لم يكن المزارع الجزائري عبد الرزاق مشغول، يتوقع أن يتحول محصول القمح الوافر الذي حصده هذه السنة إلى صداع يؤرقه يومياً، ويدفعه للوقوف في طابور طويل أمام فرع الديوان المهني للحبوب الحكومي بمحافظة البويرة (120 كم شرق العاصمة الجزائرية)، وكله خوف من ألا يستطيع أن يبيع محصول القمح الذي جناه هذه السنة للديوان أو ألا يجد مكاناً لتخزينه في مخازن القمح الحكومية، في ظل ارتفاع العرض هذه السنة.
يقول المزارع الجزائري إنه "حصد قرابة 260 قنطاراً من القمح، لا تزال مخزنة في أكياس في أحد المخازن الخاصة، منذ قرابة 25 يوماً، وما زلت أنتظر دوري، كل يوم أقف قرابة ساعتين في الطابور أمام ديوان الحبوب للاستفسار ولا جديد يذكر".
وكشف مشغول، في حديث لـ "العربي الجديد"، عن "تخوفه من فساد محصوله جراء سوء التخزين، خاصة أننا مقبلون على موسم الخريف الذي ستنزل فيه درجات الحرارة وترتفع إمكانية سقوط الأمطار، وهي عوامل تؤثر على نوعية القمح اللين".
مخاوف مشغول يحملها الآلاف من المزارعين الجزائريين الذين تحوّلت آمالهم في تسجيل موسم زراعي وافر ينسيهم انتكاسة السنوات الماضية إلى كابوس يهدد نشاطهم بالانهيار، بعدما سجلت الجزائر رقماً قياسياً في إنتاج القمح هذه السنة بلغ 60.5 مليون قنطار من القمح (6 ملايين طن)، بمساحة مروية تقدر بـ 200 ألف هكتار، حسب أرقام وزارة الزراعة الجزائرية، مقابل 3.5 ملايين طن السنة الماضية و3.4 ملايين طن السنة التي قبلها.
هذا الإنتاج القياسي للقمح بمختلف أنواعه، خلق هواجس عدة لدى المزارعين، بداية من التخزين والنقل ووصولاً إلى الأسعار، إذ يشتكي المزارعون من الأسعار التي تحددها وزارة الفلاحة بعد استشارة دواوين الحبوب والقمح، التي لا تغطي وفق تصريحاتهم لـ "العربي الجديد" المصاريف الأساسية المطلوبة، ويأتي ذلك في وقت استوردت فيه الجزائر كميات كبيرة من القمح السنة الماضية، وصلت كلفتها إلى ما يعادل المليار و700 مليون دولار.
ولا يخفي بعض المزارعين في الجزائر تخوفهم من عدم حصولهم على السعر الذي حددته الدولة لمحصول القمح، لوفرة الإنتاج في هذا العام الذي شهد تساقطات مطرية كبيرة.
ويقول عبد القادر دغماني، وهو فلاح من محافظة بوسعادة يملك أرضاً مساحتها 15 هكتاراً، إن "الحكومة دأبت على تحديد سعر مرجعي للقمح عند بداية موسم الحصاد، ويكون الفارق بين كل سنة وأخرى بعض الدنانير، وفي غالب الأحيان لا يتعدى السعر 5 آلاف دينار للقنطار الواحد (45 دولاراً)".
وأضاف: "يجب على دواوين القمح عدم النزول عن هذا السعر المدعّم عند الشراء، ولكن ما يحدث أحياناً شراء الحكومة القمح بسعر أقل من المحدد، متجاهلة التكلفة المرتفعة للزراعة".
ويشير دغماني لـ"العربي الجديد" إلى أن "مصاريف اليد العاملة مرتفعة. إذ يدفع للشباب في عملية الحصاد بين 1000 و1500 دينار (13 دولاراً) لليوم الواحد، يضاف إلى ذلك ارتفاع سعر الوقود مقارنة بالسنوات الماضية، وهي زيادات لم تأخذها وزارة الفلاحة ودواوين الحبوب والقمح بالاعتبار. في وقت لم أستلم بعد التعويض الذي مُنح لي عن الخسائر التي خلفها الجفاف في محصول القمح السنة الماضية".
وفي المقابل يطمئن الديوان المهني للحبوب المزارعين بإيجاد الحلول لـ "أزمة الوفرة"، من خلال شراء أكبر كمية ممكنة من القمح، وتوفير خزانات، أو تحويلها إلى الصناعات الغذائية.
ويكشف مدير التخزين بالديوان المهني للحبوب محمد أوجابر في حديثه لـ "العربي الجديد" أن "الديوان يملك طاقة تخزين بحوالي 33 مليون قنطار، أي قرابة 3 ملايين طن، أي أننا نستطيع ضمان تخزين 50 % من المحصول، ويمكن أن نخزن كمية أخرى بمجرد استلام 39 هيكل تخزين جديداً، 30 حديدياً و9 من الإسمنت، بطاقة استيعاب تقارب 10 ملايين قنطار".
وأكد أوجابر أن "الديوان لا يمكنه مراجعة أسعار شراء القمح، لأنها محددة بمرسوم حكومي، إلا أنه يمكن للمزارعين بيع محاصيلهم مباشرة لمصانع إنتاج العجائن بعد التفاوض على الأسعار من دون المرور عبر الديوان لتفادي أزمة الكساد أو تلف المحاصيل".
وأمام هذه الأرقام، كشف بعض المزارعين أن المضاربين عرضوا عليهم شراء المحاصيل أو تخزينها عندهم، بأسعار منخفضة.
وحسب تقارير رسمية، تقدر حاجيات الجزائر من القمح بأنواعه بنحو 15 مليون طن سونياً، في حين استوردت نحو أكثر من 11 مليون طن في 2017، ما جعلها من أكبر المستوردين عالميا. وتستورد الجزائر معظم حاجياتها من القمح عبر فرنسا وكندا والولايات المتحدة الأميركية. وتسعى الحكومة إلى تقليل الواردات للحد من أزمتها المالية عبر تشجيع الإنتاج المحلي وتنمية القطاع الزراعي.