إن سألنا، هل ما زالت الليرة السورية، هي عملة وطنية تمثل السوريين ويعتمدونها بمدخراتهم وبدافعون عنها كرمز، أم تراهم يتشفون بانهيارها وتخلوا عنها كما العلم، بعد أن باتا، ضمن الملكيات الحصرية لنظام بشار الأسد، الذي وزّع صوره وصور أبيه، حتى على الأوراق النقدية التي أكلها التضخم، ولم تعد تساوي الورقة من فئة الألفي ليرة التي يتصدرها بشار، سوى 4 دولارات، ولا تصرف الورقة التي تحوي صورة أبيه، حافظ الأسد، سوى دولارين.
مرت الليرة السورية بمراحل عدة، منذ الدولة العثمانية فالجنيه المصري فالليرة السورية اللبنانية خلال الانتداب الفرنسي، ولم تستقل الليرة السورية وتصدر عن بنك سورية المركزي، إلا منتصف خمسينيات القرن الفائت، لتستمر بعز سعر صرفها، حتى مجيء أسرة الأسد، وقت لم يزد الدولار عن 2 ليرة سورية، بل وحافظت الليرة على سعر صرفها، حتى بعد حرب أكتوبر 1973 وبقيت حتى منتصف السبعينات، الدولار يساوي نحو 3.5 ليرة.
وبدأت سلسلة التراجع، منذ تم اكتشاف النفط بسورية وربطت عائلة الأسد، العملة السورية بها، فلا يعرف أي سوري حجم إنتاج أو تصدير النفط بالدولار، ولم تعد الليرة عملة وطنية لكل السوريين، حتى وإن أجبروا على التعامل بها، وتجلى ذلك عبر هزات كثيرة، ربما مطلع الثمانينات أولها، إبان الحرب على حركة الإخوان المسلمين، حينما بدأت الليرة بالتراجع، لنرى عام 2000 وبعد توريث بشار الأسد كرسي أبيه، طباعة صورة حافظ أسد على فئة الأف ليرة التي لم تك موجودة ضمن الأوراق النقدية السورية، لتكلل حفلة الاستيلاب، خلال الثورة، بطرح ورقة نقدية من فئة ألفي ليرة، وعليها صورة بشار الأسد.
ليظهر جلياً، مسلسل تهاوي سعر الليرة، مع الثورة في آذار 2011، وقت لم يزد سعر صرف الدولار عن 45 ليرة، ويصل الآن نحو 500 ليرة.
هنا، قد يقول مراقب، من الطبيعي أن تتهاوى أي عملة بواقع الحرب والحصار، ويتناسى هذا القائل، حالات التخلي التي عانتها الليرة السورية، من نظام بشار الأسد ورجالاته الذين كونوا ثروات طائلة وبالعملات العالمية وليس الليرة، خلال السنوات العشر من حكمه.
ونسوق مثالاً لتقريب الفكرة، حينما بدأت الليرة التركية بالتراجع، وخاصة بعد الانقلاب الفاشل بتموز 2016، صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وبمؤتمر عام، أنه سيحول كل ما يملك إلى العملة التركية، ليتبعه كثيرون بجهازي الحكومة والدولة.
في هذا المثال، يمكن المقارنة واستشفاف مدى اهتمام الدول بعملتها، هذا إن لم نتطرق للحرب المستمرة التي يعلنها الرئيس التركي على المصرف المركزي، لتخفيض سعر الفائدة، لتحسين الاستثمار وسعر الصرف، رغم ما يؤخذ على هذا التدخل، من آثار سلبية وتدخل رجال السياسة وعدم استقلال السلطات النقدية.
قصارى القول: بالأمس، ما إن لاحت ملامح ضربة أمريكية على نظام بشار الأسد، حتى رأينا تراجعاً بنحو 80 ليرة لكل دولار بدمشق، وكان جلياً سرعة هروب التجار والمكتنزين من الليرة السورية باتجاه العملات الرئيسية والذهب.
أيضاً، قد يقول قائل هنا، وأين الضير بذلك، بلد مقبلة على حرب ربما تغير النظام نفسه، فمن الطبيعي أن يبحث كل مكتنز عن مصالحه ولا يخسر جراء اكتنازه عملة مرشحة للانهيار.
نوافق طبعاً هذا الطرح، ولكن سؤالنا عن الإجراءات التي فعلها نظام بشار الأسد أو المصرف المركزي، لتعزيز الثقة بالعملة وطمأنة المدخرين.
صراحة، ليس لم نر أي تصرف أو قرار، بل لاحظنا أن أول وأهم أسباب تفشي الخوف، كان من رجالات الأسد أنفسهم، فهم المضاربون وتجار الحرب، وما إن استشعروا بالخطر، حتى ساهموا بتعزيز المخاوف وهربوا من "الليرة" التي اشتغلوا على الدعاية لها ولقوتها منذ شهرين، فغرروا بصغار المدخرين ودفعّوا السوريين ذوي الدخل المحدود، الخسائر وضرائب فارق الأسعار.
نهاية القول: ربما السبب الأهم بتهاوي سعر صرف الليرة خلال الثورة، أن نظام بشار الأسد، بدأ ومنذ عام 2011 بمد اليد على الاحتياطي الدولاري والذهبي بالمصرف المركزي، وبدد، وحسب تقارير صندوق النقد الدولي، نحو 21 مليار دولار، والأرجح، على شراء الأسلحة وطرائق قتل السوريين، إذ لم يتغير على السوري شيئاً، إن لمستوى دخله أو لضبط الأسعار وتراجع سعر الصرف.
وربما من الضرورة الإشارة، انطلاقاً من مثالنا السابق، على سعي "الزعماء" للحفاظ على عملتهم. إذ ليس من رقم محدد لثروة بشار الأسد أو لبقية أسرته، فبعض التقارير تشير، أن ثروة بشار منفرداً، نحو 122 مليار دولار، في حين تشير تقارير أخرى إلى أكثر من هذا الرقم، بعد التراضي وتجيير بعض حسابات أخيه باسل الذي مات عام 1994 لحسابه، وبعد تشغيل أموال للأسد، بأسماء كثيرة، منها أبناء خاله محمد مخلوف أو رجال مال بدأوا يظهرون سريعاً، من أمثال محمد حمشو وسامر الفوز.
إذا، يمكن لبعض ثروات آل الأسد، التي تم سرقتها عبر الاستئثار بالسلطة ولنصف قرن، أن تعيد الليرة إلى سابق عصرها، وقت انقلب الأسد الأب على رفاقه واستلم السلطة نهاية 1970، وكان راتب الموظف السوري يشتري خمسين غرام ذهب. لكنه اليوم ومع استمرار حكم الممانعة، تم تثبيت الراتب عند 30 ألف ليرة ووصل سعر غرام الذهب لنحو 18 ألف ليرة.