حذّر محللون ماليون من تأثر الاستثمارات السعودية في بريطانيا على المدى القصير والمتوسط، حال تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي، مشيرين إلى أن الاقتصاد البريطاني سيحتاج لوقت أطول للتأقلم مع الانفصال عن الاتحاد، مما يؤثر على وضع الاستثمارات بشكل عام.
وتشترك السعودية مع بريطانيا في نحو 200 مشروع، باستثمارات تصل قيمتها إلى 12.6 مليار جنيه إسترليني (18 مليار دولار أميركي) وفق البيانات الرسمية.
وتتّسق تحذيرات الاقتصاديين السعوديين مع تصريحات لخبراء صندوق النقد الدولي، الذين أكدوا أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيكون له تأثير "سلبي وكبير" على اقتصاد بريطانيا، الذي ربما يعاني من الانكماش العام المقبل 2017.
وذكر صندوق النقد، أنه إذا ما قرر البريطانيون الخروج من الاتحاد الأوروبي، فإن ذلك سيؤدي إلى "فترة طويلة من عدم اليقين، الذي قد يؤثر على الثقة والاستثمار ويزيد من تقلب أسواق المال"، فيما قال خبراء إن تأثرات الخروج ستطاول قطاعات اقتصادية عدة منها العقارات ونشاط الشركات الأجنبية.
ويبدو أن الاستثمارات السعودية الأكثر تركزاً في الأسهم وسندات الخزينة والعقارات، وفق محللين وخبراء اقتصاد سعوديين، ستكون مدعوة للقلق في حال مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي.
وقال ربيع سندي، المحلل المالي، في تصريح لـ "العربي الجديد"، إن " الخطورة تكمن في أن بريطانيا تعتبر جهة رئيسية للاستثمارات السعودية الخارجية، وهي استثمارات تتركز بنسبة 86% منها في مجالات الأسهم وسندات الخزينة والعقارات مما يجعلها عرضة للاهتزاز".
وأوضح " هناك مشاريع سعودية قد تتأثر في حال تراجع الاقتصاد البريطاني، فالشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك) على سبيل المثال تستحوذ منذ تسع سنوات على مصانع شركة آي سي آي للصناعات الدوائية، كما أن سابك استثمرت نحو 450 مليون دولار لتحديث هذه المصانع إضافة لإنشاء مصنع جديد".
وتعتبر السعودية، من أكبر الشركاء التجاريين لبريطانيا في الشرق الأوسط، كما أن بريطانيا هي خامس الدول المصدرة للسعودية.
وبلغت قيمة الصادرات البريطانية إلى السعودية خلال العام الماضي 2015 نحو 7.8 مليارات دولار، فيما وصلت قيمة الصادرات السعودية إلى بريطانيا نحو 2.66 مليار دولار، وفق تصريحات صحافية للسفير البريطاني لدى السعودية، سايمون كوليز، في مايو/أيار الماضي.
ولا يهمين النفط على الصادرات السعودية إلى بريطانيا، فخلال السنوات الخمس الماضية، كانت الصادرات غير النفطية تشكل نحو 61% من الصادرات السعودية، مثل الصناعات البلاستيكية والمعدنية بالإضافة إلى الكيميائيات.
في المقابل تعتبر السيارات ومحركات الطائرات وقطع غيارها ومنصات الحفر العائمة أو الغاطسة من بين أبرز الصادرات البريطانية للسوق السعودية.
ولا تقتصر العلاقة بين الرياض ولندن على الجوانب الاقتصادية فقط، وتتجاوزه للسياحة والتعليم، فيدرس حاليا أكثر من 15 ألف طالب سعودي في الجامعات البريطانية، في حين تجاوز عدد الدارسين السعوديين خلال الأعوام العشرة الأخيرة 100 ألف دارس، فيما سافر نحو 144 ألف سائح سعودي إلى بريطانيا العام الماضي فقط ، وأنفقوا أكثر من 580 مليون دولار، وفق البيانات الرسمية.
وتعد المملكة المتحدة من الوجهات، التي تجذب السعوديين للسفر بعد ماليزيا وفرنسا، في حين أن نحو 30 ألف بريطاني يعملون في السعودية.
ورغم اكتساب الحملة المؤيدة لبقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، قوة دفع مطلع الأسبوع الحالي، وفق استطلاعات الرأي، إلا أن القلق لا يزال يساور الكثير من المحللين، حيث تتخطى مخاوف التأثر السوق البريطانية إلى الدول المجاورة في حال الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
وتصوت بريطانيا يوم 23 يونيو/ حزيران على البقاء أو الخروج من الاتحاد، الذي يضم 28 دولة في استفتاء ستكون له تداعيات طويلة الأجل على الاقتصاد والدفاع والدبلوماسية في القارة الأوروبية.
وقال عاصم عرب، رئيس المكاتب الوطنية الاستشارية في السعودية، إن المخاوف لا تطاول الاستثمارات السعودية في بريطانيا فقط، بل سيطاول الأمر الاستثمارات السعودية في هولندا وبلجيكا وحتى في فرنسا وألمانيا وإيطاليا.
وأوضح عرب في تصريح لـ "العربي الجديد"، :" تستثمر السعودية مليارات الدولارات في مختلف دول أوروبا، ليس في بريطانيا فقط، كل هذه الأموال ستكون في خطر لأن الاتحاد الأوروبي بأكمله سيتأثر بخروج بريطانيا من حظيرته، خاصة أن توقعات صندوق النقد الدولي لمستقبل بريطانيا خارج الاتحاد جاءت سلبية جدا".
وبحسب توقعات أكثر عمقاً يتوقع أن يتباطأ نمو إجمالي الناتج الداخلي البريطاني ليبلغ 1.7% هذه العام بدلا من 1.9% ثم 1.4% في 2017 بدلا من 2.2% في حال قرر البريطانيون البقاء في الاتحاد الأوروبي.
وأضاف رئيس المكاتب الوطنية الاستشارية :"هناك توقعات أكثر سلبية ترجح أن يعاني الاقتصاد البريطاني من الانكماش في العام المقبل، وهو أمر سيكون له تأثير كبير على بريطانيا وشركائها الاقتصاديين ومنهم السعودية".
وكان جان أسلبورن، وزير خارجية لوكسمبورج، قال في مقابلة مع صحيفة ألمانية نشرت يوم الأحد الماضي، إن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قد يؤدي إلى خطوات مماثلة من دول في شرق أوروبا.
وقال أسلبورن لصحيفة تاجشبيجل أم زونتاج " لا يمكن استبعاد أن يكون لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تأثير الدومينو في شرق أوروبا".