بالطبع ليس من بين اهتمامات المواطن العربي التعرف على تفاصيل فضيحة فولكس فاغن المدوية التي هزت، ليس صناعة السيارات حول العالم فقط، ولكنها هزت الأسواق المالية الدولية أيضاً، وفي مقدمتها البورصات الأوروبية والألمانية.
فالمواطن الذي يعيش معاناة يومية شديدة مع المواصلات العامة ووسائل النقل الحكومية والخاصة، ويعاني مع مترو الأنفاق وقطارات الدرجة الثالثة والزحام الشديد ومليشيات الميكروباص والتاكسي، لا يهتم كثيرا بالفضيحة التي تكاد تعصف بثاني أكبر شركة منتجة للسيارات بعد شركة تويوتا اليابانية أو بفضائح النخبة والشركات العابرة للقارات ومتعددة الجنسيات.
بل إنه ربما لم يسمع أصلاً عن الفضيحة المدوية لشركة فولكس فاغن التي تم الكشف عنها بداية الأسبوع الجاري وعملية الغش الكبيرة التي تقوم بها في محركاتها، وإذا سمع بالفضيحة من وسائل الإعلام يمط شفاهه "شبراً"، قائلا "ما لنا ومال مشاكل الكبار والأثرياء وعلية القوم.. خلينا في لقمة العيش ومشاكلنا اليومية".
بل إن معظم المواطنين العرب لا يعرفون اسم فولكس فاغن من الأصل، وأنها شركة ألمانية ساهم الزعيم النازي هتلر في تطويرها لتصبح سيارة الشعب، ثم انطلقت بعد ذلك لكل دول العالم ليصبح حيازتها حلم الملايين حول العالم، خاصة من طبقة الأثرياء.
وإذا ذكرت أمام المواطن العادي أنواع وموديلات فولكس فاغن من عينة بولو وباسات وفوكس وغولف وفايتون وسيجتار وماجوتان وجيتا وسانتانا وشاران وتيغوان وآر32 قد يظن هذا المواطن أنك تستهزئ به، لأنه لا يعرف أصلاً معنى الموديلات التي تنطق بها أمامه والفارق بينها، وما إذا كان كلامك سباباً له أم ماذا؟
المواطن العربي المطحون لا يعرف أسماء ماركات أفخم السيارات العالمية، ولا يعرف الفارق بين السيارة البورش أو السيارة الكاديلاك، بل يعرف شيئاً واحداً هو الجري وراء الأتوبيس في شوارع القاهرة ودمشق وبغداد والرباط وطرابلس والخرطوم وصنعاء وعمان والجزائر.
المواطن يعرف أيضا السيناريو اليومي الذي يمر به وهو الحشر في مترو الأنفاق والقطار "القشاش" الذي يقف في كل محطة، حتى ولو كانت قرية نائية أو كفراً صغيراً بصعيد مصر أو في جنوب الجزائر، ولا يعرف سوى المواصلات العامة المليئة بالزحام وضيق التنفس وحرب الأكتاف، وأحياناً التحرش الجنسي والألفاظ المعيبة.
ومهما قلت لهذا المواطن عن الأضرار الاقتصادية الكبيرة التي يمكن أن تصيب صناعة السيارات حول العالم جراء فضيحة فولكس فاغن، والأخطاء الفنية التي وقعت بها الشركة؛ ويمكن أن تكبدها خسائر وتعويضات تصل لنحو 20 مليار يورو أي أكثر من 22 مليار دولار، وتهديد الفضيحة لعلامة "صنع في ألمانيا" فإن هذا المواطن لن يعبأ بكلامك، حتى لو قلت له إن الفضيحة قد تخفض أسعار فولكس، وبالتالي تتيح لك الفرصة لاقتناء سيارة فولكس مستعملة موديل أربعينيات القرن الماضي.
كل ما يهم هذا المواطن هو أن يصل إلى عمله بسرعة وبأقل تكلفة، وبأقل خسائر، وهو ما يتطلب القضاء على مشكلة الزحام المزمنة أو على الأقل الحد منها، وتوفير وسائل نقل عامة آدمية وبسعر مناسب.
أظن أن هذه المطالب البسيطة والمنطقية باتت من المحرمات على المواطن العربي، في ظل فشل الحكومات المتواصل في التعامل مع أزمة المرور، وقيام السلطات بزيادة أسعار الوقود، ورفع الدعم عن المشتقات البترولية من بنزين وسولار بزعم معالجة عجز الموازنة العامة للدولة، وزيادة الضرائب على السيارات المستوردة، والقضاء على صناعة السيارات المحلية.
اقرأ أيضاً: ثاني أكبر شركة سيارات في العالم تواجه خطر الإفلاس