وكانت وكالة التصنيف الائتماني "موديز" قد أكّدت في التاسع من آذار/ مارس الحالي، أن البنوك التركية لا تزال تحافظ على مستوى جيد من الرسملة، لافتة إلى أن تحسن العلاقات الثنائية بين تركيا ودول أخرى في المنطقة، يساهم في دعم الاقتصاد التركي، من خلال السياحة، وتدفق رؤوس الأموال.
وبحسب تقرير"موديز"، فإن تركيا التزمت بتنفيذ كافة معايير "بازل 2" لتقييم المخاطر الائتمانية، إذ إن البنوك التركية تتمتع بنسبة كفاية رأس المال (CAR) فوق حدود 12%، وفق وكالة الإشراف وتنظيم العمل المصرفي.
وعلاوة على ذلك، فقد تجاوزت نسبة كفاية رأس المال في البنوك التركية النسبة المُشار إليها في "بازل 2" والتي حُددت بـ8%، وكذلك في "بازل 3" التي سيتم تحديدها بناءً على الزيادة التدريجية سنويًا، حيث ستبلغ 10.5% عام 2019، ما يعني أن تركيا تتمتع بنمو أصول قوي، مع معدل نمو سنوي إجمالي يصل إلى 19%، مع زيادة ملحوظة في نسبة إجمالي الأصول إلى الناتج المحلي الإجمالي، إذ ارتفع من 63% عام 2005 إلى 121% عام 2015.
وعند الحديث عن المصارف التركية، لا يمكن تجاهل أنشطة "الصيرفة الإسلامية" التي، بحسب اتحاد البنوك الإسلامية في تركيا، تشكل مجموع أصولها نحو 5.10%، من نسبة جميع البنوك في البلاد.
وبلغت أرباح البنوك الإسلامية في تركيا، خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الفائت، 759 مليون ليرة تركية (246 مليون دولار)، بحسب اتحاد البنوك الإسلامية.
وسجل القطاع المصرفي التركي ككل (يضم 52 بنكاً) أرباحا قيمتها 26 مليار ليرة (8.45 مليارات دولار) خلال الفترة ذاتها، لتكون نسبة أرباح البنوك الإسلامية الخمسة منها نحو 2.9%.
ونمت أصول المصارف الإسلامية في تركيا بنسبة 15.3% العام الماضي، لتصل إلى 120 مليار ليرة تركية (39.036 مليار دولار).
لا شك أن هذه الأرقام تخول تركيا لتتبوأ موقع الصدارة بالصيرفة الإسلامية، أو حتى تصبح عاصمة لها، بعد الحديث عن تراجع دور المصارف الإسلامية بلندن.
يرى خبراء أتراك أن مدينة اسطنبول هي الأكثر أهلية واستعداداً لتحل مكان لندن وتتبوأ مكانة عاصمة الاقتصاد والصيرفة الإسلامية بالعالم، مستندين إلى إرث ومكانة اسطنبول، فضلاً عمّا تتمتع به عاصمة تركيا الاقتصادية من جغرافيا وجذب للاستثمارات والرساميل.
واعتبر العديد من الخبراء أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيضعف من مكانتها بالصرفة الإسلامية، كما أن دبي وكوالالمبور، بحسب الخبراء، لا تتمتعان بالميزات التي تقدمها تركيا.
ويقول دكتور الاقتصاد عبد الناصر الجاسم، من جامعة ماردين التركية: "لا شك أن الحكومة التركية تدفع نحو زيادة صعود الصيرفة الإسلامية في أسواقها المالية، وتطمح إلى أبعد من ذلك، حيث ترجو أن تتصدر قائمة الدول في التمويل الإسلامي في الشرق الأوسط".
وبحسب الجاسم، فإن إسطنبول مهيأة لاحتضان الصيرفة الإسلامية لما تتمتع به من خصائص، لافتاً في الوقت نفسه إلى وجود بعض القصور في التسويق المصرفي لخدمات الصيرفة الإسلامية سواء من جهة الحكومة وبرامجها أو لجهة المصارف الإسلامية العاملة في تركيا.
ويشير الجاسم إلى أن حصة التمويل الإسلامي من إجمالي السوق المصرفية بتركيا لا تزيد عن 6%، لكن القوانين التركية تسعى إلى بلوغها 20% في العام 2023.
من جهته، يقول الاقتصادي فيصل باران: رغم أن الخدمات المصرفية في البنوك الإسلامية لا تقوم على الربا، بل تعتمد القيم وخدمة الناس، إلا أن دور المصارف الإسلامية بتركيا ما زال محدوداً.
ويضيف باران لـ"العربي الجديد"، أن تركيا تتميز بنقاط قوة عن المنافسين بقطاع الصيرفة الإسلامية، إلا أن الترويج، الداخلي والخارجي، ربما لم يكن بحجم التسهيلات التي تقدمها الدولة حول أهمية المصارف الإسلامية البعيدة عن المخاطر نظراً لاعتمادها الشريعة، وعدم المجازفة وسهولة وتيسير التعاملات، متوقعاً أن تتبوأ إسطنبول مستقبلاً مكانة متقدمة على خارطة المصارف الإسلامية وجذب الأموال والاستثمارات.
وشهدت تركيا عام 1984 افتتاح بنك "البركة ترك" ليكون أول مصرف إسلامي بالبلاد، ثم بنك "كويت ترك" في العام 1989، ثم مصرف "تركيا فاينانس"، والبنكين الحكوميين "الزراعة" و"وقف"، ليصل عدد البنوك الإسلامية حاليا في تركيا إلى خمسة بنوك من أصل 52 بنكاً تركيّاً تتوزع بين 3 بنوك حكومية، و10 خاصة، و21 بنكا أجنبيا، و13 مصرفا استثماريا، و5 بنوك إسلامية.
وبحسب مصادر رسمية تركية، شكل مجموع الأصول في البنوك الإسلامية التركية خلال العام الحالي، نحو 5.10% من نسبة جميع أصول البنوك بتركيا، مقارنة مع أقل من 4.5% العام الماضي. كما بلغت أرباح البنوك الإسلامية التركية عن الفترة نفسها 759 مليون ليرة تركية.
كما تأتي بورصة اسطنبول كواحدة من المجالات التي تنشط فيها مؤسسات التمويل الإسلامية، إذ توجد صناديق إسلامية مختلفة في بورصة إسطنبول، وقد أسست شركة التمويل الأميركية داو جونز مؤشراً للأسهم الإسلامية تحت مسمّى مؤشر داو جونز للسوق الإسلامية في تركيا (DJIMTR).
ويمكن للمصارف الإسلامية أن تزيد استثماراتها في صناديق المعاشات التقاعدية، وقد فُتح المجال أمام المصارف الإسلامية خاصةً بعد إلغاء شرط تحويل 30% منها إلى خزينة الدولة، وقد كان كل من مصرفي البركة تورك والبنك الكويتي التركي قد أعلنا العام الماضي عن تشكيل صندوق تقاعدي مشترك بينهما.
ويقول محمد دمق، رئيس فريق التمويل الإسلامي لدى وكالة "ستاندرد آند بورز"، إن قطاع التمويل الإسلامي في تركيا لا يزال محدوداً، ولا يتناسب مع الإمكانات الاقتصادية وحجم وقوة اقتصاد البلاد، الذي يعد من أكبر الاقتصادات الإسلامية على الإطلاق.
وحسب دمق، فإن السبب في ذلك يعود لقلة البنوك الإسلامية في السوق التركي، لافتًا إلى أنه برغم أن حجم أصول المصارف الإسلامية في تركيا تضاعف عشر مرات، خلال السنوات العشر الأخيرة، إلا أن حصتها من أصول النظام المصرفي التقليدي لا تزال ضئيلة، حيث تشكل حالياً حوالي 6%.
وحسب تقرير "التنافسية العالمية للقطاع المصرفي الإسلامي لعام 2016"، فإن أصول قطاع التمويل الإسلامي في العالم، بلغت حوالي تريليوني دولار، وتستحوذ تركيا حالياً على 3% فقط من تلك الأصول، بينما تستحوذ دول مثل السعودية وإيران وماليزيا والإمارات على معظم الأصول المالية الإسلامية في العالم.
وتراجع حجم إصدار السندات الإسلامية (الصكوك) في السوق التركي، بنسبة كبيرة، بلغت نحو 1.5 مليار دولار، منذ بداية العام الجاري، وحتى 30 سبتمبر/ أيلول الماضي، مقارنة بنحو 2.6 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي.
كما أشار تقرير "التنافسية العالمية للقطاع المصرفي الإسلامي لعام 2016"، الصادر عن شركة الاستشارات الدولية "إرنست ويونغ"، إلى أن أصول المصارف الإسلامية تجاوزت 920 مليار دولار، على الصعيد العالمي، خلال العام 2015، وأن قيمة الأصول المصرفية الإسلامية في تركيا وقطر وإندونيسيا والسعودية وماليزيا والإمارات تتجاوز 801 مليار دولار أميركي، خلال العام الحالي، مؤكداً أن تلك الدول تستحوذ على 80% من الأصول المصرفية الإسلامية في العالم، متوقعا أن تبلغ الأصول المصرفية الإسلامية فيها 1.6 تريليون دولار بحلول العام 2020، فيما سيبلغ إجمالي أرباح القطاع نحو 27.8 مليار دولار.