قبل الإعلان مباشرة عن فوز ترامب في الانتخابات الأميركية تعرضت أسواق المال لهزات وارتباكات عنيفة، وزادت حدة الهزات عقب إعلان فوز المرشح الجمهوري، وكان النفط والدولار والبورصات والعملات والبيزو المكسيكي أكثر المتأثرين بفوز ترامب.
وأثبتت نتيجة الانتخابات الأميركية الأخيرة مجدداً خطأ تقارير مؤسسات "وول ستريت" المالية واستطلاعات الرأي العام التي توقعت فوز هيلاري كلينتون، ولذلك كان رد فعل هذه الأسواق عنيفاً على فوز ترامب، كما أخطأت هذه المؤسسات في توقعاتها المتعلقة بنتيجة الاستفتاء على انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي (بريكسيت).
في المقابل سارع المستثمرون اليوم نحو حيازة الأصول والملاذات الآمنة كالذهب والين الياباني والفرنك السويسري للاحتماء بها ولو مؤقتاً من المخاطر المحتملة التي يمكن أن يتعرض له الاقتصاد العالمي في حال تحول برنامج ترامب الانتخابي المثير للجدل وتصريحاته العدائية إلى حقيقة وواقع.
ليست العنصرية والتصريحات العدائية تجاه الغير بمن فيهم المسلمين أهم ما يميزترامب، فهناك تصريحات للرجل شكلت قلقاً للمستثمرين وأسواق المال، فالرجل صدم أسواق النفط العالمية مقلاً حينما وعد بزيادة الإنتاج النفطي الأميركي وإلغاء جميع القوانين والتشريعات التي تحد من التنقيب والكشوفات النفطية، ووعد بإلغاء أيّ قوانين تعوق إنتاج الوقود الأحفوري، وهذا يعني زيادة إنتاج أميركا من النفط، وهو ما يزيد المعروض في الأسواق العالمية، وبالتالي استمرار تراجع أسعار النفط.
وشكل ترامب صدمة للقوى الاقتصادية العالمية حيث أعلن أنه سيراجع أو يلغي اتفاقات أميركا التجارية، مثل اتفاقية أميركا الشمالية للتجارة الحرة (نافتا) ومنظمة التجارة العالمية واتفاقية التجارة الحرة مع كوريا، وأنه سيفرض مزيداً من إجراءات الحماية التجارية والتخفيضات الضريبية، وكانت الصين أبرز هذه القوى.
كما أعلن أنه سيكون أكثر تشدداً مع العمال غير الشرعيين، ويرى أن طرد هؤلاء العمال سيوفر وظائف للأميركيين، كما أعلن أنه سينتهج سياسات تجعل الأغنياء أكثر ثراء.
وترامب أعلن أنه سيعمل على إلغاء التوقيع الأميركي على اتفاقية المناخ وإلغاء كل التشريعات التي أجازتها إدارة أوباما، الخاصة بالتسخين الحراري والبيئة.
وتعرض الرجل لاتهامات خطيرة منها التهرب الضريبي ومحاولة التدخل في إدارة السياسة النقدية للبنك المركزي الأميركي حيث قال إن سياسات الديمقراطيين الحالية تعيق رفع الفائدة على الدولار، واعداً برفعها فور توليه الرئاسة.
وترامب يدعم الأثرياء على حساب الفقراء، حيث يرى أن خفض الضرائب على الأثرياء والشركات سيشجع الاستثمار ويعيد فتح المصانع المغلقة ويرفع معدل النمو الاقتصادي، ولذا فإن لديه خطة لخفض الضرائب على الشركات من 35% إلى 15%، وهو ما يفيد الأكثر ثراءً.
في مقابل هذه التخوفات فإننا أمام رجل أعمال ناجح استطاع مرات عدة الإفلات من التعثر المالي والإفلاس الذي أصاب شركاته، ورغم الأزمات العديدة التي ألمت بإمبراطورتيه العقارية استطاع تعويم نفسه وتكوين ثروة تجاوزت قيمتها 3.7 مليارات دولار.
ترامب رجل أعمال ناجح بلا شك، استطاع أن يفلت من أزمات إفلاس متلاحقة، فهل سيستفيد من نجاحه المالي وإدارته المتميزة لشركاته في تحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للغالبية العظمى من الأميركيين، أم سنصبح أمام نسخة جديدة من جورج بوش (الإبن) تورط أميركا في حروب ونزاعات لا طائل منها؟