بين غضب منتجي ومستوردي الأدوية وحتى الصيادلة في الجزائر، وبين نفي وزارة الصحة ندرة بعض الأدوية، تبقى حياة عشرات ملايين المرضى رهن انفراج الأزمة التي تفاقمت إلى حدود غير مسبوقة مع تشدد الدولة في إدارة احتياطي العملات الصعبة وتقييد الاستيراد الذي مس سلعة الدواء.
ويعيش القطاع الصحي في الجزائر حالة من الغليان، بعدما فرغت رفوف الصيدليات من مئات الأصناف من الأدوية، ما أفضى إلى حالة طوارئ وسط الصيادلة وداخل المستشفيات بما فيها الحكومية.
وبدأت أزمة الأدوية قبل أسابيع باختفاء أنواع قليلة من الأدوية لا تتجاوز العشرات، غير أنها مع مرور الوقت قفزت إلى المئات، ما يثير مخاوف المهنيين من تفاقم وعجز في المعروض أكثر مما هو عليه الآن، تلك مؤشرات يعتبرها مراقبون خطرة وتنذر بغضب كبير في الشارع.
وقال رئيس الاتحاد الوطني للمتعاملين الصيادلة عبد الواحد كرار، إن عدد الأدوية المعنية بحالة الندرة تبلغ 210 أصناف على الأقل، تتعلق بالأساس بالإنسولين وعدد من المضادات الحيوية ومضادات الالتهابات وكذا بعض أنواع الكورتيكوييد الموجهة بالأخص إلى الأمراض المعدية والمحاربة لانتشار البكتيريا وكذا المتعلقة بالجراحة، وهو ما يؤثر على سير مختلف المصالح العلاجية، خاصة تلك المعنية بالتكفل بالمرضى بعد الخضوع للجراحة.
وأضاف رئيس الاتحاد الوطني للمتعاملين الصيادلة في حديث مع "العربي الجديد" أن القائمة ستتوسع إذا استمرت وزارة الصحة في نفي وجود ندرة في الأدوية على الرغم من أن سياساتها هي المتسببة في الندرة، بعدما قررت تقليص كمية الأدوية المستوردة وتغيير طريقة العلاج.
وحسب توقعات نفس المتحدث فإن الندرة ستستمر إلى غاية شهر أبريل/ نسيان المقبل، على أقل تقدير.
هذه التوقعات جعلت الفاعلين في قطاع إنتاج وتسويق الأدوية بالجزائر يدقون ناقوس الخطر، حيث قالت رئيسة جمعية موزعي المواد الصيدلانية في الجزائر حسيبة بولمرقة، إن ما يهم هو الأسباب أكثر من العدد، لأن ندرة دواء واحد أو مئات الأدوية هي أمر واحد له أسباب واحدة لا بد من علاجها قبل تفاقم الأزمة.
وحسب بولمرقة في حديث مع "العربي الجديد" فإن "تأخر الإفراج عن برامج الاستيراد (رخص الاستيراد) هو السبب الحقيقي وراء هذه الندرة، لأنه كان من المفترض أن تُسلم البرامج شهر سبتمبر /أيلول الماضي ولم تسلم إلى حد اليوم، حتى ولو سلمت الآن رخص الاستيراد فإن تسويق الأدوية المستوردة يتطلب من أربعة إلى خمسة أشهرٍ".
وكشفت نفس المتحدثة أن المنتجين أيضا تضرروا من هذا الإجراء لأنهم لم يتسلموا رخص استيراد المواد الأولية لصناعة الأدوية (الجنيسة)، والغريب حسب رئيسة جمعية موزعي المواد الصيدلانية في الجزائر، فإن الأدوية التي لا تُصنع في الجزائر مسها أيضا تأخر منح رخص استيرادها.
وعندما ينقطع أحد الأدوية ذات العلامة التجارية المشهورة بعلاجها لمرض ما، فإنه يمكن الموافقة على طرح دواء جنيس (مشابه) للبيع في الأسواق. وتملك الأدوية الجنيسة نفس آلية العمل والاستعمال والجرعة والتأثير، كما يجب أن تكون لديها نفس المعايير الخاصة بالجودة والسلامة.
وفي إجابة عن سؤالٍ لـ "العربي الجديد" عن مدى تأثر صيدليات المستشفيات بهذه الندرة في بعض الأدوية المستوردة، قالت بولمرقة: "الصيدلية المركزية (هيئة تابعة لوزارة الصحة معنية بتوزيع الأدوية على المستشفيات) تؤكد أن مخزون الأدوية لا يزال كافيا لتغطية الطلب لمدة ثلاثة أشهرٍ، وهو أمر غير معقول لأن كثيرا من المستشفيات حتى في العاصمة اتصلت بالجمعية للاستفسار عن بعض الأدوية خاصة المتعلقة بمكافحة الالتهاب والإنسولين".
إلا أن نداء جمعية موزعي المواد الصيدلانية في الجزائر مع الاتحاد الوطني للمتعاملين الصيادلة لم يجد آذانا صاغية لدى وزارة الصحة، التي ترفض الإقرار بوجود ندرة في بعض الأدوية سواء في الصيدليات الخاصة أو في المستشفيات الحكومية التي تعالج عشرات ملايين المواطنين.
وقال مدير الصيدلة والتجهيزات الطبية في وزارة الصحة، حمو حافظ، في ردٍ على سؤالٍ لـ "العربي الجديد"، بشأن الأزمة، إن "مائة في المائة من برامج الاستيراد (رخص الاستيراد) تم منحها قبل أسبوع، ولا يمكننا الحديث عن ندرة بالحجم الذي يتكلم عنه ممثلو الصيادلة والمنتجون".
وأضاف المتحدث ذاته أن بعض المستوردين وضعوا طلبات استيراد بكميات تفوق الطلب الداخلي في بعض الأدوية، وهو أمر غير مقبول من جانب وزارة الصحة، لافتا إلى أن استيراد المواد الأولية لصناعة الأدوية لا يخضع لنفس الضوابط والشروط حيث إن العملية ليست مقيدة بالزمان والكمية.
اقــرأ أيضاً
وللوقوف على حجم الندرة التي مست بعض الأدوية المستوردة وحتى المصنعة محليا بحكم استيراد المواد الأولية المُصنعة بها، تنقلت "العربي الجديد" لبعض الصيدليات في العاصمة الجزائرية، التي أكد مالكوها أن الندرة بالفعل موجودة ومست بعض الأدوية واسعة الطلب.
وقال رضوان بكوش، صاحب صيدلية في العاصمة، أن المشكلة تُطرح بصفة أخرى بالنسبة للصيادلة، وهي توفر أدوية جنيسة وندرة في الأدوية المستوردة، مضيفا: "لا يحق لنا أن نطلب من المريض أن نغير الدواء لأننا لا نبيع منتجات تجارية".
وأضاف بكوش أن "الندرة بالفعل مست بعض الأدوية المستوردة لذا لجأنا إلى إبلاغ الموزعين وحتى الأطباء للتوجه نحو وصف الأدوية الجنيسة المصنعة محليا"، مضيفا أن الندرة عادة تمتد إلى أربعة أشهر.
وحول أسعار الأدوية المستوردة، يقول رضوان بكوش إن مستوياتها مرتفعة بقرابة 30% مقارنة بالأدوية المُصنعة في الجزائر، وأحيانا أكثر. وتابع: "لو نأخذ على سبيل المثال دواء باراسيتمول نجده بـ 50 دينارا للمصنع محليا بأكثر من 5 أنواع، فيما سعر الصنف المستورد من فرنسا يتجاوز 80 دينارا، في حين أن النوعين يعالجان نفس الأعراض".
وأمام مظاهر تقاذف الكرة وتبرئة الذمة بين أطراف المعادلة، فتحت ندرة الأدوية الباب على مصراعيه أمام صائدي الفرص، الذين يستغلون مصيبة ندرة الأدوية لأخذ بعض الفوائد من خلال عرض خدماتهم في توفير الأدوية المُهربة والمغشوشة، فطرحوا أنفسهم كبديل للصيدليات، وفي كثير من الأحيان أصبحوا هم من يمول رفوف هذه الأخيرة.
وكشف رئيس نقابة الصيادلة بلعمبري مسعود، أن تجار الشنطة أصبحوا صيادلة موازين يعرضون خدماتهم على المرضى وحتى على الصيدليات والعيادات الخاصة، إذ يجلبون معهم من الخارج أدوية تحت الطلب بأسعارٍ مضاعفة، مستغلين الظروف الحالية.
وأضاف نفس المتحدث أن الأدوية المغشوشة تجد لها طريقا إلى رفوف بعض الصيدليات والعيادات في مثل هذه الأيام، إذ وتحت ضغط الطلب وقلة العرض يلجأ المنتج وحتى الصيدلي إلى الأدوية المُقلدة أو المغشوشة التي أصبحت تُسوق في الجزائر عبر شبكات تهريب محترفة، وكثيرا ما تصلنا كنقابة عينات من الأدوية المغشوشة يصعب حقيقة التفريق بينها وبين الأصلية، وهو ما يشكل خطر على صحة المواطن.
ما يعيشه المشهد الصحي في الجزائر في هذه الأيام، أعاد فتح ملف شد الحزام الذي تبنته الحكومة الجزائرية في عمليات استيراد الأدوية والمستلزمات الصحية، التي أدخلت قطاع الصحة في دوامة الاضطرابات.
حيث يرى الياس مرابط رئيس النقابة الوطنية لمستخدمي الصحة العمومية، أن عملية استيراد الأدوية والعتاد والمستلزمات ليست تجارية محضة ولا إدارية بالكامل، وبالتالي لا يمكن أن تحدد سياسة الاستيراد من طرف وزارة الصحة والتجارة والمالية، بل يجب أن يبقى الملف بيد وزارة الصحة، لأن الأمر يتعلق بحياة الناس وليس بمنتجات الرفاه والكماليات.
ولفت نفس المتحدث في حديث مع "العربي الجديد" أن المستشفيات تضررت كثيرا السنة الماضية من سياسة التقشف التي انتهجتها وزارة الصحة التي تراها ناجحة ونراها خاطئة في آن واحد، حيث تنتج الجزائر 61% من الطلب الداخلي وبالتالي هناك 39% يجب استيرادها لتغطية الطلب كاملا، وهو رقم تفهم تفاصيله وزارة الصحة وليس وزارة التجارة.
وأضاف مرابط قائلا: "بعيدا عن الندرة التي نتحدث عنها، فثمة مؤكدات على رأسها أن الكثير من المستشفيات أصبحت لا تستطيع ضمان حق العلاج للمواطنين جراء نقص الأدوية والمستلزمات"، وهو ما يهدد حقا دستوريا هو الحق في العلاج، حسب رئيس النقابة الوطنية لمستخدمي الصحة العمومية، الذي أكد أن الكثير من المستشفيات باتت تحول المرضى إلى العيادات الخاصة بالرغم من أن قانون الصحة يمنع ذلك.
وتراجع حجم واردات الجزائر من المنتجات الصيدلانية خلال العام الماضي 2016 إلى حدود 23.6 ألفا، مقابل نحو 26.9 ألف طن في العام 2015، أي بتراجع بلغ 12.26%، حسب أرقام صادرة عن هيئة الجمارك الجزائرية.
وارتفعت قيمة واردات الأدوية ذات الاستعمال البشري إلى 1.9 مليار دولار، مقابل 1.87 مليار دولار في 2015، أي بزيادة قدرها 1.52%.
ولكبح فاتورة واردات الأدوية التي ينتظر أن تتعدى عتبة ملياري دولار، اعتمدت الحكومة تدابير لضبط الواردات من خلال تشجيع الإنتاج المحلي، منها إصدار منشور وزاري في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حدد قائمة الأدوية المصنعة في الجزائر والممنوعة من الاستيراد تماما، لتوفير النقد الأجنبي.
وفي إطار سياسة ترشيد واردات الأدوية، حددت الحكومة نهاية عام 2015 قائمة المنتجات الصيدلانية ذات الاستعمال البشري والمعدات الطبية المصنعة بالجزائر الممنوعة من الاستيراد، والتي بلغ عددها 357 صنفا دوائيا، منها حبوب ومراهم جلدية ومحاليل للحقن والتحميلات ومراهم للعيون وأنواع من الشراب الدوائي.
ويضاف إلى هذه القائمة 11 صنفا مدرجا ضمن المعدات الطبية المصنعة محليا تمنع من الاستيراد كالحقن والضمادات والبيكربونات الموجهة لتصفية الدم.
لم تسلم الأدوية من كماشة التقشف الذي تطبقه الحكومة الجزائرية، حيث اتجهت إلى مراجعة توسيع دائرة الأدوية غير القابلة للتعويض ابتداء من يناير/كانون الثاني المقبل، بعدما حمل قانون الموازنة العامة للسنة المقبلة، مادة تضع صنفاً جديداً من الأدوية ذات الشريط الأحمر، وهو رمز يوضع فوق علب الأدوية التي لا تعوض من طرف الضمان الاجتماعي.
اقــرأ أيضاً
وبدأت أزمة الأدوية قبل أسابيع باختفاء أنواع قليلة من الأدوية لا تتجاوز العشرات، غير أنها مع مرور الوقت قفزت إلى المئات، ما يثير مخاوف المهنيين من تفاقم وعجز في المعروض أكثر مما هو عليه الآن، تلك مؤشرات يعتبرها مراقبون خطرة وتنذر بغضب كبير في الشارع.
وقال رئيس الاتحاد الوطني للمتعاملين الصيادلة عبد الواحد كرار، إن عدد الأدوية المعنية بحالة الندرة تبلغ 210 أصناف على الأقل، تتعلق بالأساس بالإنسولين وعدد من المضادات الحيوية ومضادات الالتهابات وكذا بعض أنواع الكورتيكوييد الموجهة بالأخص إلى الأمراض المعدية والمحاربة لانتشار البكتيريا وكذا المتعلقة بالجراحة، وهو ما يؤثر على سير مختلف المصالح العلاجية، خاصة تلك المعنية بالتكفل بالمرضى بعد الخضوع للجراحة.
وأضاف رئيس الاتحاد الوطني للمتعاملين الصيادلة في حديث مع "العربي الجديد" أن القائمة ستتوسع إذا استمرت وزارة الصحة في نفي وجود ندرة في الأدوية على الرغم من أن سياساتها هي المتسببة في الندرة، بعدما قررت تقليص كمية الأدوية المستوردة وتغيير طريقة العلاج.
وحسب توقعات نفس المتحدث فإن الندرة ستستمر إلى غاية شهر أبريل/ نسيان المقبل، على أقل تقدير.
هذه التوقعات جعلت الفاعلين في قطاع إنتاج وتسويق الأدوية بالجزائر يدقون ناقوس الخطر، حيث قالت رئيسة جمعية موزعي المواد الصيدلانية في الجزائر حسيبة بولمرقة، إن ما يهم هو الأسباب أكثر من العدد، لأن ندرة دواء واحد أو مئات الأدوية هي أمر واحد له أسباب واحدة لا بد من علاجها قبل تفاقم الأزمة.
وحسب بولمرقة في حديث مع "العربي الجديد" فإن "تأخر الإفراج عن برامج الاستيراد (رخص الاستيراد) هو السبب الحقيقي وراء هذه الندرة، لأنه كان من المفترض أن تُسلم البرامج شهر سبتمبر /أيلول الماضي ولم تسلم إلى حد اليوم، حتى ولو سلمت الآن رخص الاستيراد فإن تسويق الأدوية المستوردة يتطلب من أربعة إلى خمسة أشهرٍ".
وكشفت نفس المتحدثة أن المنتجين أيضا تضرروا من هذا الإجراء لأنهم لم يتسلموا رخص استيراد المواد الأولية لصناعة الأدوية (الجنيسة)، والغريب حسب رئيسة جمعية موزعي المواد الصيدلانية في الجزائر، فإن الأدوية التي لا تُصنع في الجزائر مسها أيضا تأخر منح رخص استيرادها.
وعندما ينقطع أحد الأدوية ذات العلامة التجارية المشهورة بعلاجها لمرض ما، فإنه يمكن الموافقة على طرح دواء جنيس (مشابه) للبيع في الأسواق. وتملك الأدوية الجنيسة نفس آلية العمل والاستعمال والجرعة والتأثير، كما يجب أن تكون لديها نفس المعايير الخاصة بالجودة والسلامة.
وفي إجابة عن سؤالٍ لـ "العربي الجديد" عن مدى تأثر صيدليات المستشفيات بهذه الندرة في بعض الأدوية المستوردة، قالت بولمرقة: "الصيدلية المركزية (هيئة تابعة لوزارة الصحة معنية بتوزيع الأدوية على المستشفيات) تؤكد أن مخزون الأدوية لا يزال كافيا لتغطية الطلب لمدة ثلاثة أشهرٍ، وهو أمر غير معقول لأن كثيرا من المستشفيات حتى في العاصمة اتصلت بالجمعية للاستفسار عن بعض الأدوية خاصة المتعلقة بمكافحة الالتهاب والإنسولين".
إلا أن نداء جمعية موزعي المواد الصيدلانية في الجزائر مع الاتحاد الوطني للمتعاملين الصيادلة لم يجد آذانا صاغية لدى وزارة الصحة، التي ترفض الإقرار بوجود ندرة في بعض الأدوية سواء في الصيدليات الخاصة أو في المستشفيات الحكومية التي تعالج عشرات ملايين المواطنين.
وقال مدير الصيدلة والتجهيزات الطبية في وزارة الصحة، حمو حافظ، في ردٍ على سؤالٍ لـ "العربي الجديد"، بشأن الأزمة، إن "مائة في المائة من برامج الاستيراد (رخص الاستيراد) تم منحها قبل أسبوع، ولا يمكننا الحديث عن ندرة بالحجم الذي يتكلم عنه ممثلو الصيادلة والمنتجون".
وأضاف المتحدث ذاته أن بعض المستوردين وضعوا طلبات استيراد بكميات تفوق الطلب الداخلي في بعض الأدوية، وهو أمر غير مقبول من جانب وزارة الصحة، لافتا إلى أن استيراد المواد الأولية لصناعة الأدوية لا يخضع لنفس الضوابط والشروط حيث إن العملية ليست مقيدة بالزمان والكمية.
وللوقوف على حجم الندرة التي مست بعض الأدوية المستوردة وحتى المصنعة محليا بحكم استيراد المواد الأولية المُصنعة بها، تنقلت "العربي الجديد" لبعض الصيدليات في العاصمة الجزائرية، التي أكد مالكوها أن الندرة بالفعل موجودة ومست بعض الأدوية واسعة الطلب.
وقال رضوان بكوش، صاحب صيدلية في العاصمة، أن المشكلة تُطرح بصفة أخرى بالنسبة للصيادلة، وهي توفر أدوية جنيسة وندرة في الأدوية المستوردة، مضيفا: "لا يحق لنا أن نطلب من المريض أن نغير الدواء لأننا لا نبيع منتجات تجارية".
وأضاف بكوش أن "الندرة بالفعل مست بعض الأدوية المستوردة لذا لجأنا إلى إبلاغ الموزعين وحتى الأطباء للتوجه نحو وصف الأدوية الجنيسة المصنعة محليا"، مضيفا أن الندرة عادة تمتد إلى أربعة أشهر.
وحول أسعار الأدوية المستوردة، يقول رضوان بكوش إن مستوياتها مرتفعة بقرابة 30% مقارنة بالأدوية المُصنعة في الجزائر، وأحيانا أكثر. وتابع: "لو نأخذ على سبيل المثال دواء باراسيتمول نجده بـ 50 دينارا للمصنع محليا بأكثر من 5 أنواع، فيما سعر الصنف المستورد من فرنسا يتجاوز 80 دينارا، في حين أن النوعين يعالجان نفس الأعراض".
وأمام مظاهر تقاذف الكرة وتبرئة الذمة بين أطراف المعادلة، فتحت ندرة الأدوية الباب على مصراعيه أمام صائدي الفرص، الذين يستغلون مصيبة ندرة الأدوية لأخذ بعض الفوائد من خلال عرض خدماتهم في توفير الأدوية المُهربة والمغشوشة، فطرحوا أنفسهم كبديل للصيدليات، وفي كثير من الأحيان أصبحوا هم من يمول رفوف هذه الأخيرة.
وكشف رئيس نقابة الصيادلة بلعمبري مسعود، أن تجار الشنطة أصبحوا صيادلة موازين يعرضون خدماتهم على المرضى وحتى على الصيدليات والعيادات الخاصة، إذ يجلبون معهم من الخارج أدوية تحت الطلب بأسعارٍ مضاعفة، مستغلين الظروف الحالية.
وأضاف نفس المتحدث أن الأدوية المغشوشة تجد لها طريقا إلى رفوف بعض الصيدليات والعيادات في مثل هذه الأيام، إذ وتحت ضغط الطلب وقلة العرض يلجأ المنتج وحتى الصيدلي إلى الأدوية المُقلدة أو المغشوشة التي أصبحت تُسوق في الجزائر عبر شبكات تهريب محترفة، وكثيرا ما تصلنا كنقابة عينات من الأدوية المغشوشة يصعب حقيقة التفريق بينها وبين الأصلية، وهو ما يشكل خطر على صحة المواطن.
ما يعيشه المشهد الصحي في الجزائر في هذه الأيام، أعاد فتح ملف شد الحزام الذي تبنته الحكومة الجزائرية في عمليات استيراد الأدوية والمستلزمات الصحية، التي أدخلت قطاع الصحة في دوامة الاضطرابات.
حيث يرى الياس مرابط رئيس النقابة الوطنية لمستخدمي الصحة العمومية، أن عملية استيراد الأدوية والعتاد والمستلزمات ليست تجارية محضة ولا إدارية بالكامل، وبالتالي لا يمكن أن تحدد سياسة الاستيراد من طرف وزارة الصحة والتجارة والمالية، بل يجب أن يبقى الملف بيد وزارة الصحة، لأن الأمر يتعلق بحياة الناس وليس بمنتجات الرفاه والكماليات.
ولفت نفس المتحدث في حديث مع "العربي الجديد" أن المستشفيات تضررت كثيرا السنة الماضية من سياسة التقشف التي انتهجتها وزارة الصحة التي تراها ناجحة ونراها خاطئة في آن واحد، حيث تنتج الجزائر 61% من الطلب الداخلي وبالتالي هناك 39% يجب استيرادها لتغطية الطلب كاملا، وهو رقم تفهم تفاصيله وزارة الصحة وليس وزارة التجارة.
وأضاف مرابط قائلا: "بعيدا عن الندرة التي نتحدث عنها، فثمة مؤكدات على رأسها أن الكثير من المستشفيات أصبحت لا تستطيع ضمان حق العلاج للمواطنين جراء نقص الأدوية والمستلزمات"، وهو ما يهدد حقا دستوريا هو الحق في العلاج، حسب رئيس النقابة الوطنية لمستخدمي الصحة العمومية، الذي أكد أن الكثير من المستشفيات باتت تحول المرضى إلى العيادات الخاصة بالرغم من أن قانون الصحة يمنع ذلك.
وتراجع حجم واردات الجزائر من المنتجات الصيدلانية خلال العام الماضي 2016 إلى حدود 23.6 ألفا، مقابل نحو 26.9 ألف طن في العام 2015، أي بتراجع بلغ 12.26%، حسب أرقام صادرة عن هيئة الجمارك الجزائرية.
وارتفعت قيمة واردات الأدوية ذات الاستعمال البشري إلى 1.9 مليار دولار، مقابل 1.87 مليار دولار في 2015، أي بزيادة قدرها 1.52%.
ولكبح فاتورة واردات الأدوية التي ينتظر أن تتعدى عتبة ملياري دولار، اعتمدت الحكومة تدابير لضبط الواردات من خلال تشجيع الإنتاج المحلي، منها إصدار منشور وزاري في ديسمبر/كانون الأول الماضي، حدد قائمة الأدوية المصنعة في الجزائر والممنوعة من الاستيراد تماما، لتوفير النقد الأجنبي.
وفي إطار سياسة ترشيد واردات الأدوية، حددت الحكومة نهاية عام 2015 قائمة المنتجات الصيدلانية ذات الاستعمال البشري والمعدات الطبية المصنعة بالجزائر الممنوعة من الاستيراد، والتي بلغ عددها 357 صنفا دوائيا، منها حبوب ومراهم جلدية ومحاليل للحقن والتحميلات ومراهم للعيون وأنواع من الشراب الدوائي.
ويضاف إلى هذه القائمة 11 صنفا مدرجا ضمن المعدات الطبية المصنعة محليا تمنع من الاستيراد كالحقن والضمادات والبيكربونات الموجهة لتصفية الدم.
لم تسلم الأدوية من كماشة التقشف الذي تطبقه الحكومة الجزائرية، حيث اتجهت إلى مراجعة توسيع دائرة الأدوية غير القابلة للتعويض ابتداء من يناير/كانون الثاني المقبل، بعدما حمل قانون الموازنة العامة للسنة المقبلة، مادة تضع صنفاً جديداً من الأدوية ذات الشريط الأحمر، وهو رمز يوضع فوق علب الأدوية التي لا تعوض من طرف الضمان الاجتماعي.