع رواية الأخبار الزائفة، إذ "تتبنى تفسيراً سطحياً لمشكلة مؤسساتية عميقة، وترفض الاعتراف بهذا الأمر".
ووجد المشكلة أيضاً في السهولة التي تعاملت بها المؤسسات العريقة والأحزاب الحاكمة والمؤسسات الإعلامية مع الاخبار الزائفة، ما كشف الكثير عن "اللامنفذية" في نظرتهم إلى العالم، وفقاً له.
وشدّد موروزوف على أن التهديد الأول الذي يواجه المجتمعات الغربية اليوم "ليس ظهور الديمقراطية غير الليبرالية في الخارج، بل استمرار الديمقراطية غير الناضجة في الداخل". ورأى أن عدم النضوج هذا يتجلى عند النخب يومياً في نوعين من الإنكار: إنكار الجذور الاقتصادية لمعظم المشاكل الحالية، وإنكار الفساد العميق عند أصحاب الخبرة.
وأشار إلى أن النوع الأول من الإنكار يظهر عندما تُردّ ظواهر مثل "بريكسيت" أو انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية إلى عوامل ثقافية مثل العنصرية أو جهل الناخبين.
أما النوع الثاني فينكر أن سبب الإحباط الهائل الذي يشعر به كثيرون إزاء المؤسسات القائمة ليس عدم معرفتهم بالحقيقة الكاملة لآلية عملها، بل بسبب معرفتهم هذه الآلية جيداً.
ورأى موروزوف أن "عمى واضعي السياسات" عن هذين النوعين من الإنكار، يؤدي بهم إلى إقرار ما ينفر الناخبين في المقام الأول: خبرات أكثر، مركزية أكثر، تنظيم أكثر، معتبراً أنهم "لا يفكرون في سياق الاقتصاد السياسي، لذا يصلون في نهاية المطاف إلى تنظيم الأمور الخاطئة".
واعتبر أن الانهيار الأخلاقي تجاه ظاهرة الأخبار الزائفة يوضح أن هذين النوعين من الإنكار يحكمان على الديمقراطية بعدم النضوج إلى الأبد، إذ إن "رفض الاعتراف بأن أزمة الأخبار الزائفة لديها جذور اقتصادية يجعل الكرملين، عوضاً عن نموذج الأعمال غير المستدام للرأسمالية الرقمية، كبش الفداء المفضل عند الجميع"، وفقاً لموروزوف.
وبالنسبة لموروزوف، فالمشكلة الحقيقية ليست في الأخبار الزائفة، بل في سرعة وسهولة نشرها. وحمل مسؤولية هذا الأمر إلى الرأسمالية الرقمية التي تجني أرباحاً من هذه الظاهرة، مثل "فيسبوك" و"غوغل".
كما رأى أن النوع الثاني من الإنكار يغض النظر عن الفساد عند أصحاب الخبرات اليوم، والدليل على ذلك قبول المؤسسات البحثية تمويلات من الحكومات الأجنبية، تمويل أبحاث حول ظاهرة تغير المناخ من قبل شركات الطاقة، اعتماد المؤسسات الإعلامية على تعليمات وكالات العلاقات العامة، وتوجه المنظمين الماليين والمفوضين الأوروبيين للعمل في "وول ستريت".
وسأل "هل يستطيع أحد حقاً إلقاء اللوم على المواطنين لأنهم يشككون بـ"الخبراء"؟".
وأضاف إن سماع المواطنين شكاوى الصحافيين المحترفين حول الأخبار الزائفة، يزيد من عدم إيمانهم بـ"أصحاب الخبرة"، مؤكداً أن "الديمقراطية قد تغرق أو لا تغرق في الأخبار الزائفة، لكنها تغرق في نفاق النخبة".
وأشار أخيراً إلى أنّ الحل يكمن في "تخفيف محورية الإعلانات الرقمية والنقرات المدمرة في طريقة حياتنا وعملنا وتواصلنا"، وأضاف "نحتاج إلى إعطاء المواطنين مزيداً من صلاحيات اتخاذ القرارات، عوضاً عن الخبراء الذين يرتشون بسهولة، والشركات المرتشية أصلاً".
(العربي الجديد)