بدّلت الحرب في العراق وسورية من خطط وتوجهات تركيا نحو المشرق، بعد قطع الطرق البرية التي توصل بضائعها إلى منطقة الخليج العربي ومن ثم إلى دول آسيا.
وأثرت الحرب المندلعة في سورية، منذ ست سنوات، على الحلم التركي، بإيجاد تحالف في المنطقة "شامغن" يربطها مع إيران والعراق وسورية والأردن ولبنان، ليكون تكتلاً، كما الأوروبي "شينغن"، تُلغى خلاله الرسوم الجمركية، وترفع الحدود والرسوم أمام البضائع وتنقل المسافرين.
تلك التحولات دفعت تركيا إلى البحث عن بدائل، سواء لتصريف إنتاجها وفتح أسواق جديدة، أو البحث عن طرق تقلل من تكاليف نقل بضائعها إلى منطقة الخليج العربي وما بعدها، خاصة بعد إلغاء مصر اتفاق "الرورو" الذي وقّعته تركيا ومصر أيام الرئيس محمد مرسي عام 2012، لنقل البضائع التركية بحراً، من ميناءي مرسين واسكندرون إلى ميناءي دمياط والإسكندرية المصريين.
ويقول المحلل التركي سمير صالحة، إن الاستراتيجية التركية بالتوسع نحو العالم ليست جديدة، بل بدأت منذ مطلع الثمانينيات، عبر معادلة الانفتاح متعدد الجوانب، ومحاولة الوصول إلى أكثر من بقعة جغرافية في أكثر من اتجاه.
استراتيجية قديمة
ويشير صالحة، لـ "العربي الجديد"، إلى أن استراتيجية الانفتاح على العالم بدأت مع حزب "الوطن الأم" ومؤسسه تورغوت أوزال، حيث كان هناك نجاح جزئي باتجاه الانفتاح على دول الخليج العربي، لكن مع وصول حزب العدالة والتنمية عام 2002، بدأت هذه الاستراتيجيات تأخذ منحى جديدا، قد يكون في العلن طابعه تجاريا اقتصاديا ماليا، لكنه في الأساس انفتاح استراتيجي سياسي ثقافي.
ويضيف الأكاديمي التركي، يبدو أن حزب "العدالة والتنمية"، وبهدف ربط أوروبا بآسيا، وإحياء الطرق التجارية القديمة، استطاع، من خلال التنسيق مع قيادات سياسية في بلدان الجمهوريات التركية السابقة "أذربيجان وقيرغستان وأوزباكستان"، أن ينوّع خياراته التجارية والسياسية، ولعل فتح خط "طريق الحرير الحديدي" الأسبوع الماضي، دليل على بدء الالتفاف على الحصار واختصار لطرق وتكاليف التصدير، وأيضاً وصول البضائع التركية إلى آسيا وأوروبا، فضلاً عن استثمار الجغرافيا التركية كمنطقة عبور وحلقة وصل.
ويلفت صالحة إلى أن من ضمن الاستراتيجية التركية، الوصول إلى القارة السمراء، حيث لجأت الدولة إلى تعزيز العلاقات والاتفاقات مع الصومال وإثيوبيا وأوغندا.
وحول دور السياسة وتوتر العلاقات التركية الأوروبية والتركية المصرية بهذه الخيارات، يقول المحلل التركي صالحة: "لا شك أن التوتر التركي الأوربي، والتركي الأميركي، سرّع من إيجاد البدائل، فقد جاء الرد المباشر من قبل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالتوجه إلى أسواق جديدة".
والنقطة الأخرى للتحرك التركي، بحسب صالحة، مرتبطة مباشرة بالتأزم التركي المصري، لأن مصر ألغت، في الأعوام الأخيرة، الكثير من العقود من جانب واحد، وحاولت ضرب خط نقل البضائع التركية من خلال إلغاء اتفاق الرورو، لتضع تركيا أمام طرق أطول وتكاليف أعلى وزمن أطول، لذلك تحركت أنقرة للرد على هذه الخطوة المصرية بإيجاد بدائل عبر الأراضي الإيرانية.
ومن المتوقع أن تفتح تركيا لنفسها خطًا تجارياً دولياً عبر العراق، وفق صالحة.
ويرى الخبير الاقتصادي، أن مصر تبدو منزعجة من خطط نقل الطاقة عبر جغرافية مترامية الأطراف تصب كلها في تركيا، حيث تريد مصر أن تلعب الورقة الإسرائيلية بشكل أو بآخر، لذا تتحرك أنقرة من خلال التنسيق المباشر مع روسيا وإيران لإنشاء خطوط نقل بديلة تؤمّن وصول مواد الطاقة للعواصم الغربية، بل ويمكن بعد التنسيق مع الجار الروسي أن تشهد الفترة المقبلة تحالفات اقتصادية جديدة يكون لتركيا الدور البارز فيها.
طريق الحرير
وانطلقت الأسبوع الماضي، أول رحلة قطار من ميناء ألات شرقي العاصمة الأذرية باكو، إلى ولاية قارص التركية، مرورا بالعاصمة الجورجية تبليسي، محملة بقمح قادم من جمهورية كازاخستان.
وأتت هذه الرحلة بعد حفل افتتاح خط سكة الحديد الذي أطلق عليه اسم "طريق الحرير الحديدي"، بحضور الرئيس التركي أردوغان، ونظيره الأذري إلهام علييف ورئيس وزراء كازاخستان باقيتجان ساغينتاييف، ورئيس وزراء أوزباكستان عبد الله أريبوف، ورئيس وزراء جورجيا جيورجي كفيريكاشفيلي.
ويعتبر "طريق الحرير الحديدي" الذي أطلقته الصين عام 2013 تحت اسم "طريق واحد - حزام واحد" لربط 60 دولة في آسيا وأوروبا وأفريقيا، اختصاراً للوقت والتكاليف، لنقل البضائع الصينية إلى أوروبا، بعيدا عن المرور بروسيا. ويبلغ طول الخط 838 كيلومترا، 76 كيلومترا منه تمر من الأراضي التركية، و259 من الأراضي الجورجية و503 من الأراضي الأذرية، ويعد المشروع، بحسب القائمين عليه، حلقة أولى ستمتد من العاصمة الصينية بكين حتى العاصمة البريطانية لندن مروراً بمدينة إسطنبول.
ويرى محللون أتراك، أن الانقلاب الفاشل، العام الماضي، دفع تركيا إلى التوجه شرقاً، لتعزيز علاقاتها مع الدول العربية، وفتح أسواق جديدة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، بهدف إيجاد بدائل عن الشركاء التقليديين، سواء في القارة الأوروبية أو الولايات المتحدة الأميركية.
وقطع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، العام الماضي، مسافة بلغت 146 ألف كيلومتر في زياراته الخارجية، أي ما يعادل 4 دورات حول الأرض تقريبا، زار خلالها دولاً في أميركا اللاتينية (تشيلي وبيرو والإكوادور) وأفريقية (ساحل العاج وغانا ونيجيريا وغينيا)، فضلاً عن زياراته المتكررة لمنطقة الخليج العربي، وتركيزه على السعودية وقطر والكويت.
ويقول المحلل التركي جيواد غوك: لاحظ المسؤولون الأتراك انتقال مراكز الثروات والاستهلاك، من الغرب إلى الشرق، فبدأوا يعدون العدة عبر سلسلة من الإجراءات، تجلّت في الزيارات والاتفاقات، بل وتقوية الاقتصاد التركي وزيادة المشروعات الخدمية، حيث يعتبر مطار أسطنبول الثالث -أكبر مطار في العالم- واحدا منها.
ويضيف غوك لـ "العربي الجديد" أن تركيا بدأت في تعزيز علاقاتها مع روسيا وإحياء الطرق التجارية القديمة مع آسيا وأفريقيا من خلال "طريق الحرير" الذي ينقل البضائع الصينية إلى أوروبا عبر دول منها تركيا، في فترات قصيرة وبتكاليف محدودة.
وأشار إلى أن تركيا تسعى إلى إيجاد بديل عن خط الملاحة مع مصر بعد إلغاء حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي اتفاقية "الرورو"، سواء عبر الأردن بنقل الشاحنات من الموانئ التركية إلى ميناء العقبة، أو حتى عبر إيران ونقل البضائع بحراً إلى ميناء مشهد، ومن ثم نقل البضائع براً للأسواق الخليجية وما بعدها.
والرورو هي اتفاقية خط ملاحي بحري، أبرمت بين تركيا ومصر، أثناء حكم الرئيس محمد مرسي، في مارس/آذار 2012، بعد غلق السلطات السورية المعابر أمام حركة التجارة التركية المتجهة إلى الخليج العربي، وكذلك بعد الرغبة في وجود خط نقل الصادرات بين مصر وأوروبا، وبين تركيا ودول الخليج العربي والشرق الأوسط.
الحلم التركي
ويقول المحلل التركي: كان لدى تركيا أحلام كبيرة بإيجاد تكتل "شامغن" مع العراق وسورية وإيران والأردن ولبنان، لكن الحرب في العراق وسورية، بدلت من الخطط التركية، رغم أن هذا المشروع مازال على طاولة الحكومة.
وأضاف أن الأحداث السياسية والعسكرية، من قطع طريق سورية باتجاه الخليج وإلغاء مصر اتفاق الملاحة، دفعت تركيا إلى البحث عن بدائل، تضمن وصول بضائعها إلى أسواق الخليج وبتكاليف تضمن لها المنافسة، فكان الحل بالتفكير في نقل البضائع بحرا للأردن وإيران، ومن ثم نقلها براً إلى الأسواق المستهدفة، مشيراً إلى أن تحسن العلاقات مع العراق، وزيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لأنقرة أخيراً، ربما يعيد فتح الطرق البرية مع العراق للوصول إلى منطقة الخليج العربي.
وتعول تركيا بشكل كبير على الصادرات التي من المتوقع أن تزيد عن 157 مليار دولار هذا العام، لتحقيق تطلعاتها بالنمو، والتي يمكن أن تتعدى 9%، خلال الربع الأخير من العام الجاري، بعد أن بلغت بنموها الأولى أوروبياً خلال النصف الأول من عام 2017.
وترى تركيا في المنطقة العربية وإيران، نظراً لقرب الأسواق وزيادة الطلب على المنتج التركي، أملاً في زيادة الصادرات، حيث زادت الصادرات التركية إلى قطر بنحو 90%، خلال الأشهر الأربعة الماضية، بعد الحصار المفروض على الدوحة. وسجلت الصادرات التركية إلى قطر، ارتفاعا بنسبة 29%، بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول من العام الحالي، لتبلغ 382 مليونا و183 ألف دولار، في حين كان إجمالي قيمة الصادرات التركية إلى قطر، في نفس الفترة من العام الماضي، نحو 296 مليونا و912 ألف دولار.
كما أظهرت آخر الإحصاءات الصادرة عن منظمة النقل الإيرانية، أن صادرات البضائع التركية تحتل نصيب الأسد في الصادرات الأجنبية عبر الطرق البرية في الأشهر الأخيرة.
وذكرت منظمة إيران لصيانة الطرق والنقل أن صادرات البضائع من تركيا شكلت 64% من البضائع المصدرة إلى إيران بواسطة الشاحنات، خلال النصف الأول من السنة المالية الحالية، أي من العشرين من آذار/مارس الماضي وفقا للتقويم الفارسي.
واستوردت إيران، خلال هذه المدة، قرابة مليون طن من البضائع عبر نقاط العبور الحدودية، مما يشير إلى زيادة بنسبة 12% على أساس سنوي.
وكانت السلطات الإيرانية قد ألغت مؤخرا قرارا صدر العام الماضي ينص على وجوب موافقة القنصليات الإيرانية على الواردات التركية.
كما تشهد العلاقات التركية مع دول الجوار في الجمهوريات التركية السابقة، تطورا وزيادة في حجم التبادل التجاري، حيث أكد نور الدين جانيكلي، نائب رئيس الوزراء التركي، أن تركيا وأذربيجان تعتزمان زيادة حجم التجارة بينهما إلى 15 مليار دولار، بحلول عام 2023.
وقال جانيكلي، خلال تصريحات صحافية مؤخرًا: "نعتزم رفع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع أذربيجان إلى مستوى أعلى، إذ زاد حجم التجارة بين تركيا وأذربيجان بنسبة 11.4%، في الفترة من يناير/كانون الثاني وحتى مايو/أيار 2017، مقارنة بنفس الفترة من عام 2016"، مضيفا أن ذلك يدل على الإمكانيات الاقتصادية للبلدين.
وأشار المسؤول التركي إلى أن المقاولين الأتراك نفذوا، حتى الآن، مشاريع بقيمة 11.6 مليار دولار في أذربيجان، كما تعمل تركيا على خطة لزيادة العلاقات التجارية مع جمهورية ناخيتشيفان التي تتمتع بالحكم الذاتي في أذربيجان.
اقــرأ أيضاً
وأثرت الحرب المندلعة في سورية، منذ ست سنوات، على الحلم التركي، بإيجاد تحالف في المنطقة "شامغن" يربطها مع إيران والعراق وسورية والأردن ولبنان، ليكون تكتلاً، كما الأوروبي "شينغن"، تُلغى خلاله الرسوم الجمركية، وترفع الحدود والرسوم أمام البضائع وتنقل المسافرين.
تلك التحولات دفعت تركيا إلى البحث عن بدائل، سواء لتصريف إنتاجها وفتح أسواق جديدة، أو البحث عن طرق تقلل من تكاليف نقل بضائعها إلى منطقة الخليج العربي وما بعدها، خاصة بعد إلغاء مصر اتفاق "الرورو" الذي وقّعته تركيا ومصر أيام الرئيس محمد مرسي عام 2012، لنقل البضائع التركية بحراً، من ميناءي مرسين واسكندرون إلى ميناءي دمياط والإسكندرية المصريين.
ويقول المحلل التركي سمير صالحة، إن الاستراتيجية التركية بالتوسع نحو العالم ليست جديدة، بل بدأت منذ مطلع الثمانينيات، عبر معادلة الانفتاح متعدد الجوانب، ومحاولة الوصول إلى أكثر من بقعة جغرافية في أكثر من اتجاه.
استراتيجية قديمة
ويشير صالحة، لـ "العربي الجديد"، إلى أن استراتيجية الانفتاح على العالم بدأت مع حزب "الوطن الأم" ومؤسسه تورغوت أوزال، حيث كان هناك نجاح جزئي باتجاه الانفتاح على دول الخليج العربي، لكن مع وصول حزب العدالة والتنمية عام 2002، بدأت هذه الاستراتيجيات تأخذ منحى جديدا، قد يكون في العلن طابعه تجاريا اقتصاديا ماليا، لكنه في الأساس انفتاح استراتيجي سياسي ثقافي.
ويضيف الأكاديمي التركي، يبدو أن حزب "العدالة والتنمية"، وبهدف ربط أوروبا بآسيا، وإحياء الطرق التجارية القديمة، استطاع، من خلال التنسيق مع قيادات سياسية في بلدان الجمهوريات التركية السابقة "أذربيجان وقيرغستان وأوزباكستان"، أن ينوّع خياراته التجارية والسياسية، ولعل فتح خط "طريق الحرير الحديدي" الأسبوع الماضي، دليل على بدء الالتفاف على الحصار واختصار لطرق وتكاليف التصدير، وأيضاً وصول البضائع التركية إلى آسيا وأوروبا، فضلاً عن استثمار الجغرافيا التركية كمنطقة عبور وحلقة وصل.
ويلفت صالحة إلى أن من ضمن الاستراتيجية التركية، الوصول إلى القارة السمراء، حيث لجأت الدولة إلى تعزيز العلاقات والاتفاقات مع الصومال وإثيوبيا وأوغندا.
وحول دور السياسة وتوتر العلاقات التركية الأوروبية والتركية المصرية بهذه الخيارات، يقول المحلل التركي صالحة: "لا شك أن التوتر التركي الأوربي، والتركي الأميركي، سرّع من إيجاد البدائل، فقد جاء الرد المباشر من قبل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بالتوجه إلى أسواق جديدة".
والنقطة الأخرى للتحرك التركي، بحسب صالحة، مرتبطة مباشرة بالتأزم التركي المصري، لأن مصر ألغت، في الأعوام الأخيرة، الكثير من العقود من جانب واحد، وحاولت ضرب خط نقل البضائع التركية من خلال إلغاء اتفاق الرورو، لتضع تركيا أمام طرق أطول وتكاليف أعلى وزمن أطول، لذلك تحركت أنقرة للرد على هذه الخطوة المصرية بإيجاد بدائل عبر الأراضي الإيرانية.
ومن المتوقع أن تفتح تركيا لنفسها خطًا تجارياً دولياً عبر العراق، وفق صالحة.
ويرى الخبير الاقتصادي، أن مصر تبدو منزعجة من خطط نقل الطاقة عبر جغرافية مترامية الأطراف تصب كلها في تركيا، حيث تريد مصر أن تلعب الورقة الإسرائيلية بشكل أو بآخر، لذا تتحرك أنقرة من خلال التنسيق المباشر مع روسيا وإيران لإنشاء خطوط نقل بديلة تؤمّن وصول مواد الطاقة للعواصم الغربية، بل ويمكن بعد التنسيق مع الجار الروسي أن تشهد الفترة المقبلة تحالفات اقتصادية جديدة يكون لتركيا الدور البارز فيها.
طريق الحرير
وانطلقت الأسبوع الماضي، أول رحلة قطار من ميناء ألات شرقي العاصمة الأذرية باكو، إلى ولاية قارص التركية، مرورا بالعاصمة الجورجية تبليسي، محملة بقمح قادم من جمهورية كازاخستان.
وأتت هذه الرحلة بعد حفل افتتاح خط سكة الحديد الذي أطلق عليه اسم "طريق الحرير الحديدي"، بحضور الرئيس التركي أردوغان، ونظيره الأذري إلهام علييف ورئيس وزراء كازاخستان باقيتجان ساغينتاييف، ورئيس وزراء أوزباكستان عبد الله أريبوف، ورئيس وزراء جورجيا جيورجي كفيريكاشفيلي.
ويعتبر "طريق الحرير الحديدي" الذي أطلقته الصين عام 2013 تحت اسم "طريق واحد - حزام واحد" لربط 60 دولة في آسيا وأوروبا وأفريقيا، اختصاراً للوقت والتكاليف، لنقل البضائع الصينية إلى أوروبا، بعيدا عن المرور بروسيا. ويبلغ طول الخط 838 كيلومترا، 76 كيلومترا منه تمر من الأراضي التركية، و259 من الأراضي الجورجية و503 من الأراضي الأذرية، ويعد المشروع، بحسب القائمين عليه، حلقة أولى ستمتد من العاصمة الصينية بكين حتى العاصمة البريطانية لندن مروراً بمدينة إسطنبول.
ويرى محللون أتراك، أن الانقلاب الفاشل، العام الماضي، دفع تركيا إلى التوجه شرقاً، لتعزيز علاقاتها مع الدول العربية، وفتح أسواق جديدة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية، بهدف إيجاد بدائل عن الشركاء التقليديين، سواء في القارة الأوروبية أو الولايات المتحدة الأميركية.
وقطع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، العام الماضي، مسافة بلغت 146 ألف كيلومتر في زياراته الخارجية، أي ما يعادل 4 دورات حول الأرض تقريبا، زار خلالها دولاً في أميركا اللاتينية (تشيلي وبيرو والإكوادور) وأفريقية (ساحل العاج وغانا ونيجيريا وغينيا)، فضلاً عن زياراته المتكررة لمنطقة الخليج العربي، وتركيزه على السعودية وقطر والكويت.
ويقول المحلل التركي جيواد غوك: لاحظ المسؤولون الأتراك انتقال مراكز الثروات والاستهلاك، من الغرب إلى الشرق، فبدأوا يعدون العدة عبر سلسلة من الإجراءات، تجلّت في الزيارات والاتفاقات، بل وتقوية الاقتصاد التركي وزيادة المشروعات الخدمية، حيث يعتبر مطار أسطنبول الثالث -أكبر مطار في العالم- واحدا منها.
ويضيف غوك لـ "العربي الجديد" أن تركيا بدأت في تعزيز علاقاتها مع روسيا وإحياء الطرق التجارية القديمة مع آسيا وأفريقيا من خلال "طريق الحرير" الذي ينقل البضائع الصينية إلى أوروبا عبر دول منها تركيا، في فترات قصيرة وبتكاليف محدودة.
وأشار إلى أن تركيا تسعى إلى إيجاد بديل عن خط الملاحة مع مصر بعد إلغاء حكومة الرئيس عبدالفتاح السيسي اتفاقية "الرورو"، سواء عبر الأردن بنقل الشاحنات من الموانئ التركية إلى ميناء العقبة، أو حتى عبر إيران ونقل البضائع بحراً إلى ميناء مشهد، ومن ثم نقل البضائع براً للأسواق الخليجية وما بعدها.
والرورو هي اتفاقية خط ملاحي بحري، أبرمت بين تركيا ومصر، أثناء حكم الرئيس محمد مرسي، في مارس/آذار 2012، بعد غلق السلطات السورية المعابر أمام حركة التجارة التركية المتجهة إلى الخليج العربي، وكذلك بعد الرغبة في وجود خط نقل الصادرات بين مصر وأوروبا، وبين تركيا ودول الخليج العربي والشرق الأوسط.
الحلم التركي
ويقول المحلل التركي: كان لدى تركيا أحلام كبيرة بإيجاد تكتل "شامغن" مع العراق وسورية وإيران والأردن ولبنان، لكن الحرب في العراق وسورية، بدلت من الخطط التركية، رغم أن هذا المشروع مازال على طاولة الحكومة.
وأضاف أن الأحداث السياسية والعسكرية، من قطع طريق سورية باتجاه الخليج وإلغاء مصر اتفاق الملاحة، دفعت تركيا إلى البحث عن بدائل، تضمن وصول بضائعها إلى أسواق الخليج وبتكاليف تضمن لها المنافسة، فكان الحل بالتفكير في نقل البضائع بحرا للأردن وإيران، ومن ثم نقلها براً إلى الأسواق المستهدفة، مشيراً إلى أن تحسن العلاقات مع العراق، وزيارة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي لأنقرة أخيراً، ربما يعيد فتح الطرق البرية مع العراق للوصول إلى منطقة الخليج العربي.
وتعول تركيا بشكل كبير على الصادرات التي من المتوقع أن تزيد عن 157 مليار دولار هذا العام، لتحقيق تطلعاتها بالنمو، والتي يمكن أن تتعدى 9%، خلال الربع الأخير من العام الجاري، بعد أن بلغت بنموها الأولى أوروبياً خلال النصف الأول من عام 2017.
وترى تركيا في المنطقة العربية وإيران، نظراً لقرب الأسواق وزيادة الطلب على المنتج التركي، أملاً في زيادة الصادرات، حيث زادت الصادرات التركية إلى قطر بنحو 90%، خلال الأشهر الأربعة الماضية، بعد الحصار المفروض على الدوحة. وسجلت الصادرات التركية إلى قطر، ارتفاعا بنسبة 29%، بين يناير/كانون الثاني وسبتمبر/أيلول من العام الحالي، لتبلغ 382 مليونا و183 ألف دولار، في حين كان إجمالي قيمة الصادرات التركية إلى قطر، في نفس الفترة من العام الماضي، نحو 296 مليونا و912 ألف دولار.
كما أظهرت آخر الإحصاءات الصادرة عن منظمة النقل الإيرانية، أن صادرات البضائع التركية تحتل نصيب الأسد في الصادرات الأجنبية عبر الطرق البرية في الأشهر الأخيرة.
وذكرت منظمة إيران لصيانة الطرق والنقل أن صادرات البضائع من تركيا شكلت 64% من البضائع المصدرة إلى إيران بواسطة الشاحنات، خلال النصف الأول من السنة المالية الحالية، أي من العشرين من آذار/مارس الماضي وفقا للتقويم الفارسي.
واستوردت إيران، خلال هذه المدة، قرابة مليون طن من البضائع عبر نقاط العبور الحدودية، مما يشير إلى زيادة بنسبة 12% على أساس سنوي.
وكانت السلطات الإيرانية قد ألغت مؤخرا قرارا صدر العام الماضي ينص على وجوب موافقة القنصليات الإيرانية على الواردات التركية.
كما تشهد العلاقات التركية مع دول الجوار في الجمهوريات التركية السابقة، تطورا وزيادة في حجم التبادل التجاري، حيث أكد نور الدين جانيكلي، نائب رئيس الوزراء التركي، أن تركيا وأذربيجان تعتزمان زيادة حجم التجارة بينهما إلى 15 مليار دولار، بحلول عام 2023.
وقال جانيكلي، خلال تصريحات صحافية مؤخرًا: "نعتزم رفع العلاقات الاقتصادية والتجارية مع أذربيجان إلى مستوى أعلى، إذ زاد حجم التجارة بين تركيا وأذربيجان بنسبة 11.4%، في الفترة من يناير/كانون الثاني وحتى مايو/أيار 2017، مقارنة بنفس الفترة من عام 2016"، مضيفا أن ذلك يدل على الإمكانيات الاقتصادية للبلدين.
وأشار المسؤول التركي إلى أن المقاولين الأتراك نفذوا، حتى الآن، مشاريع بقيمة 11.6 مليار دولار في أذربيجان، كما تعمل تركيا على خطة لزيادة العلاقات التجارية مع جمهورية ناخيتشيفان التي تتمتع بالحكم الذاتي في أذربيجان.