التحدّي الأخطر الذي يواجه الأردن هو ذلك التضافر بين جائحة كورونا وآثارها الاقتصادية من ناحية، والاحتمال الحالي لضم أراضٍ من الضفة الغربية إلى إسرائيل بموجب قرار حكومي إسرائيلي، لا شك في أنه سيحظى بالأغلبية المطلقة داخل الحكومة والكنيست، حيث تتمتع الحكومة بتأييد عالٍ؛ 73 صوتاً ضد 47 من المعارضة.
فالاقتصاد الأردني واجه هزّة قوية بفعل كورونا، والذي أدى حتى الآن إلى تراجع في الناتج المحلي الإجمالي إلى سالب 2%، بدلاً من 2.2% كانت متوقعة في شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2019. ومن المتوقع أن تتجاوز نسبة البطالة 23% خلال العام الجاري مقابل 19% في العام الماضي، وأن ترتفع نسبة الفقر إلى نحو 20% بدلاً من 15%.
وقد اجتهدت الإدارة العليا الأردنية في تغطية العجز التمويلي للحكومة عن طريق الحصول على قروض مستعجلة من صندوق النقد والبنك الدوليين، ونزر من المساعدات الإضافية من أوروبا ودولة أو دولتين من الخليج.
وسوف تطرح الحكومة أيضاً سندات جديدة للاقتراض داخل الأردن وخارجه، في الوقت الذي تراجع فيه تقييم أهليتها " تصنيفها الائتماني" للاقتراض حسب وكالة "موديز" إلى -B/B، ما سيرفع من نسبة الفائدة على هذه السندات.
أما بالنسبة لميزان المدفوعات، فربما لم يتأثر حجم العجز فيه لأن أسعار النفط تراجعت. وكذا حجم الاستيراد من السيارات والأثاث والملابس وغيرها، كذلك فإن الأردنيين توقفوا عن السفر للخارج، ولكن المعضلة الأقسى هي اعتماد المملكة على دول الخليج.
ويقدر عدد الأردنيين العاملين في دول الخليج بنحو 800 ألف شخص، يقدر أن 500 ألف منهم مرشحون للعودة، إن لم تتعاف اقتصادات الخليج في الوقت المناسب.
وفِي الوقت نفسه، فإن حجم المساعدات المباشرة، والديون الميسرة، وحوالات العاملين، والصادرات السلعية، وصادرات الخدمات إلى دول الخليج تشكل في مجموعها حوالي ثلثي دخل الأردن من العملات الأجنبية. وإذا هبطت إلى النصف، فذلك يعني تراجع دخل الأردن من دول الخليج بنحو 4 مليارات دينار سنوياً (5.6 مليارات دولار).
وانكشاف الأردن أمام التراجع في اقتصادات دول الخليج سيجعله عُرضةً لضغوط السياسة الأميركية، فالولايات المتحدة تقدّم للأردن مساعدات بنحو 1.6 مليار دولار سنوياً، ويصدّر الأردن للولايات المتحدة ملابس وأغذية ومعدات تكييف وأدوية وغيرها بنحو 1.5 مليار دولار. كذلك، فإن قروض صندوق النقد والبنك الدوليين اللذين تتمتع فيهما الولايات المتحدة بتأثير كبير قد تتراجع.
ولذلك، تضافرت المؤثرات السلبية الاقتصادية لكورونا داخلياً مع احتمالات الضغوط الخارجية إقليمياً وأميركياً مع احتجاجات مكبوتة من أوروبا ضد قرار إسرائيل ضم أراضٍ فلسطينية، حدودية مع الأردن، إليها، وتأييد معنوي من دول كالصين وروسيا، ما يطرح خيارات صعبة أمام الأردن والإدارة العليا فيها.
الخيار الأول
أن يقاوم القرار بهدف تأجيله أو منعه. والتأجيل ممكن، أما منع ضم أراضي البحر الميت ووادي الأردن فهو مطلب كبير. والعجيب أن بعض التصريحات العربية تحذّر من أن اتخاذ القرار بضم هذه الأراضي سوف ينهي حل الدولتين في أراضي فلسطين التاريخية. عجيب هذا القول، لأن المقصد الأساسي لإسرائيل من الضم هو أصلاً منع حل الدولتين.
الخيار الثاني
أن ينفذ الأردن وعده بالبدء بالتصعيد ضد إسرائيل عن طريق استرجاع السفير الأردني في تل أبيب، أو اعتبار السفير الإسرائيلي في الأردن شخصاً غير مرغوب فيه، أو عن طريق إيقاف العمل باتفاق الغاز، وأخيراً وليس آخراً إلغاء معاهدة السلام بين البلدين.
وإذا عدنا إلى أدبيات الحكومة الإسرائيلية الحالية، كما تعكسها المقالات والاقتباسات في صحيفة "إسرائيل هيوم" الموالية لحزب الليكود ونتنياهو بالذات، فإنهم يقللون من أثر هذه الإجراءات على القرار الإسرائيلي، ويقولون إن الأردن لن يستطيع الصمود طويلاً أمام الضغوط التي ستمارس عليه.
الخيار الثالث
أن يسعى الراغبون في إسرائيل إلى الحفاظ على السلام مع الأردن في البحث عن قرار يجعل خريطة الأراضي التي ستضم لإسرائيل أكثر قبولاً للأردن، عن طريق فتح خطوط مباشرة بين الأردن وأراضي السلطة الفلسطينية الباقية، هذا إن بقيت سلطة.
الخيار الرابع
أن ما سيعرض على الأردن لن يكون مقبولاً منه إلا إذا وافقت عليه السلطة الفلسطينية. ولكن إن تهاوت السلطة بفعل إسرائيلي، فسوف يكون الأردن في موقفٍ صعب ومعقد للغاية، ويفتح الباب على احتمالات الخلاف أردنياً وفلسطينياً. ولذلك، سيرفض الأردن هذا الخيار.
الخيار الخامس
أن يقرّر الأردن، وبتأييد فلسطيني، المقاومة، لأن السكوت على السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية يعني أن الأردن سيبقى تحت الضغط المتواصل لكي يسمح بهجرة الفلسطينيين القسرية إلى الأردن. وقرار المقاومة هذا له ثمنه، ولكن أيضا سيكون مكلفاً جداً لإسرائيل.
كل الحلول صعبة، وجميع السيناريوهات معقدة. وفِي غياب الوطن العربي، وتخليه عن القضية الفلسطينية، ستكون العواقب وخيمة جداً على بعض الأنظمة، كما حصل بعد عامي 1948 و1967.