وأمس الجمعة أعلنت وزارة التجارة الأميركية بيانات الربع، والتي أوضحت أن صافي الصادرات، أي الصادرات مخصوماً منها الواردات، ساهمت في أكثر من 1% من معدل النمو الذي تم تحقيقه، وأن توليفة من "ارتفاع الصادرات، وانخفاض الواردات، وزيادة الإنفاق على مخزون الشركات، ساهمت في التخفيف من أثر ضعف النمو في الإنفاق الاستهلاكي واستثمار الشركات"، الأمر الذي ساعد على تجاوز الاقتصاد الأميركي التوقعات.
ورغم ما قد يبدو في البيانات المعلنة من انتصار لإدارة ترامب، وهزيمة للتيار المتشائم، من منتقدي سياسات الرئيس والإدارة الحاليين، الذين كانوا يحذرون من تباطؤ الاقتصاد الأميركي، خاصةً مع انحسار تأثير الإعفاءات الضريبية كمحفز للنمو الاقتصادي، إلا أن النظر إلى ما وراء الأرقام يؤكد وجود أكثر من مبرر للقلق.
وفي مذكرة من مركز الأبحاث الشهير كابيتال إيكونوميكس إلى عملائه، أكد المركز أن عوامل القوة الرئيسية في الاقتصاد الأميركي، كما جاءت في بيانات وزارة العمل، كانت ثلاثة، و"ستزول جميعها في الربع الثاني من العام، والفترات التالية".
وأوضحت المذكرة أن مساهمة صافي الصادرات في معدل النمو تحققت بعد أن ارتفعت الصادرات بنسبة 3.7%، وانخفضت الواردات بنسبة 3.7%، وأن "هذا لن يستمر مع تباطؤ حركة التجارة العالمية".
أما ثاني تلك العوامل فكان الإضافة التي تسبب فيها ارتفاع مخزون الشركات، وهو ما يعني ارتفاع نسبة المخزون إلى المبيعات، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى "عكس ذلك الاتجاه في الفترة القادمة".
وارتفعت الواردات الأميركية، وتحديداً من الصين، خلال النصف الثاني من العام الماضي، وهو ما تسبب في وصول العجز التجاري للولايات المتحدة إلى مستويات قياسية خلال العام الماضي، حيث عمد المستوردون الأميركيون إلى الحصول على احتياجاتهم لفترات ممتدة، تحسباً لتنفيذ ترامب تهديداته بفرض تعريفات مضاعفة على الواردات مع بداية العام الجديد.
وتم تأجيل فرض التعريفات أكثر من مرة، أملاً في الوصول إلى اتفاق، بعد أن أبدت العديد من الشركات الأميركية اعتراضاً بسبب ارتفاع تكاليف الانتاج لديها، كون أغلب المواد الوسيطة يتم استيرادها من الخارج، ومن الصين بصورة أساسية. وقالت وزارة التجارة إن مخزون الشركات غير الزراعية ساهم بنسبة 0.67% من معدل النمو المحقق خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى مارس/آذار 2019، وهو ثالث ربع على التوالي يشهد ارتفاعاً كبيراً في مخزون الشركات.
ويقول بول أشوارث، كبير الاقتصاديين المتخصصين في الشأن الأميركي في كابيتال إيكونوميكس، "لو استبعدنا أثر التجارة والمخزون، يتضح أن المشتريات المحلية زادت بمعدل 1.4% فقط، وهو أقل معدل زيادة خلال السنوات الثلاث الأخيرة". وأكد أشوارث أن "هذا يعد مؤشراً أفضل لقياس قوة الاقتصاد".
أما العامل الثالث وراء الأرقام الصادرة حديثاً، فيرى مركز الأبحاث أنه "على الرغم من معدل النمو المتواضع في المشتريات المحلية، إلا أنه يحمل في طياته زيادة مثيرة للقلق في إنفاق الحكومة المحلي تقدر بـ3.9%، والتي نتجت عن طفرات مؤقتة في الاستثمارات الحكومية في إنشاء الطرق السريعة، والتي بدونها لم يكن معدل النمو الاستهلاكي ليتجاوز 1.2%".
ويرى كابيتال إيكونوميكس أنه "بدون الدفعات المبالغ فيها من صافي التجارة، والمخزون، واستثمارات الطرق السريعة، وكلها ستتراجع في الفترة القادمة، فإن معدل النمو لا يتجاوز 1%"، وهو ما جعل المركز يؤكد توقعاته السابقة بتباطؤ نمو الاقتصاد خلال العام الحالي، "وهو ما سيجبر البنك الفيدرالي على تخفيض معدل الفائدة قبل نهاية العام"، بحسب المركز.
ومثلت أرقام وزارة التجارة مفاجأة كبيرة للكثير من المتابعين، بعد أن تعددت تحذيرات صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي من تباطؤ الاقتصاد العالمي، وكان آخرها ما تم الإعلان عنه خلال اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين في واشنطن قبل منتصف الشهر الجاري. وأظهر محضر اجتماع بنك الاحتياط الفيدرالي الأخير الذي عُقد في 19-20 مارس/آذار الماضي، وتم نشر تفاصيله قبل منتصف إبريل/نيسان الجاري، أن البنك خفض توقعاته لمعدل نمو الاقتصاد الأميركي خلال 2019 إلى 2.1%، وهو ما يقل بأكثر من واحد في المائة عما تم تحقيقه خلال الربع الأول، وعن توقعات إدارة ترامب.
وعادةً ما يكون الربع الأول من العام هو الأضعف في معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة.
وتبادل أعضاء الحزب الجمهوري على مواقع التواصل الاجتماعي التهنئة بـ"إنجازات الاقتصاد" في ظل الإدارة الحالية، ومن إنديانا بوليس في ولاية إنديانا، حيث يحضر المعرض والمؤتمر السنوي للسلاح، الذي يمثل رواده أحد أهم قواعده الانتخابية، غرد ترامب على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، معبراً عن سعادته بمعدل النمو الذي تم تحقيقه خلال الربع الأول "هذا المعدل يفوق التوقعات والتقديرات، والأهم، معدل تضخم منخفض جداً. لنجعل أميركا عظيمة مجدداً".
وانخفض مؤشر أسعار إنفاق الاستهلاك للأفراد، أحد مؤشرات التضخم الإجمالي في الولايات المتحدة، خلال الربع الأول ليصل إلى 0.6%، بعد أن كان 1.5% في الربع السابق، وهو ما يتمناه دائماً ترامب، الذي يضغط منذ فترة على البنك الفيدرالي من أجل تخفيض معدلات الفائدة. ويعد معدل التضخم أهم العوامل التي ينظر إليها البنك عند اتخاذ قرار بخصوص معدلات الفائدة.