سمح البنك المركزي المصري، برفع الحد الأقصى لأقساط القروض للأغراض الاستهلاكية "التجزئة" إلى 50 في المائة من إجمالى دخل الفرد بدلا من 35 بالمائة، في خطوة لتحريك الأسواق التي تواجه ركوداً بسبب التراجع الحاد لقدرات المواطنين الشرائية، بينما استبعد خبراء اقتصاد أن تحقق هذه الخطوة نتائج إيجابية لارتفاع كلف الاقتراض وامتصاص الاحتياجات الأساسية للعيش معظم دخل المصريين.
وشمل قرار البنك المركزي، الصادر نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، القروض الشخصية وقروض السيارات لأغراض الاستخدام الشخصي والبطاقات. وقال أحمد ذكر الله، الخبير الاقتصادي، إن الأسواق بدأت في دفع ثمن معاناة المستهلك من الإجراءات الاقتصادية شديدة القسوة التي تم اتخاذها على مدار السنوات الست الأخيرة، من رفع أسعار الوقود والمواصلات العامة والسلع وغيرها، وهو ما أثر على قدرته الشرائية.
وأضاف ذكر الله أن تراجع القدرات الشرائية انعكس سلباً على حركة الأسواق، مشيرا إلى أن قرار البنك المركزي رفع الحد الأقصى لأقساط القروض الاستهلاكية إلى 50 في المائة من الدخل، لن يساهم في تحريك الأسواق وكسر الركود، لعدة أسباب منها، أن الشريحة الكبرى من المستهلكين من أصحاب الدخول المحدودة، وبالتالي لن يستفيدوا من مثل هذه القروض، لأن دخولهم لا تسمح بتوفير جزء لسداد أقساط القروض.
ولفت إلى أن أسعار الفائدة مرتفعة رغم التخفيضات الأخيرة لتتراوح بين 12 و14 في المائة وقد تصل إلى 25 في المائة في الكثير من الأحيان وفق طبيعة القرض والرسوم الإدارية وغيرها.
وحذر من تورط المواطنين في مثل هذه القروض دون قدرة على السداد، ما يعرضهم للسجن، وكذلك تعثر أصحاب القروض بالتأكيد سيورط الجهاز المصرفي ولو بشكل جزئي في مشاكل كان في غنى عنها.
ودفعت حالة الركود، التي تخيم على الأسواق المصرية، التجار في العديد من القطاعات، إلى حرق الأسعار في محاولة لجذب المشترين وإنقاذ أنشطتهم، التي باتت مهددة بالإغلاق مع انحدار القدرة الشرائية لأغلب المواطنين الذين أنهكتهم قرارات متلاحقة لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي برفع أسعار مختلف السلع والخدمات منذ نحو ست سنوات.
وأظهرت مؤشرات اقتصادية، تراجع الطلب على عشرات السلع خلال 2019، بنسب تخطت 50 في المائة، مقارنة بالعام 2018. وتسبب الركود الحاد في الأسواق في تراكم مخزون بعض السلع الغذائية، في سابقة غير معهودة في البلد الذي يتجاوز عدد سكانه 100 مليون نسمة.
ولم تكشف الحكومة المصرية عن آخر أرقام الفقر في العامين الأخيرين، مكتفية وفق بيان صادر في يوليو/تموز الماضي عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بالإعلان عن ارتفاع معدلات الفقر إلى 32.5 في المائة من عدد السكان، بنهاية العام المالي 2017/2018، مقابل 27.8 في المائة لعام 2015/2016، وهي أعلى نسبة للفقر منذ عام 2000. ويبدأ العام المالي في الأول من يوليو/تموز.
بينما أظهرت مؤشرات حديثة للبنك الدولي ارتفاع نسبة الفقر والفئات القابلة للدخول في دائرته بنحو 60 في المائة. وطبقاً لتقرير مؤشر الجوع العالمي، الذي يصدر سنوياً عن المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، جاءت مصر في المرتبة 61 ما بين 119 دولة، ويعتمد التقرير على البيانات الأولية لمنظمات أممية منها الفاو والصحة العالمية، واليونيسف، والبنك الدولي.
ووفق بيانات مؤشر "آي.إتش.إس ماركت" لمديري المشتريات في مصر، الصادرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فإن أنشطة القطاع الخاص غير النفطي، انكمشت للشهر الرابع على التوالي في نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 47.9 نقطة مقابل 49.2 نقطة في أكتوبر تشرين/ الأول، مسجلة أبطأ وتيرة في أكثر من عامين.
ويوظف القطاع الخاص نحو 70 في المائة من القوة العاملة، وفق البيانات الرسمية، ما يشير إلى أن الانكماش المستمر يهدد بعمليات تسريح واسعة للعمال وزيادة معدلات البطالة، في البلد الذي وصلت فيه معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة.
ويتزامن تراجع القطاع الخاص، الذي يسهم بأكثر من 80 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفق بيانات وزارة الصناعة والتجارة، مع تغلغل الجيش المصري في مختلف الأنشطة الاقتصادية في السنوات الأخيرة، حيث أعلن المتحدث العسكري في 2019، أن الهيئة الهندسية التابعة للجيش تشرف على نحو 2300 مشروع يعمل بها 5 ملايين شخص.
وقال مصطفى شاهين، الخبير الاقتصادي، إن الركود الحاد الذي يضرب أركان السوق، هو ما دفع البنك المركزي لضخ تدفقات مالية عن طريق الإقراض لتقليل حدة الأزمة، لافتا إلى أن القروض الاستهلاكية لن تسهم بشكل ملموس في تنشيط المبيعات.