في جلسة دامت قرابة الساعة، يفتح شيخ المدربين رابح سعدان قلبه لـ"العربي الجديد"، للحديث عن اللؤلؤة رياض محرز، وعن المنتخب الجزائري بمجموعة من النجوم المغتربين، وكذا كيفية التعامل مع الاتحاد الفرنسي، بخصوص تحويل اللاعبين الدوليين.
سعدان، الذي تعرض للتهميش في بلده الجزائر، رغم أنه حقق المعجزات مع "الأفناك"، يؤكد في هذا الحوار الشيق أنه لم يعتزل مهنة التدريب، ويرغب في تسليم المشعل للأجيال القادمة، لكنه لم يجد الإطار المناسب.
ويعد رابح سعدان، البالغ 69 سنة، المدرب العربي والأفريقي الوحيد الذي خاض أربع مونديالات مع منتخب بلده، واحد مع منتخب الأواسط سنة 1979 ثم مع الأكابر سنوات 1982 في إسبانيا و1986 في المكسيك و2010 في جنوب أفريقيا.
السنوات تمر واسم سعدان لم يعد يتداول في الساحة الكروية، فهل اعتزل "الشيخ" مهنة التدريب؟
بصراحة لم أعتزل التدريب، ولكن الظروف هي التي فرضت عليّ المكوث في بيتي وعدم خوض تجارب أخرى في التدريب، سواء في الجزائر أو خارجها، فبعد قيادتي للمنتخب الجزائري في كأس العالم بجنوب أفريقيا 2010 عشت فترات صعبة، وغادرت المنتخب بطريقة لم أكن أتوقعها.
دخلت في جدال مع رئيس الاتحاد الجزائري محمد روراوة، أليس كذلك؟
ليس جدالاً ولا صراعاً، كل ما في الأمر أنني كنت أريد أن نستثمر في الديناميكية التي نشأت بفضل تأهلنا التاريخي إلى كأس العالم 2010 وعودة الروح للكرة الجزائرية، من خلال وضع برامج كبيرة لبناء مراكز تكوين، والعودة إلى العمل القاعدي، لاسيما أن الدولة كانت ترغب في تمويل مثل هذه المشاريع، لكن بعض المسؤولين في الكرة وفي الوزارة أهملوا هذه البرامج، وبقينا نسير بنفس طريقة الماضي.
عرض عليّ روراوة تولي مهمة الإدارة الفنية، ورفضتها بعد تفكير ملي، لأنني رأيت أنهم لا يريدون الذهاب إلى الحلول الحقيقية لتطوير كرة القدم في الداخل، ويفضلون الحلول السهلة، وبالتالي الحديث عن إدارة فنية والتخطيط والبرمجة على المدى المتوسط والبعيد لا يهمهم في الجزائر.
تملك خبرة نادرة في العالم العربي، ولا أحد حاول استغلالها على الإطلاق؟
هذا ما يحز في قلبي، عملت في المجال الفني وفي أعلى مستوى لمدة فاقت الـ35 سنة، واليوم أجد خبرتي وكل ما تعلمته مجمدة من دون أن أقدمها للأجيال الجديدة، وهو دليل صريح على أن الكرة الجزائرية لا تزال مريضة رغم تألق منتخبها بفضل المغتربين.
عندما نتحدث عن المغتربين لا يمكننا أن نتجنب الكلام عن محرز الذي خطف الأضواء؟
رياض محرز لاعب مهاري وممتاز خلقاً ورياضة، وفوق الميدان أظهر إمكانيات لا أحد كان يراها فيه لاسيما منذ بداية الموسم الجاري، أين شاهدنا كيف تحول محرز من مهاجم عادي في إنجلترا إلى ساحر يصنع الفارق ويقود فريقه نحو القمة.
ما هي العوامل التي جعلت محرز هذا الموسم يختلف تماماً عن محرز المواسم الماضية؟
حسب رأيي تركيبة فريق ليستر سيتي وروح المجموعة التي تسود هذا الفريق جعلت محرز يلعب براحة كبيرة ويحس بأنه عنصر من العائلة، وهذا مهم جداً من الناحية السيكولوجية، فاللاعب الجزائري خجول، وبمجرد أن وجد ضالته وسط أسرة ليستر سيتي التي لا تضم نجوماً أو كوادر كبيرة فجر قدراته الفنية، ويقدم مردوداً كبيراً، سواء في الهجوم أو في الدفاع.
يشبهون، في الجزائر، محرز بعصاد الذي كان لاعباً تحت إشرافك في الثمانينيات، فما رأيكم؟
يصمت قليلاً.. عصاد لاعب خارق للعادة ولديه قوة بدنية أكبر من قوة محرز وسرعته أكبر من سرعة محرز، وظروفهما في ممارسة الكرة مختلفة تماماً، لكنني أفضل تشبيه محرز بلاعب دولي آخر وأقصد به رياض بودبوز، فكلاهما لديه لمسة سحرية باليسرى والاثنان لهما قدرات هجومية عالية.
لكن مسيرة بودبوز لم تكن مثل مشوار محرز؟
فعلاً، في 2010 أشركت بودبوز وهو لم يتعد الـ19 سنة في كأس العالم ولعب مباراة إنجلترا وكان أمامه مستقبل كبير، لكن اختياره للنوادي من سوشو إلى باستيا ومونبوليه لم يكن يليق به، عكس محرز الذي استقر في لسيتر سيتي ووجد ضالته في إنجلترا ولم يغير كثيراً النوادي وهو عامل مهم في نجاح أي لاعب، فبرأيي بودبوز من الناحية الفنية ليس أقل شأناً من محرز.
هل تفضل بقاء رياض لموسم آخر مع ليستر أم يتجه نحو فريق آخر؟
بقاء محرز في ليستر سيتي فكرة مقبولة، لكن حسب رأيي لو يغادر في نهاية الموسم سيكون أحسن له، لأنه من الصعب على ليستر تكرار سيناريو هذا الموسم العام القادم، وكل الفرق ستحسب لليستر أكثر من قبل، وبالتالي مغادرة ليستر من الباب الواسع بعد موسم هائل ولما لا التتويج بلقب تاريخي سيكون أحسن لرياض من المغامرة في البقاء، حتى وإن كانت المشاركة في رابطة الأبطال حدثاً هاماً عند كل لاعب.
يجري الحديث في صحافة إسبانيا عن اهتمام العمالقة، برشلونة والريال والأتلتيكو بمحرز فهل تفضلون ذهاب رياض إلى الليغا الإسبانية أم لا؟
صعب جداً على محرز فرض وجوده في نوادٍ مثل البارسا والريال، فهذه النوادي لديها نجوم عالميون ومحيطها من الصعب التأقلم معه، وانظروا ما حدث لعدة نجوم فشلوا في برشلونة وحتى في ريال مدريد وحسب رأيي الانتقال الى مثل هذه الفرق مجازفة كبرى لمحرز وعامل اللغة ليس في صالح لاعبنا الجزائري، ببساطة برشلونة والريال خطر على رياض.
يعني أنت تفضل بقاءه في دوري إنجلترا؟
طبعاً الدوري الإنجليزي هو الأقوى في أوروبا ورياض تأقلم كثيراً مع أجواء إنجلترا والأحسن له أن يبقى في هذا الدوري، لكن عليه أن يرتقي إلى فريق آخر يتحسن معه ويجني ألقاباً أخرى، وأظن أن مانشستر يونايتد هو الفريق الذي يليق بمحرز حالياً، ففريق مانشستر يونايتد في الظرف الحالي يمر بفترة انتقالية ويبحث عن تشكيلته منذ موسمين ولو يلتحق محرز بهذا الفريق سيفرض وجوده كأساسي وسيبني عليه المدرب قاطرته الهجومية، وهو ما سيسمح ببقاء رياض في مستواه العالي ولا يركن الى دكة الاحتياط.
هل يمكن القول إن الجزائر بدون مغتربيها لا تساوي شيئاً؟
يجب أن نضع الأمور في إطارها، والجزائريون ليسوا فقط من يعيش على التراب الجزائري بل موجودون في كل العالم ولديهم الحق في بلدهم مثل بقية اللاعبين، لكن ما وقع للجزائر في فترة الإرهاب من 1990 الى سنة 2000 فرمل كل القطاعات بما في ذلك كرة القدم التي تقهقرت ولم نعد نستطيع بناء منتخب قوي لأن الدوري تراجع مستواه ولجوؤنا الى المغتربين من الدرجة الثانية الفرنسية كان حلاً مؤقتاً ليصبح اليوم اللجوء الى المنتوج الفرنسي حلاً دائماً.
تريد أن تقول إن ما كان مؤقتاً أصبح هو السائد؟ وأن المسيرين يريدون المنتوج الجاهز فقط؟
فعلاً، في الاتحاد الجزائري رفضوا بناء مراكز تكوين عالية المستوى مثلما فعلت فرنسا مع كليرفونتين، وبقيت المشاريع منذ 2009 مجرد كلام الى اليوم، وفي النوادي الجزائرية لا أحد بنى مركزاً للتكوين عدا فريق بارادو حيدرة الذي حاربوه من كل جهة، وأصبحنا اليوم نستورد لاعبين من فرنسا بجوازات سفرهم الجزائرية.
فرنسا التي تضم 6 ملايين جزائري قدمت لنا مئات اللاعبين والجزائر التي بها 40 مليون نسمة فشلت في منحنا حارس مرمى واحداً، أليس هذا منطقاً مقلوباً؟
للأسف هذا هو الواقع المر الذي يرفض مسيرو الرياضة والكرة عندنا الحديث عنه، والأرقام التي تتحدث عنها هي صفعة لنا، فلا يعقل أن تكون الجزائر بـ 40 مليون نسمة بها أكثر من 28 مليون شاب عاجزة عن بناء منتخب واحد ولا نملك حارس مرمى واحداً قادراً على أن يخلف الحارس رايس مبولحي، فالمشكل عميق والمسيرون يتبعون سياسة الهروب الى الأمام ويرفضون العودة الى العمل القاعدي رغم أن الأموال موجودة في بلدنا..
الغريب أن جيراننا في تونس والمغرب يملكون نفس الحظوظ فيما يخص المغتربين ولم يحسنوا استغلالهم؟
في عهد روجي لومير كان الاتحاد التونسي قوياً ومنظماً ويجلب أحسن المغتربين، واليوم الظروف السياسية والأمنية في هذا البلد الشقيق جعلت الدوري التونسي يتراجع والاتحاد يبقى ضعيفاً من حيث الهيكلة لكنني أتعجب للمغرب الشقيق الذي لم يتمكن من بناء منتخب قوي رغم وجود عشرات اللاعبين الكبار في أوروبا وبرأيي مشكلة المغرب في التسيير وليس في الجانب الفني.
في المغرب هناك استقرار أمني ولا توجد أزمة مالية لكن التغييرات تتواصل؟
فعلاً في كل سنة تسمع بأنهم غيروا المدرب، وقبل أسابيع تمت تنحية بادو الزكي وجلبوا هيرفي رينار، والظاهر أن أصدقاءنا المغاربة لم يحفظوا درس المدرب البلجيكي إيريك غيريتس، ومؤسف أن لا ترى نوادي المغرب في الواجهة القارية في كؤوس أفريقيا.
حتى مصر تعاني نفس مشاكل تونس؟
نعم الاستقرار السياسي والأمني مهم في أي بلد، والكرة المصرية عاشت أزهى أيامها في عهد الاستقرار، ومنتخبهم كان أغلب لاعبيه من الأهلي والزمالك، ونجحت فرقهم في الظفر بكؤوس أفريقيا لعدة سنوات، وحتى عندما أزحنا مصر من كأس العالم 2010 فلم نكن أقوى منهم فنياً، بل كنا نملك منتخباً له روح جماعية قوية، وأظن أن الكرة المصرية ستعود، لأن نواديها الكبرى لديها مراكز تكوين وفور عودة الاستقرار في البلد ويعود الدوري الى مستواه سيكون لمصر منتخب قوي كالعادة.
يجري الحديث في الجزائر عن قرب رحيل مدرب المنتخب كريستيان غوركوف؟
لا أدري السبب الذي يجعل غوركوف يغادر المنتخب الجزائري، حيث يقوم هذا المدرب بعمل جيد، وظاهر عليه أنه مدرب هادئ ويتجاوب معه اللاعبون كثيراً، لكن إذا قرر هو المغادرة لأسباب شخصية، فلا أعتقد أن المنتخب الجزائري سيتأثر برحيله.
وهل سعدان مستعد للعودة إلى العمل الفني؟
كمدرب في الميدان الأمر لا يستهويني كثيراً، لكن أنا مستعد لتقديم خبرتي في هذا المجال لتستفيد منها الأجيال القادمة.
اقرأ أيضا:"النني" رابع لاعب مصري يتمكن من هز شباك برشلونة