دخلت مصر دوامة القروض الخارجية، فهناك قفزات متواصلة في حجم هذه القروض التي تضاعفت خلال سنوات معدودة، وهناك توسع ملحوظ، بل وربما استسهال، في الاقتراض الخارجي.
ولا يمر أسبوع الا وتنشر وسائل الاعلام أخباراً من نوعية : قرض جديد لمصر بقيمة... مليار دولار، وصول الشريحة الثانية من قرض البنك الدولي، وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي تسافر للخارج للتفاوض حول قروض جديدة، أو الوزيرة تستقبل وفداً من مؤسسة مالية للتفاوض حول قرض جديد.
والملفت هنا أن الجزء الأكبر من القروض الخارجية التي حصلت عليها البلاد خلال الفترة الماضية يأتي بهدف سداد ديون مستحقة جل أجل سدادها، وليس الاقتراض بهدف تمويل مشروعات إنتاجية يمكن أن تدر على الدولة إيرادات بالنقد الأجنبي أو سيولة دولارية، وهناك توسع في عدد المؤسسات التي تم الاقتراض منها أو جارٍ التفاوضُ معها.
وباتت دائرة المقرضين الدوليين لا تقتصر وحسب على دول عربية مثل السعودية والإمارات والكويت وليبيا، بل اتسعت لتشمل مؤسسات مالية دولية كبرى ودول، منها صندوق النقد والبنك الدوليان والبنك الأفريقي للتنمية والبنك المركزي الصيني وتركيا وألمانيا ودول السبع الصناعية وغيرها.
ببساطة لم تترك الحكومة المصرية باباً للاقتراض الخارجي إلا طرقته خلال الفترة الماضية، والملاحظ أن المقرضين الدوليين يستجيبون لطلبات هذه الحكومة بسبب سعر الفائدة العالية التي تسددها البلاد على الديون والتي قاربت 9% سنويا على القروض طويلة الأجل كما جري في السندات الدولية التي تم اقتراضها في شهر يناير/كانون الثاني الماضي.
الأرقام الحديثة التي ترصد قفزات الدين الخارجي لمصر مفزعة ومخيفة، إذ حسب أرقام البنك المركزي المصري الصادرة قبل أيام فقد اقترضت البلاد 19.6 مليار دولار في النصف الثاني من العام 2016 فقط، كما اقترضت 25.1 مليار دولار خلال التسعة أشهر الأخيرة، أي في الفترة من سبتمبر 2016 وحتى مارس 2017.
وحسب أرقام البنك المركزي أيضاً فقد اقترضت مصر 20 مليار دولار خلال العام المالي الحالي 2016-2017 ليقفز إجمالي الدين الخارجي إلى 67.322 مليار دولار في نهاية العام 2016 مقابل 47.792 مليار دولار في نهاية 2015 وبزيادة 40.8% مرة واحدة، بينما زاد الدين الداخلي 28.9 % في الفترة ذاتها.
والملفت هنا أنه لا يوجد سقف يمكن أن نقول بعده إن مصر لن تقترض من الخارج مجدداً، وأن ديونها الخارجية ستتراجع مع سداد الأقساط المستحقة عليها بموارد ذاتية، بل العكس هو المتوقع، فتقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن ديون البلاد الخارجية ستقفز إلى 102.5 مليار دولار خلال 3 سنوات، وربما يكون هذا الرقم متحفظا بعض الشيء مع تجاوز رقم الديون حاجز الـ 72.5 مليار دولار بنهاية مارس الماضي، وتوقعات بوصول الرقم لنحو 80 مليار دولار بنهاية العام الحالي 2017.
ويدعم هذه التوقعات التصريحات الأخيرة لنائب وزير المالية، أحمد كوجيك، والتي قال فيها إن الحكومة ستقترض 9 مليارات دولار خلال العام المالي القادم الذي يحل موعده بعد 3 شهور، وذلك عبر طرح سندات دولية وصكوك وقروض مباشرة.
بل إن رقم الدين الخارجي المستحق على مصر مرشح للارتفاع في ظل ضخامة الديون المطلوب سدادها حتى نهاية العام 2018 والبالغة 13 مليار دولار حسب تصريحات رسمية منها 8.5 مليارات لدول السعودية والكويت والامارات والكويت وليبيا، ومليار لتركيا، إضافة لمستحقات دول نادي باريس نصف السنوية، وسندات مستحقة لمستثمرين دوليين.
نعم كل الدول تقترض، والقروض لا عيب فيها، لكن الدول تقترض لحاجتها لسيولة دولارية توجه لإقامة مشروعات تصديرية أو تحقق فوائض دولارية كالسياحة والصناعة والخدمات، أو تقترض لتمويل مشروعات تغطي احتياجات السوق المحلية من السلع والخدمات، وهنا تتراجع الواردات وتزيد الصادرات، والنتيجة النهائية تخفيف الضغط على احتياطي البلاد من النقد الأجنبي وتحسين قيمة العملة المحلية في مقابل الدولار، وهذا النوع من القروض محبذ، بل ومطلوب طالما أن المشروعات الممولة تدر إيرادات دولارية تمكن الدولة من سداد المديونيات المستحقة.
المشكلة تكون لدى الدول التي تقترض لسداد ديون خارجية مستحقة عليها، وهنا تكمن أزمة مصر المستقبلية التي باتت تقترض لسداد ديون مستحقة عليها مع تحميل المواطن أعباء هذه الديون، وإذا لم تتعافى القطاعات المدرة للنقد الأجنبي مثل السياحة والاستثمارات الخارجية والصادرات، فإن الديون الخارجية تتحول لكابوس مزعج للأجيال الحالية والقادمة، ويكفي أن نقول إن الحكومة تنتزع أكثر من 380 مليار جنيه من موازنة العام القادم لسداد أقساط الديون فقط.