وضعت صحيفة "ليكيب" الفرنسية قائمتها السنوية لأفضل 50 لاعباً شابّاً في العالم، وجاء الإسباني أسينسيو، نجم ريال مدريد، في المركز الأول، يليه ديلي آلي، لاعب توتنهام ومنتخب إنكلترا، ثم الثنائي مبابي وعثمان ديمبلي، بينما حل حارس ميلان دوناروما خامساً.
وضمت القائمة أيضاً أسماء بقيمة جيسوس وساني وراشفورد وكومان وآخرين، لكن الشيء المثير للاهتمام تواجد مهاجم ألماني ضمن العشرة الأوائل، في سابقة غير معتادة بالسنوات الأخيرة، نظراً لندرة المهاجمين في الكرة الألمانية، ونقص هذا المركز باستمرار داخل أروقة المانشافت في البطولات القارية والدولية. وحده تيمو فيرنر قدم نفسه كاستثناء حقيقي هذه المرة.
هداف لايبزيغ
خطف لايبزيغ الأضواء من الجميع بالموسم الماضي في البوندسليغا، فالنادي الصاعد حديثاً إلى دوري الأضواء نافس بايرن ميونخ في البداية، وحقق المركز الثاني المؤهل مباشرة إلى دوري أبطال أوروبا بالنهاية، ليتفوق على أنديةعريقة بحجم دورتموند وكولن وبريمن وغلادباخ، مع تألق بعض الأسماء غير المعروفة كنابي كيتا وفورسبيرغوبولسين، وبالطبع تيمو فيرنر، المهاجم الصريح للفريق والمدافع الأول في التشكيلة، والنجم الذي حل رابعاً في سباق الهدافين بموسم 2016-2017، خلف أوباميانغ وليفاندوفيسكي وأنطوني موديست.
طبّق لايبزيغ استراتيجية الضغط لخنق خصومه بعد صعوده الرسمي، بتواجد ثنائي هجومي في العمق مع ثنائي آخرعلى الأطراف، لمراقبة الأظهرة وتضييق الخناق على قلبي الدفاع. وفي حالة مرور الكرة من هذا الرباعي المتقدم، يأتي دور لاعبي الارتكاز في الصعود رفقة ثنائي الأطراف، وتطبيق نفس الكماشة لكن في منطقة المنتصف، أي يجمع الفريق بين 4-2-4 هجوميا و4-4-2 أثناء الضغط، ثم 4-6-0 في الحالة الدفاعية الكاملة. وهي الكرة التي استحدثهاالمدرب رالف هازنهاتل بالتعاون مع المدير الرياضي الأشهر في ألمانيا، رالف رانجنيك.
يحصل فيرنر على دور المهاجم الرئيسي بالخطة، يتمركز باستمرار في الأمام وخلفه مهاجم آخر متحرك. وبدأ اللاعب أولى خطوات النضج مع فريق شتوتغارت، قبل أن ينتقل إلى لايبزيغ بمجرد صعوده، ليضرب نموذجاً مثاليّاً في كيفية التعامل مع دفاعات المنافسين بالقرب من المرمى. وبعد تدرجه مع منتخبات الناشئين، حصل أخيراً على فرصته الحقيقية رفقة المنتخب الأول، لتصفه إذاعة صوت ألمانيا بأنه أفضل ورقة رابحة للمدرب، يواكيم لوف، والأمل الحقيقي في عودة البريق إلى مركز المهاجم بعد سنوات طويلة من الغياب وضعف التأثير.
طريقة اللعب
سجل فيرنر 21 هدفاً وصنع 5 بالموسم الماضي في بطولة الدوري، بينما هز الشباك 5 مرات حتى الآن في 6 مباريات، كدليل حقيقي على قوة اللاعب وحسمه تهديفياً، فهداف لايبزيغ يستطيع اللعب بمفرده في الأمام، ويرحب أيضاً بتواجد زميل آخر بجواره، لأنه لا يقف فقط داخل منطقة الجزاء، بل يتحرك باستمرار في كافة أرجاء الثلث الهجومي، ويستخدم سرعته وقوته البدنية في هزيمة المدافعين، وخلق الفراغ اللازم للتسديد من بعيد، لذلك فهو قادرعلى صناعة الفرص لنفسه ولغيره، مع تحركه في المكان المناسب طلباً للكرة من لاعبي الوسط وصناع اللعب بالخلف وعلى الأطراف.
تيمو قوي البنية وبالتالي فإنه يحافظ على الهجمة تحت الضغط، ويستطيع المزاحمة والقتال على الكرة في الهواء وعلى الأرض، مع تمتعه بكافة مميزات المهاجم الكلاسيكي الخاصة بالتسجيل بكلتا القدمين والرأس. وتشير لغة الإحصاءات إلى أن المهاجم الألماني سجل جميع أهدافه هذا الموسم من داخل منطقة الجزاء، مع صناعته للفرص في منطقة العمق أمام خط الوسط، أي أنه متعاون لأقصى درجة مع بقية أعضاء الفريق، ويسمح للاعبي الوسط بالتوغل إلى الأمام.
يعتمد لايبزيغ في طريقته على الضغط المرتفع كحال معظم فرق ألمانيا، مع ضبط عملية التحولات السريعة من الدفاع إلى الهجوم، لذلك يحتاج دائماً إلى مهاجم سريع في نقل الهجمة، ويجيد العودة إلى نصف ملعبه للاستلام والتسليم، ووضع الخصم في ظهره حتى يصنع التفوق النوعي في وبين الخطوط. وأثبت تيمو فيرنر أنه اللاعب المثالي لهذه الأدوار المعقدة، لذلك نال ثقة يواكيم لوف سريعاً، ورشحه الكثيرون ليكون رأس الحربة الأول للألمان في رحلة الدفاع عن اللقب بروسيا 2018.
المنتخب الألماني
في مونديال 2010 بجنوب أفريقيا، ظهر المنتخب الألماني بتكتيك جديد، مرتبط بصانع اللعب الذي يتحول إلى مهاجم صريح. وخلال مباراة ألمانيا والأرجنتين، فازت الماكينات برباعية نظيفة، وقتها فعل لوف كل شيء أمام دييغو مارادونا، بوضع ميروسلاف كلوزة كمهاجم صريح، وخلفه مسعود أوزيل صانع لعب، أما مولر فكان اللاعب الحر. وأثناء هجوم الألمان، يتحرك كلوزة ليأخذ مكان الطرف بينما يشغل مولر الطرف الآخر، ويتقدم شفاينشتايغر لمركزالوسط المهاجم، ليقوم خضيرة بالتغطية مكانه.
وفق هذه الحالة الخططية، يصعد أوزيل إلى الأمام كمهاجم بدلاً من مركزه الأصلي في صناعة اللعب، ليحصل على الفراغ المنشود ويقترب أكثر من المرمى في ما عرف تكتيكياً بالصانع الوهمي رقم 10. ونجحت تلك الفكرة في ما بعد، نظراً للذكاء الكبير من طرف كلوزة وخبرته العريضة بالكرة ومن دونها. لكن بعد ذلك كبر سن ميروسلاف ولحقه ماريو غوميز، وأصبح مركز المهاجم شحيحاً بعض الشيء، لدرجة أن الفريق حقق كأس العالم في البرازيل معتمداً على نخبة من لاعبي الوسط في التسجيل، كماريو غوتزة وشورلة وتوني كروس.
يعرف المانشافت الفوز بالمهاجم ومن دونه، لكنه يحتاج إلى رأس الحربة الهداف في بعض الأحيان، كما حدث في يورو 2016، حينما ندرت الفرص أمام لاعبي الوسط، واحتاج الفريق إلى من يترجم الفرص إلى أهداف، ويزاحم المدافعين داخل منطقة الجزاء. ومع تألق تيمو فيرنر، فإنه مرشح بقوة لشغل هذا الدور بالفترة المقبلة، خصوصاً أن الطريق ممهد أمامه لعدم وجود منافس حقيقي له، وتواجد أسماء مميزة خلفه كأوزيل وغوريتسكا وساني ودراكسلر وستيندل، لتكون البداية بتألقه في كأس القارات وتتويج منتخب بلاده باللقب على حساب شيلي.
الخطوة القادمة
تطورت الأمور على نحو غير متوقع بالنسبة للمهاجم، من مجرد لاعب عادي غير معروف، إلى أحد أفضل هدافي البوندسليغا رفقة لايبزيغ، ثم كمحطة أساسية مع المنتخب الألماني، لذلك من السهل توقع الخطوة القادمة لتيمو فيرنر، فالهداف لن يستمر مع فريقه الحالي لمدة طويلة، رغم تأكيدات الإدارة بالحفاظ عليه. وبالعودة إلى عقده مع ناديه، فإنه ينتهي في صيف 2020، أي سيبقى فقط عامين بعد نهاية الموسم الحالي، وبالتالي تتضاعف فرص خروجه في حالة تقديم عرض قوي من كبار القارة العجوز.
يحتاج فريق مثل ليفربول لاعباً بقيمة فيرنر، لأنه يناسب أسلوب المدرب، يورغن كلوب، من خلال حركته المستمرة وضغطه على دفاعات الخصوم، مع عدم وقوفه الثابت أمام المرمى، ليطبق تكتيك الضغط العكسي بنجاح. ونتيجة عدم وجود مهاجم حقيقي في تشكيلة النادي الإنكليزي، فإن إمكانية تواجد الألماني حاضرة بقوة. كذلك ربما يحتاج بايرن ميونخ إلى هذا اللاعب بالمستقبل القريب، فالبولندي ليفاندوفيسكي عبر عن عدم رضاه من وضع النادي الحالي، وتشير بعض المصادر إلى احتمالية خروجه بعد فترة، ولن يجد رومينيغة أفضل من فيرنر في حالة حدوث ذلك.
باع ريال مدريد موراتا هذا الصيف، ولم يثبت بعد بورخا مايورال أحقيته بدور رئيسي رغم هدفه في سوسييداد، وبعد إصابة بنزيمة وغيابه لفترة غير قليلة، فإن زيدان هو الآخر يحتاج إلى رأس حربة جديد، ليستخدمه كورقة رابحة وبديل استراتيجي عند تأزم النتائج. فالنادي الملكي حصل على الليغا بهذه الطريقة، نتيجة قوته في قلب النتائج بالدقائق الأخيرة، ومهاجم بصفات تيمو فيرنر سيكون خياراً مناسباً لشغل هذه الوظيفة، ومن ثم شغل الخانة الأساسية بعد ذلك.