وحتى الآن، أدى التدهور الحاد في سعر صرف الليرة التركية إلى مخاوف من امتدادها إلى أوروبا والأسواق الناشئة. وترجم ذلك استثمارياً في انخفاض حاد في أسهم المصارف الأوروبية وتدهور سعر صرف اليورو في إغلاق تعاملات البورصات الأوروبية يوم الجمعة.
فقد هرب المستثمرون من أسواق روسيا وأميركا اللاتينية إلى سوق الموجودات الثابتة في أميركا، وعلى رأسها سندات الخزانة الأميركية وسندات الشركات. وعلى صعيد سوق الأسهم، خسرت بورصة "وول ستريت" تقريباً معظم مكاسبها خلال الأسبوع بسبب المخاوف من انكشاف المصارف الأميركية على سوق المال التركي.
لكن الدولار كسب من هروب المستثمرين من العملات الناشئة وموجوداتها إلى شراء السندات الأميركية، التي أصبحت "الملاذ الآمن" للمستثمرين القلقين من تطورات الأزمة وانتشارها إلى أسواق ناشئة في أميركا اللاتينية وآسيا. كما يتوقع أن يستفيد الذهب من أزمة الليرة التركية.
وتدافع المستثمرون على شراء الدولار، حيث انخفض كملاذ آمن في ظل انهيار العملة التركية بما يصل إلى 23 بالمائة إلى مستوى قياسي منخفض وانحدار الروبل الروسي إلى أدنى سعر في أكثر من عامين وهبوط اليورو والجنيه الاسترليني إلى أضعف مستوياتهما في عام.
وقال أولي هانسن، المحلل في بنك ساكسو، إنه مع امتداد اضطرابات تركيا إلى أسواق أخرى فإن الذهب، الذي ينظر إليه تقليديا كاستثمار آمن في أوقات الضبابية، استقطب بعض الاهتمام الإضافي.
وأضاف قائلاً في تعليقات نقلتها "رويترز"، أن هناك معركة قائمة بين ازدياد قوة الدولار وبعض الطلب على الملاذات الآمنة الناشئة عن خطر انتقال عدوى انهيار الليرة".
من جانبها، توقعت استراتيجية العملات بمصرف"روبو بانك"، جين فولي، في تعليقات لوكالة "بلومبيرغ"، أن تمتد أزمة الليرة التركية إلى أسواق الناشئة. ويترقب المستثمرون إعلان المصارف الأوروبية، خاصة المصارف المقرضة الكبرى لتركيا عن انكاشفها خلال الأسبوع المقبل.
وبحسب بيانات وكالة "بلومبيرغ"، فإن المستثمرين اشتروا بكثافة السندات الأميركية، مما أدى إلى انخفاض الفائدة على السندات الأميركية أجل عشر سنوات إلى 2.9%.
ويرى مصرفيون أن التدهور الحاد والسريع ضرب الاقتصاد التركي إلى درجة تستدعي تدخل صندوق النقد الدولي للإنقاذ، ربما في المستقبل القريب. ولكن تركيا لم تطلب بعد مساعدة من الصندوق رغم ما يدور من شائعات بهذا الصدد.
وبحسب تقرير "بلومبيرغ"، فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ربما يعلن قريباً عن إجراءات للسيطرة على حركة رأس المال لتفادي رفع الفائدة المصرفية إلى أكثر من مستوياتها الحالية.
يذكر أن الفائدة على سندات الخزانة التركية أجل عشر سنوات بلغت 20.26% في نهاية يوم الجمعة، وهو أعلى مستوى له منذ أزمة انهيار الاقتصاد التركي في نهاية تسعينيات القرن الماضي.
وتواجه تركيا تحديات بسبب عجز ميزان حسابها الجاري، كما أن نسبة كبيرة من الديون المقومة بالدولار واليورو هي في الأصل ديون قصيرة الأجل، وهو ما يستدعي تسديد أقساطها بسرعة، كما أن انخفاض قيمة الليرة يزيد من عدم قدرة الشركات والمصارف على التسديد، إذ يصبح الدولار مرتفعاً بالنسبة للعملة المحلية التي تشكل دخل المصارف والشركات والحكومة معاً.
وعلى الرغم من أن ثوابت الاقتصاد قوية في تركيا، إلا أن الشكوك المتزايدة حول ثبات سعر صرف الليرة ربما تدفع المستثمرين للهروب من السوق، وكذلك هروب رساميل الأثرياء تخوفاً من تآكل قيمتها.
ويذكر أن ديون الشركات التركية بالعملة الأجنبية التي اقترضتها من المصارف الغربية، بلغت حوالى 214 مليار دولار. أما إجمالي الدين الخارجي التركي العام والخاص فقد بلغ 453.2 مليار دولار في نهاية عام 2017، بحسب إحصائيات البنك الدولي.
وفي مارس/آذار من عام 2018، كان من المقرر أن يتم سداد 181.8 مليار دولار من الديون الخارجية العامة والخاصة التركية في غضون عام، لكن وبحسب تقارير غربية بات هذا مستبعداً للغاية بسبب الأزمة المالية وانخفاض قيمة الليرة.