في دلتا النيل بمصر في قلب الحقول الخضراء، أمضى فتوح خليفة نحو ثلاثين عاما وهو يزرع "الذهب الأبيض"، لكن ابن محافظة كفر الشيخ يصطدم اليوم بأزمة البقاء التي يعاني منها القطن المصري.
وقف خليفة وسط حقله في قرية محلة موسى محاطاً بمزارعات ارتدين القبّعات لحماية رؤوسهن من أشعة الشمس الحارقة، وهن يجمعن المحصول الأبيض بأصابعهن.
قال فتوح خليفة، الخمسيني "أنا أزرع 100 فدان من القطن تكلّف الكثير، لكن السعر هذه الأيام ضعيف جدا ولا نحقق ربحا"، ويتهم خليفة الشركات بأنها "تتحكم في الأسعار اليوم".
تحديات كبرى
ويرى أحمد البساطي، الرئيس التنفيذي لشركة النيل الحديثة للأقطان، إحدى كبرى شركات القطاع، أنه من الضروري إنتاج القطن قصير التيلة لتلبية الطلب المحلي.
ويقول البساطي إن "انخفاض الأسعار ليس شيئا سيئا في حد ذاته، ولكنه يجب أن يحقق هدف جميع العاملين في الحلقة". وبالنسبة له، يبقى التحدي الرئيسي هو إنتاجية قطاع يبدو أن الزمن قد عفا عليه بعض الشيء، مضيفا أن "الإنتاجية هي التحدي الأكبر لمحصول القطن، سواء القصير أو الطويل".
ومن جهته، يرى هشام مسعد، مدير معهد بحوث القطن في وزارة الزراعة، أن "الإنتاجية مرتفعة"، موصيا "باستخدام الماكينات في زراعة القطن، على غرار زراعة القمح والذرة بدلا من الزراعة اليدوية"، حيث تعتبر قلة المنتجات النهائية المصنعة تحديا آخر يواجهه القطن المصري.
ويقول محمد شتا، مدير البحوث في معهد القطن بكفر الشيخ "القطن (المصري) ننتجه حتى نصدره خاما، لأن مصر لا تمتلك المغازل أو الإمكانيات التي تحوّل الخام إلى نسيج".
وفي أحد مصانع النسيج شمال القاهرة، تقول ماري لويس بشارة، مصممة الأزياء "نحن نحاول أن نعرّف العالم بأهمية الموضة المصرية، وأنه إذا أراد إنتاج سلعة فاخرة فيجب استخدام قطن الدلتا الطويل (التيلة)".
وتأثرت زراعة القطن بشكل كبير منذ عام 2011، حيث تراجعت جودة إنتاج القطن المصري، وهي القيمة المضافة الوحيدة له حين كانت تكلفة إنتاجه وسعر شرائه باهظي الثمن، لذلك فإن القطاع يحاول جاهدا استعادة هيبته السابقة.
ولكن في عام 2017 أعطى ارتفاع سعر شراء قنطار القطن (100 كلغ) أملا للمنتجين، حيث وصل إلى 3000 جنيه (167.6 دولارا تقريبا)، ولكن سرعان ما تلاشت الآمال وهبط السعر مرة أخرى إلى 2700 جنيه (150.83 دولارا) هذا العام، وهو السعر "الضماني" أو الاسترشادي الأدنى الذي حددته الدولة لشراء القطن.
مكانة عالمية
واشتهر القطن المصري، خصوصا في منطقة الدلتا شمال القاهرة، بجودته في أنحاء العالم، لما يتميز به من طول التيلة، وكان يمثّل مصدرا للثروة والتنمية في البلاد.
وخلال القرن التاسع عشر، جعلت جودة القطن العالية مصر مرجعا للعالم لهذا "الذهب الأبيض". أما اليوم، فباتت هناك دول أخرى تنتج نفس النوع من القطن تحت مسمى "القطن المصري".
كذلك أدت عقود من المنافسة العالمية الشرسة، بما في ذلك القطن قصير التيلة الذي يشتهر به عمالقة صناعة النسيج، إلى تراجع هذه الصناعة المصرية.
وتعتبر الولايات المتحدة والهند والبرازيل وأستراليا من بين المصدرين الرئيسيين في العالم. وانخفضت الصادرات المصرية بشكل ملحوظ، فبعد ما كانت تشكل ما بين 5 و15% من إجمالي الصادرات العالمية خلال الفترة 1960-1980، باتت اليوم تسجل حوالى 1% من هذا الإجمالي خلال السنوات الأخيرة، ولا تزال مصر واحدة من أكبر المصدرين للقطن طويل التيلة بعد الولايات المتحدة.
وتم تحرير تجارة القطن التي كانت تخضع لسيطرة الدولة في عام 1994، إلا أن الحكومة المصرية لا تزال تضمن أدنى سعر يبيع به الفلاحون محصولهم.
كما تسيطر الدولة على جميع الجوانب الأخرى في قطاع القطن، بما في ذلك زراعة الحقول ونوع المحصول ومنطقة زراعته، والحوافز المستخدمة مؤخراً لمحاولة إصلاح القطاع.
وفي السنوات الأربع الماضية، جعل تدخل الدولة من الممكن زيادة زراعة القطن من حوالى 50 ألف هكتار إلى أكثر من 140 ألف هكتار حاليا، وهذا أيضا ما يفسر هبوط الأسعار.
وفي أيلول/سبتمبر، وافقت الحكومة، بشكل تجريبي، على زراعة قطن منخفض الجودة (قصير التيلة) - باستثناء مناطق زراعات الدلتا - "لتلبية احتياجات المصانع".
ووفقاً لأحدث الأرقام الرسمية، ارتفعت صادرات القطن المصري بنسبة 6.9% في الربع الثالث من عام 2017-2018 (آذار/مارس-أيار/مايو)، في حين انخفض معدل الاستهلاك المحلي بنسبة 57.9% خلال نفس الفترة، بسبب اتجاه مصانع الغزل للأقطان المستوردة، حسب البيانات الرسمية.
(الدولار=17.9 جنيها تقريبا)
(فرانس برس، العربي الجديد)