يتداعي النظام الرأسمالي وحرية السوق والمنافسة في السنوات الأخيرة، تحت ضربات البنوك المركزية منذ الأزمة العالمية في عام 2008، وبسبب تغريدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب التي يتدخل فيها بشكل مباشر في رسم السياسة النقدية وتحركات أسعار الفائدة وتوجيه الضربات للشركات، وأحيانا تصفية معاركه مع خصومة الأثرياء، مثل تلك التغريدات التي كلفت الملياردير جيف بيزوس وشركته عشرات المليارات خلال العام الجاري.
مجلس الاحتياط الفيدرالي ( البنك المركزي الأميركي) تدخل مثلا في الأسواق المالية بقرابة 4 تريليونات دولار، وأصبح تاجراً في سوق الأسهم يحقق حوالى 100 مليار سنوياً من بيع وشراء الأسهم وسندات الشركات.
وبنك اليابان "المركزي الياباني"، بات يملك حوالى 60% من الأسهم اليابانية عبر برنامج التدخل المستمر في سوق المال، والمصرف المركزي السويسري، بات يملك حوالى 80 مليار دولار في أسهم الشركات الأميركية. وبنك إنكلترا (المركزي البريطاني) وضع في عام 2010 حوالى 445 مليار جنيه إسترليني (حوالى 600 مليار دولار) للتدخل في سوق المال البريطاني. هذه الأرقام كلها مستندة إلى بيانات البنوك المركزية التي نشرتها خلال السنوات الماضية.
هذه السلوكيات جديدة تماماً على الدول الرأسمالية حسب مراقبين، فقبل 20 عاماً لم تكن البنوك المركزية تتاجر في الأسهم، لأنها مؤسسات غير ربحية، وتنحصر مهمتها في القيام بوظائف استقرار النظام النقدي والمالي ومساعدة الحكومات في لحظات الأزمات، وهي بالتالي تنسق عمليات الشراء والبيع بين المدخرين والمستهلكين، وتراقب التضخم ومعادلة الكتلة النقدية في السوق.
لكن ومنذ أزمة المال العالمية في عام 2008 وتبني سياسة البنوك المركزية سياسة "التيسير الكمي" والفائدة الصفرية، التي تعني طباعة نقود دون غطاء إنتاجي أو ذهبي، تم تدريجياً تشويه السوق في أميركا وتبعته لاحقاً أسواق المال الأخرى في أوروبا وآسيا، والآن السعودية التي تضغط عليها أزمة مالية ويهرب منها المستثمرون تفعل الشيء نفسه، حسب تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" خلال الأسبوع.
لكن كيف يشوّه ذلك سوق المال؟
يشرح تقرير نشرته "إنفستوبيديا"، أخيرا، أن البنوك عبر تشجع كبار تجار الأسهم وأصحاب المال للاستدانة من دون دفع فائدة تذكر، أي الحصول على أموال مجانية، وكذلك حصول الأثرياء على ضمانات حكومية، وأن السوق لن تنهار، لأن مجلس الاحتياط (المركزي الأميركي) سيشتري أسهم الشركات والمصارف في حال انهيارها، وتحول الثروة تدريجياً من عامة المجتمع إلى الأثرياء، ورفعت بالتالي من فجوة الدخول في المجتمع، كما تخلق دورة انتعاش وهمية. وهذا ما أكده رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي السابق في إحدى إفاداته حول مضار سياسة "التيسير الكمي".
ويلاحظ تقرير الثروة السنوي الذي تنشره مؤسسة كاجميني، تزايد ثروة الأثرياء في أميركا وأوروبا وآسيا، فيما تزايد فقر الطبقة الوسطى والعمال وأصحاب المهن البسيطة التي لا تدرّ دخلاً يسمح لهم بالتوفير ودخول "كازينوهات أسواق المال"، التي بات الربح فيها مضموناً.
بنك الاحتياط الفيدرالي تدخّل في السوق منذ عام 2008 وحتى عام 2016 الذي شهد نهاية برنامج التحفيز الكمي، مشترياً للأسهم وسندات الشركات بحوالى 3.7 تريليونات دولار بحجة منع السوق من الانهيار، ويتاجر "المركزي الأميركي" في السوق حالياً ويحقق في المتوسط أرباحاً ضخمة، تقدر سنوياً بحوالى 100 مليار دولار سنوياً حسب بيانات البنك التي نشرها لعام 2016.
اقــرأ أيضاً
وكانت الحكومة الأميركية تبرر سياسة التيسير الكمي بحجة دعم الاقتصاد المحلي من الانهيار، لكن ما حدث فعلاً في أميركا كان يناقض هذه المقولة، حيث إن هذه الأموال المجانية التي ذهبت للبنوك والشركات الكبرى لم تستثمر في السوق الأميركي لتخلق الوظائف أو حتى في مشاريع جديدة أو تمويل أفكار تزيد من القيمة الإنتاجية وتنافسية السلع المنتجة والمصدرة، وإنما استخدمتها المصارف الاستثمارية في المتاجرة بها في إقراض الاقتصادات الناشئة في آسيا وأميركا اللاتينية وبنسب فائدة مرتفعة.
وبالتالي حصلت على أموال مجانية وحققت منها أرباحاً ضخمة، ساهمت في زيادة ثروة هذه المصارف والأثرياء وزيادة فقر الطبقة الوسطى والعمال.
ومن ناحية أخرى، فإن عملية التيسير الكمي شوهت النظام الرأسمالي، إذ إن شراء البنوك المركزية لأسهم الشركات والمصارف المنهارة يمثل من الناحية العملية تأميم هذه المصارف، وهو سلوك شيوعي يخالف قواعد السوق الحر والخسارة والربح، كما أنه يمنح انطباعاً زائفاً، بأن الاقتصاد بخير والسوق منتعشة، حسب ما ترغب فيه الحكومات الغربية.
ولا يستبعد محللون أن تكون هذه السياسة هي التي ساهمت في فوز الرئيس دونالد ترامب الذي يضيف حالياً مزيداً من المتاعب لمبادئ نظم السوق الحرعبر سياسة " أميركا أولاً".
على صعيد البنوك المركزية، فتحت الأزمة المالية العالمية ثغرة كبرى في النظام المالي الرأسمالي الذي بني على مبدأ المنافسة الحرة وتسعير السلع وأدوات المال، حسب معادلة العرض والطلب.
لكن سياسة " التحفيز الكمي" التي استخدمت "شماعة لإنقاذ النظام الرأسمالي" من الانهيار تحولت بسرعة لأداة استغلتها المصارف التجارية للثراء، والبنوك المركزية لاحقاً للمتاجرة في أسواق المال لتحقيق الأرباح. مجلس الاحتياط الفيدرالي ( البنك المركزي الأميركي) تدخل مثلا في الأسواق المالية بقرابة 4 تريليونات دولار، وأصبح تاجراً في سوق الأسهم يحقق حوالى 100 مليار سنوياً من بيع وشراء الأسهم وسندات الشركات.
وبنك اليابان "المركزي الياباني"، بات يملك حوالى 60% من الأسهم اليابانية عبر برنامج التدخل المستمر في سوق المال، والمصرف المركزي السويسري، بات يملك حوالى 80 مليار دولار في أسهم الشركات الأميركية. وبنك إنكلترا (المركزي البريطاني) وضع في عام 2010 حوالى 445 مليار جنيه إسترليني (حوالى 600 مليار دولار) للتدخل في سوق المال البريطاني. هذه الأرقام كلها مستندة إلى بيانات البنوك المركزية التي نشرتها خلال السنوات الماضية.
هذه السلوكيات جديدة تماماً على الدول الرأسمالية حسب مراقبين، فقبل 20 عاماً لم تكن البنوك المركزية تتاجر في الأسهم، لأنها مؤسسات غير ربحية، وتنحصر مهمتها في القيام بوظائف استقرار النظام النقدي والمالي ومساعدة الحكومات في لحظات الأزمات، وهي بالتالي تنسق عمليات الشراء والبيع بين المدخرين والمستهلكين، وتراقب التضخم ومعادلة الكتلة النقدية في السوق.
لكن ومنذ أزمة المال العالمية في عام 2008 وتبني سياسة البنوك المركزية سياسة "التيسير الكمي" والفائدة الصفرية، التي تعني طباعة نقود دون غطاء إنتاجي أو ذهبي، تم تدريجياً تشويه السوق في أميركا وتبعته لاحقاً أسواق المال الأخرى في أوروبا وآسيا، والآن السعودية التي تضغط عليها أزمة مالية ويهرب منها المستثمرون تفعل الشيء نفسه، حسب تقرير نشرته وكالة "بلومبيرغ" خلال الأسبوع.
لكن كيف يشوّه ذلك سوق المال؟
يشرح تقرير نشرته "إنفستوبيديا"، أخيرا، أن البنوك عبر تشجع كبار تجار الأسهم وأصحاب المال للاستدانة من دون دفع فائدة تذكر، أي الحصول على أموال مجانية، وكذلك حصول الأثرياء على ضمانات حكومية، وأن السوق لن تنهار، لأن مجلس الاحتياط (المركزي الأميركي) سيشتري أسهم الشركات والمصارف في حال انهيارها، وتحول الثروة تدريجياً من عامة المجتمع إلى الأثرياء، ورفعت بالتالي من فجوة الدخول في المجتمع، كما تخلق دورة انتعاش وهمية. وهذا ما أكده رئيس مجلس الاحتياط الفيدرالي السابق في إحدى إفاداته حول مضار سياسة "التيسير الكمي".
ويلاحظ تقرير الثروة السنوي الذي تنشره مؤسسة كاجميني، تزايد ثروة الأثرياء في أميركا وأوروبا وآسيا، فيما تزايد فقر الطبقة الوسطى والعمال وأصحاب المهن البسيطة التي لا تدرّ دخلاً يسمح لهم بالتوفير ودخول "كازينوهات أسواق المال"، التي بات الربح فيها مضموناً.
بنك الاحتياط الفيدرالي تدخّل في السوق منذ عام 2008 وحتى عام 2016 الذي شهد نهاية برنامج التحفيز الكمي، مشترياً للأسهم وسندات الشركات بحوالى 3.7 تريليونات دولار بحجة منع السوق من الانهيار، ويتاجر "المركزي الأميركي" في السوق حالياً ويحقق في المتوسط أرباحاً ضخمة، تقدر سنوياً بحوالى 100 مليار دولار سنوياً حسب بيانات البنك التي نشرها لعام 2016.
وكانت الحكومة الأميركية تبرر سياسة التيسير الكمي بحجة دعم الاقتصاد المحلي من الانهيار، لكن ما حدث فعلاً في أميركا كان يناقض هذه المقولة، حيث إن هذه الأموال المجانية التي ذهبت للبنوك والشركات الكبرى لم تستثمر في السوق الأميركي لتخلق الوظائف أو حتى في مشاريع جديدة أو تمويل أفكار تزيد من القيمة الإنتاجية وتنافسية السلع المنتجة والمصدرة، وإنما استخدمتها المصارف الاستثمارية في المتاجرة بها في إقراض الاقتصادات الناشئة في آسيا وأميركا اللاتينية وبنسب فائدة مرتفعة.
ومن ناحية أخرى، فإن عملية التيسير الكمي شوهت النظام الرأسمالي، إذ إن شراء البنوك المركزية لأسهم الشركات والمصارف المنهارة يمثل من الناحية العملية تأميم هذه المصارف، وهو سلوك شيوعي يخالف قواعد السوق الحر والخسارة والربح، كما أنه يمنح انطباعاً زائفاً، بأن الاقتصاد بخير والسوق منتعشة، حسب ما ترغب فيه الحكومات الغربية.
ولا يستبعد محللون أن تكون هذه السياسة هي التي ساهمت في فوز الرئيس دونالد ترامب الذي يضيف حالياً مزيداً من المتاعب لمبادئ نظم السوق الحرعبر سياسة " أميركا أولاً".