شهدت أسواق الصرافة في لبنان إقبالاً ملحوظاً على شراء الدولار منذ بدء أزمة استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري، في ظل مخاوف من تفاقام التداعيات السلبية على القطاع المالي في حال تصاعد التوترات السياسية في البلاد.
وفي المقابل أكد مصرفيون لـ "العربي الجديد" أنه لا توجد حتى الآن أزمة في السيولة بالعملات الأجنبية، رغم توجه اللبنانيين نحو تحويل ودائعهم من الليرة إلى الدولار.
ولطالما ارتبطت الأزمات السياسية المتكررة بتعرّض الليرة اللبنانية لضغط على سعر صرفها مُقابل العملة الأميركية، وهو ما كاد أن يحدث في لبنان بعد الاستقالة غير المتوقعة التي أعلنها الحريري، قبل أسبوعين من العاصمة السعودية الرياض.
لكن السياسة النقدية المُتبعة من قبل المصرف المركزي اللبناني القائمة على تثبيت سعر صرف الليرة ساعدت في امتصاص الصدمة حتى الآن، وفق خبراء.
وكان حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة قال، إن تحويلات الليرة اللبنانية إلى الدولار زادت منذ الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء سعد الحريري لكنها ظلت "ضمن السقف الطبيعي في ظروف كهذه".
وسعى سلامة في تصريحات صحافية، أول من أمس، لتهدئة المخاوف من تحول الأزمة السياسية في لبنان إلى أزمة اقتصادية. وهوّن سلامة أيضا من تأثير ارتفاع سعر فائدة الإقراض بالليرة اللبنانية بين البنوك إلى 100 % قائلا إنها "شملت مبالغ صغيرة".
وأضاف أن البنك المركزي لم يتدخل لضخ سيولة بالليرة، مضيفا أن احتياطيات النقد الأجنبي تصل إلى 43 مليار دولار وإنها "كافية لمنع الهلع في الأسواق".
وحول أوضاع سوق الصرف، أكد كبير الاقتصاديين ومدير قسم البحوث والدراسات الاقتصادية في مجموعة بنك "بيبلوس"، نسيب غبريل، لـ "العربي الجديد" أن ما حدث "مُتوقع وطبيعي"، مضيفاً أن الوضع الحالي "لا يرقى إلى حدود وجود أزمة سيولة للعملات الأجنبية في لبنان، مع لجوء بعض المودعين إلى تحويل جزء من أموالهم المُودعة من الليرة إلى الدولار، في تكرار لحالات تاريخية ارتبطت فيها الأزمات السياسية بلجوء المودع إلى خيار العملة الأجنبية".
وهو ما تكرر في لبنان خلال ثمانينيات وأوائل تسعينيات القرن الماضي، عندما أدت الظروف السياسية إلى إيجاد حالة ضغط على سعر صرف العملة.
كما يشير غبريل إلى أن "عملية التحويل الحالية لم تؤثر على سعر صرف الليرة، وهو ما تُعززه موجة الهدوء السياسي القائمة". ومن المُتوقع أن يبقى الحريري في بيروت بعد انتهاء مراسم عيد الاستقلال اليوم الأربعاء، وهو ما سيساهم في تبريد الأجواء السياسية - ولو مؤقتاً - وبالتالي وقف الطلب على الدولار الذي يسجل يومياً 273 مليونا، منذ مطلع الشهر، بحسب ما أكدت مصادر مالية لـ"العربي الجديد".
ويضيف غبريل أن "السياسة المالية المُتبعة من قبل حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة، حمت الليرة من تكرار هذا الضغط، مع تأكيد حاكم المركزي اللبناني في أحاديث صحافية أن موجودات مصرف لبنان من العملات الأجنبية، البالغة 43 مليار دولار كانت كافية لمنع حالة الهلع في الأسواق إثر استقالة الحريري".
ونفى سلامة الحديث عن "منع المصارف اللبنانية المودعين من تحويل أموالهم من الليرة إلى الدولار"، موضحاً أن "هناك بعض الودائع لأجل يتم دفعها في تاريخ استحقاقها، ولكن البعض طلب قبض الوديعة قبل استحقاقها".
واستغل سلامة الوضع الاقتصادي القائم لتبرير الخطط المالية التي رتّبها، وأدت لتحقيق المصارف أرباحاً استثنائية بقيمة 5 مليارات دولار مؤخراً، مُعتبراً أن "الهندسات والعمليات المالية التي اعتمدت تُمكن من مواجهة بعض المفاجآت".
وشجّعت المصارف اللبنانية المودعين على إبقاء أموالهم بالليرة من خلال زيادة الفائدة على الليرة حتى نسب بلغت 15 %. وفي نفس الوقت، أنهت وزارة المالية اللبنانية عملية استبدال سندات "يورو بوند" بقيمة 1.7 مليار دولار، اكتتبها المركزي اللبناني كلها.
ويؤكد "كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس" أن "المرحلة الحالية لم تشهد أي عملية سحب جماعي أو تحويل جماعي للودائع"، مشيراً إلى "توافر السيولة بشكل كاف في كل المصارف التجارية وفي المصرف المركزي، وهو ما يضمن استمرار الدورة الاقتصادية بشكل طبيعي".
ومع بقاء عمليات التحويل "ضمن المتوقع" واعتماد المصارف - بإشراف المركزي اللبناني - على سياسات لتشجيع المودعين على الاحتفاظ بودائعهم بالليرة اللبنانية، من المُفترض أن تُبرّد الأجواء السياسية من خشية المودعين والمُستثمرين.
واستبعد معهد التمويل الدولي في واشنطن، أن تتطور الأزمة السياسية التي نجمت عن استقالة رئيس الوزراء اللبناني إلى نزاع مسلح، متوقعاً أن يستمر التوتر لشهورعديدة. لكن المعهد قال في تقريره الصادر في هذا الشأن، إن التوتر الحالي غير مؤثر، لكن إذا امتد لفترة طويلة ستكون له تداعيات خطيرة على الاقتصاد اللبناني.
وكان المعهد قد توقع في تقريره في 26 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أن ينخفض عجز الميزانية اللبناني بسبب الإجراءات الضريبية.