تتسع تداعيات المأزق السياسي الذي يشهده لبنان، لتمتد إلى قطاعات حيوية جديدة في الدولة، إذ حذرت نقابات المخابز والأفران من أن الطحين والمازوت المتوفرين لدى المخابز يشارفان على الانتهاء، فيما تستمر أزمة السيولة النقدية مع إغلاق البنوك، الذي أدى إلى ارتفاع سعر صرف الدولار فوق عتبة 1700 ليرة.
ووجد الصرّافون فرصة ذهبية في "الفراغ" المصرفي السائد مع إقفال البنوك أبوابها 8 أيام على التوالي، فرفعوا سعر صرف الدولار في السوق الموازية، أمس السبت، إلى 1640 ليرة للشراء و1710 ليرات للبيع، فيما يبلغ متوسّط السعر الرسمي 1507.5 ليرات فقط.
وقالت مصادر في سوق الصرف لـ"العربي الجديد" إن السعر يتغيّر تبعاً لجملة عوامل، من أبرزها معرفة الصرّاف الزبون المحتاج الدولار وما إذا كان من عملائه المعتادين، والكمّية التي يريد تحويلها من الليرة إلى الدولار وبالعكس، ومدى السيولة الدولارية المتوافرة لدى كل صرّاف.
مصادر مسؤولة في جمعية مصارف لبنان، أفادت "العربي الجديد" بأن ثمة توجهاً لدى مجلس إدارتها للتفاهم والتنسيق مع حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، من أجل اتخاذ القرار المناسب بشأن استئناف العمل، مع تغليب السيناريو الذي عمدت الجمعية إلى اعتماده منذ بدء التظاهرات الاحتجاجية في العاصمة والمناطق، والقاضي بتقرير الإقفال أو الفتح يوماً بيوم تبعاً للتطوّرات على الأرض لضمان سلامة الظروف التشغيلية للقطاع.
وقالت المصادر إن "الهاجس الأكبر حتى الآن هو تأمين وصول الموظفين إلى مراكز عملهم، ثم سلامة الموظفين والزبائن والممتلكات داخل الفروع، وانتظام العمل مع مصرف لبنان الذي لا يزال مغلقاً".
وتسود مخاوف من حدوث إقبال كبير على سحب الودائع من البنوك حال فتحها، لكن مصدراً في أحد المصارف الكبرى اعتبر أن هذه المخاوف ليست في محلها، على اعتبار أن الودائع عادة مجمّدة لفترة معينة ولا تُصرف قبل استحقاقها إلا بموافقة المصرف الذي يحق له عدم صرفها للزبون قبل أوانها.
وتغلق المصارف اللبنانية أبوابها منذ الجمعة قبل الماضي، على وقع احتجاجات عارمة تشهدها البلاد، بدأت كردّ فعل على قرار الحكومة زيادة الضرائب في إطار إعداد موازنة العام المقبل.
كذلك لجأ بعض البنوك اللبنانية إلى خفض سقف قيمة السحوبات النقدية اليومية من صرّافاته الآلية. ووفقاً لهذه الخطوة لن يكون بمقدور العملاء أن يسحبوا في اليوم الواحد أكثر من مليون ليرة (663.3 دولاراً، أو 5 ملايين ليرة) أسبوعياً.
وتمتد أزمة السيولة النقدية إلى قطاعات حيوية في الدولة، فقد وجهت نقابات المخابز والأفران نداء إلى "المسؤولين للعمل على تأمين الطحين والمازوت للأفران والمخابز، بعد أن شارفت على النهاية، مما يؤدي إلى توقف إنتاج الخبز الذي هو الغذاء الأساسي لذوي الدخل المحدود والفقراء".
وأشارت النقابات في بيان، أوردته وكالة الأنباء اللبنانية، إلى أن "تسليم مادة المازوت باتت تسدد قيمتها نقداً وبالدولار وهذا غير متوفر لدى الأفران والمخابز بسبب الظروف الراهنة".
كذلك دعت النقابات المتظاهرين إلى "تسهيل مرور القمح إلى المطاحن وبالتالي الطحين والمازوت إلى الأفران، لأن العواقب الخطيرة والكبيرة لن تطاول إلا الطبقة الفقيرة"، لافتة إلى أنها تعمل في "ظروف صعبة جداً بهدف الاستمرار في تأمين الخبز إلى جميع اللبنانيين دون استثناء".
والخميس الماضي، أعلنت جمعية المستهلك، في بيان، أن مجموعة من المعلومات والشكاوى وصلت إليها من المواطنين عن كثير من المخالفات التي تقوم بها متاجر وتجار في بعض المناطق، مشيرة إلى أن "هناك بداية ارتفاع في أسعار السلع، خصوصاً في المناطق البعيدة عن المركز".
وأوضحت: "في خصوص الخدمات، هناك ارتفاع واضح في أسعار بطاقات الخلوي. كذلك لا تلبي الصرافات الآلية حاجات المواطنين، وهي بدورها تفاقم الأزمة"، محذرة "التجار، بالجملة أو بالمفرق (التجزئة)، من استغلال الظرف لنهب المواطنين، كما جرت العادة"، داعية "المواطنين إلى إعلام الجمعية عن أي مخالفات يلاحظونها".
وتتزايد المخاطر الاقتصادية، التي يتعرض لها لبنان، بينما يتسع الغضب الشعبي، جراء تواصل التدهور المعيشي، في حين أصبح البلد أقرب للأزمة المالية من أي وقت مضى.
وفي وقت سابق من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، قررت مؤسسة موديز للتصنيفات الائتمانية العالمية وضع تصنيف لبنان (سي.ايه.ايه 1) قيد المراجعة تمهيداً لتخفيضه، وقدرت أن المصرف المركزي الذي تدخّل لتغطية مدفوعات الديون الحكومية بقيت لديه احتياطيات قابلة للاستخدام تتراوح بين 6 و10 مليارات دولار فقط للحفاظ على الاستقرار.
وتبلغ قيمة الديون التي يحين أجل سدادها في نهاية العام المقبل نحو 6.5 مليارات دولار، فيما قال المصرف المركزي إن الاحتياطي النقدي في 15 أكتوبر/ تشرين الأول بلغ 38.1 مليار دولار.
ونقلت رويترز عن مسؤول لم تكشف عن اسمه، الأسبوع الماضي، أن لبنان لديه احتياطيات حقيقية تبلغ 10 مليارات دولار فقط، مضيفاً أن "الوضع في غاية التردي و(أمام لبنان) خمسة أشهر لتصحيح الوضع وإلا سيحدث انهيار في فبراير/ شباط المقبل".