بعد طول انتظار من المستثمرين، أعلنت شركة أرامكو السعودية الشهر الماضي طرح سندات في الأسواق المالية العالمية، فاكتفت بجمع 12 مليار دولار، رغم ورود طلبات فاقت المائة مليار دولار، بعد أن أظهرت البيانات المالية للشركة، التي تم إعلانها على الملأ لأول مرة، أنها صاحبة أكبر ربحية بين كل شركات العالم.
سُعدت الحكومة السعودية بحجم الطلب المهول، واعتبرته مؤشراً جيداً على إمكانية تنفيذ خطتها ببيع جزء من الشركة في طرحٍ عام بحلول عام 2021.
وبالفعل كانت كل الإشارات تؤكد صحة هذه الرؤية، ولِمَ لا وقد اتضح أن الشركة أكبر وأكثر ربحية من شركات آبل وأمازون وألفابيت (غوغل) مجتمعة، ويعتمد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على إدراجها في البورصة كإحدى أهم خطواته في تحقيق رؤيته للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في المملكة بحلول عام 2030.
ورغم ابتعاد بعض المستثمرين عن المملكة في أعقاب اكتشاف تورط النظام السعودي في جريمة مقتل الصحافي جمال خاشقجي، إلا أنه كان واضحاً أن مستثمري السندات، مثلهم مثل مستثمري الأسهم، لا يعبأون بمثل تلك الأمور، خاصة مع ظهور فرص من التي يسيل لها لعابهم، كما حدث في حالة سندات أرامكو.
وأظهر انخفاض العائد المعروض على سندات الشركة النفطية عن عائد سندات الحكومة السعودية نفسها، للمدد ذاتها، حجم الإقبال الضخم على سندات أرامكو، وحجم الآمال المنعقدة عليها في تحقيق أرباح للمشترين، لأن الطبيعي هو حدوث العكس، حيث يطلب المستثمرون، عادة، عائداً على الشركات في أي دولة يفوق العائد على سندات حكومتها.
بعد أقل من شهر من البيع، ورغم عدم اندفاع شركة أرامكو نحو قبول نسبة كبيرة من الطلب الضخم، ارتفع العائد على السندات، وهو ما يعني خسارة لحامليها، حتى وصل العائد على سندات السنوات العشر إلى 3.77% بنهاية تعاملات الأسبوع الماضي، مقارنة بعائد 3.55% عند الطرح، كما شهدت عوائد سندات المدد الأخرى ارتفاعاً بنسب مقاربة، رغم أن سندات الشركات المماثلة، مثل إكسون موبيل الأميركية وبتروناس المملوكة للحكومة الماليزية، شهدت انخفاضاً في عوائدها، يتراوح بين 10 – 30 نقطة أساس، خلال نفس الفترة، بما يعني أن حاملي سندات الشركات الأخيرة قد حققوا أرباحاً من جراء احتفاظهم بها.
وأرجع المراقبون تحركات عائد سندات أرامكو خلال الفترة الماضية إلى التوترات الجيوسياسية في المنطقة، بعد التصعيد الأميركي السعودي الإماراتي ضد إيران، واستمرار تشدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حربه التجارية ضد الصين، وهو ما ألقى بظلاله على العديد من الأسواق الناشئة، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.
لكن بعض المحللين تحدثوا أيضاً عن المبالغة التي تمت في تسعير سندات الشركة، أو تحديد العائد عليها، عند الطرح، بفعل الحماس الذي غلب على المشترين المتطلعين لدخول سوق السندات والأسهم السعودية الغامضة.
ومن ناحيةٍ أخرى، تستعد سوق الأسهم السعودية للالتحاق بمؤشر مورغان ستانلي للبلدان للأسواق الناشئة، بنسبة 1.42%، اعتباراً من يوم الثلاثاء المقبل، على أن تضاعف تلك النسبة في أغسطس/ آب من العام الحالي.
وعلى الرغم من ذلك، وعلى نحو مخالف للمعتاد في مثل تلك الحالات، أظهر مسح قامت به شركة أبحاث صناديق الاستثمار كوبلي، على 189 صندوقا، بأصول تصل قيمتها مجتمعة إلى حوالي 350 مليار دولار، أن 90% من تلك الصناديق لا تمتلك أي أسهم سعودية على الإطلاق، وأن متوسط ما تمثله الأسهم السعودية، ضمن محفظة صندوق استثمار في الأسواق الناشئة، لا يتجاوز 0.09% من تلك المحفظة، وهو أقل كثيراً من النسبة المقررة لها (1.42%)، رغم اقتراب موعد الانضمام، ورغم وجود السوق السعودية بالفعل ضمن مؤشري فوتسي روسل واس آند بي داو جونز للأسواق الناشئة.
اقــرأ أيضاً
ومرة أخرى، أرجع المحللون تجنب صناديق الاستثمار شراء الأسهم السعودية في الوقت الحالي إلى أسباب تتعلق بتوترات المنطقة، وأيضاً لأسباب أخرى تتعلق بالبيئة، أو بأوضاع حقوق الإنسان في المملكة، أو اعتبارات الحوكمة والشفافية هناك، وهو ما انكشف الكثير من أسراره خلال الفترة الأخيرة.
وبعيداً عن تلك الاعتبارات، التي لا يمكن إنكار أهميتها، تشير الأرقام إلى وجود مبالغة كبيرة في تقييم العديد من الشركات التي يتم التعامل عليها في السوق السعودية في الوقت الحالي، حيث وصل معدل السعر إلى الربحية Price to earning ratio إلى مستوى قياسي يقدر بحوالي 19.7، تمثل ثلاثة أضعاف مثيله في تركيا أو روسيا، وضعف مثيله في الإمارات العربية المتحدة، وأعلى بكثير من متوسط أسواق الدول المكونة لمؤشر مورغان ستانلي للأسواق الناشئة، وهو 11.6.
ويعد معدل السعر إلى الربحية من أهم المؤشرات التي ينظر إليها المستثمرون عند اتخاذ قرار شراء السهم في أي شركة أو سوق، وتقل جاذبية السهم أو السوق مع ارتفاع هذا المعدل.
وبعد قرارها بدخول السوق العالمية للسندات، اقترضت الحكومة السعودية مبلغ 60 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، الأمر الذي جعلها أحد أكبر مُصْدِري السندات في الأسواق الناشئة، قبل أن تضيف إليها 7.5 مليارات دولار في يناير/ كانون الثاني الماضي، وهذا بالطبع بخلاف ما حصلت عليه أرامكو، المملوكة لها، الشهر الماضي.
ومع تزايد التورط في مناطق النزاع في اليمن وسورية، وإضافة مناطق جديدة في كل من ليبيا والسودان وربما الجزائر، بالإضافة إلى الاندفاع نحو التصعيد ضد إيران، وما يستلزمه كل ذلك من زيادة الإنفاق السعودي، ومع استمرار ترامب في ابتزاز المملكة، على نحو غير مسبوق من الوضوح والكثافة، يبدو مستقبل الاقتصاد السعودي ملبداً بالغيوم، بصورة لا تتفق مع أهداف بن سلمان، أو رؤيته، أو طموحاته، الأمر الذي يضع أكثر من علامة استفهام على مستقبله السياسي، ومن ثم استقرار المملكة، في وقتٍ ارتفع ثقلها، إقليمياً وعالمياً، بصورة كبيرة، بينما غابت شمس دولٍ أخرى كانت أحق وأجدر بالقيادة.
سُعدت الحكومة السعودية بحجم الطلب المهول، واعتبرته مؤشراً جيداً على إمكانية تنفيذ خطتها ببيع جزء من الشركة في طرحٍ عام بحلول عام 2021.
وبالفعل كانت كل الإشارات تؤكد صحة هذه الرؤية، ولِمَ لا وقد اتضح أن الشركة أكبر وأكثر ربحية من شركات آبل وأمازون وألفابيت (غوغل) مجتمعة، ويعتمد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على إدراجها في البورصة كإحدى أهم خطواته في تحقيق رؤيته للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في المملكة بحلول عام 2030.
ورغم ابتعاد بعض المستثمرين عن المملكة في أعقاب اكتشاف تورط النظام السعودي في جريمة مقتل الصحافي جمال خاشقجي، إلا أنه كان واضحاً أن مستثمري السندات، مثلهم مثل مستثمري الأسهم، لا يعبأون بمثل تلك الأمور، خاصة مع ظهور فرص من التي يسيل لها لعابهم، كما حدث في حالة سندات أرامكو.
وأظهر انخفاض العائد المعروض على سندات الشركة النفطية عن عائد سندات الحكومة السعودية نفسها، للمدد ذاتها، حجم الإقبال الضخم على سندات أرامكو، وحجم الآمال المنعقدة عليها في تحقيق أرباح للمشترين، لأن الطبيعي هو حدوث العكس، حيث يطلب المستثمرون، عادة، عائداً على الشركات في أي دولة يفوق العائد على سندات حكومتها.
بعد أقل من شهر من البيع، ورغم عدم اندفاع شركة أرامكو نحو قبول نسبة كبيرة من الطلب الضخم، ارتفع العائد على السندات، وهو ما يعني خسارة لحامليها، حتى وصل العائد على سندات السنوات العشر إلى 3.77% بنهاية تعاملات الأسبوع الماضي، مقارنة بعائد 3.55% عند الطرح، كما شهدت عوائد سندات المدد الأخرى ارتفاعاً بنسب مقاربة، رغم أن سندات الشركات المماثلة، مثل إكسون موبيل الأميركية وبتروناس المملوكة للحكومة الماليزية، شهدت انخفاضاً في عوائدها، يتراوح بين 10 – 30 نقطة أساس، خلال نفس الفترة، بما يعني أن حاملي سندات الشركات الأخيرة قد حققوا أرباحاً من جراء احتفاظهم بها.
وأرجع المراقبون تحركات عائد سندات أرامكو خلال الفترة الماضية إلى التوترات الجيوسياسية في المنطقة، بعد التصعيد الأميركي السعودي الإماراتي ضد إيران، واستمرار تشدد الرئيس الأميركي دونالد ترامب في حربه التجارية ضد الصين، وهو ما ألقى بظلاله على العديد من الأسواق الناشئة، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.
لكن بعض المحللين تحدثوا أيضاً عن المبالغة التي تمت في تسعير سندات الشركة، أو تحديد العائد عليها، عند الطرح، بفعل الحماس الذي غلب على المشترين المتطلعين لدخول سوق السندات والأسهم السعودية الغامضة.
ومن ناحيةٍ أخرى، تستعد سوق الأسهم السعودية للالتحاق بمؤشر مورغان ستانلي للبلدان للأسواق الناشئة، بنسبة 1.42%، اعتباراً من يوم الثلاثاء المقبل، على أن تضاعف تلك النسبة في أغسطس/ آب من العام الحالي.
وعلى الرغم من ذلك، وعلى نحو مخالف للمعتاد في مثل تلك الحالات، أظهر مسح قامت به شركة أبحاث صناديق الاستثمار كوبلي، على 189 صندوقا، بأصول تصل قيمتها مجتمعة إلى حوالي 350 مليار دولار، أن 90% من تلك الصناديق لا تمتلك أي أسهم سعودية على الإطلاق، وأن متوسط ما تمثله الأسهم السعودية، ضمن محفظة صندوق استثمار في الأسواق الناشئة، لا يتجاوز 0.09% من تلك المحفظة، وهو أقل كثيراً من النسبة المقررة لها (1.42%)، رغم اقتراب موعد الانضمام، ورغم وجود السوق السعودية بالفعل ضمن مؤشري فوتسي روسل واس آند بي داو جونز للأسواق الناشئة.
ومرة أخرى، أرجع المحللون تجنب صناديق الاستثمار شراء الأسهم السعودية في الوقت الحالي إلى أسباب تتعلق بتوترات المنطقة، وأيضاً لأسباب أخرى تتعلق بالبيئة، أو بأوضاع حقوق الإنسان في المملكة، أو اعتبارات الحوكمة والشفافية هناك، وهو ما انكشف الكثير من أسراره خلال الفترة الأخيرة.
ويعد معدل السعر إلى الربحية من أهم المؤشرات التي ينظر إليها المستثمرون عند اتخاذ قرار شراء السهم في أي شركة أو سوق، وتقل جاذبية السهم أو السوق مع ارتفاع هذا المعدل.
وبعد قرارها بدخول السوق العالمية للسندات، اقترضت الحكومة السعودية مبلغ 60 مليار دولار خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة، الأمر الذي جعلها أحد أكبر مُصْدِري السندات في الأسواق الناشئة، قبل أن تضيف إليها 7.5 مليارات دولار في يناير/ كانون الثاني الماضي، وهذا بالطبع بخلاف ما حصلت عليه أرامكو، المملوكة لها، الشهر الماضي.
ومع تزايد التورط في مناطق النزاع في اليمن وسورية، وإضافة مناطق جديدة في كل من ليبيا والسودان وربما الجزائر، بالإضافة إلى الاندفاع نحو التصعيد ضد إيران، وما يستلزمه كل ذلك من زيادة الإنفاق السعودي، ومع استمرار ترامب في ابتزاز المملكة، على نحو غير مسبوق من الوضوح والكثافة، يبدو مستقبل الاقتصاد السعودي ملبداً بالغيوم، بصورة لا تتفق مع أهداف بن سلمان، أو رؤيته، أو طموحاته، الأمر الذي يضع أكثر من علامة استفهام على مستقبله السياسي، ومن ثم استقرار المملكة، في وقتٍ ارتفع ثقلها، إقليمياً وعالمياً، بصورة كبيرة، بينما غابت شمس دولٍ أخرى كانت أحق وأجدر بالقيادة.