أن يُعلن وزير العمل اللبناني، سجعان قزي، قبل أسابيع قليلة من عيد العمّال أن نسبة البطالة في لبنان تبلغ 25%، أي أن هناك مليون إنسان عاطل عن العمل من أصل أربعة ملايين مواطن، فذلك يعني أن الأوضاع في لبنان ليست بخير.
لا ينعكس هذا الوضع المأساوي في الشارع. ففي الأول من مايو/أيار، اقتصرت التحركات العماليّة على مشاركة آلاف قليلة من الشيوعيين في التظاهرة التي يدعو لها الحزب سنوياً، وإن كانت تحمل هذه التظاهرة هذه السنة معاني إضافيّة للشيوعيين، بسبب انتخاب حنا غريب أميناً عاماً جديداً للحزب قبل أيام.
ويأتي غريب إلى الأمانة العامة من تاريخ نضالي كبير، وهو الذي قاد هيئة التنسيق النقابية لسنوات (تجمع الأساتذة في القطاعين العام والخاص، وموظفي القطاع العام). واستطاع غريب جمع المتناقضين سياسياً، في عمل نقابي موحّد، وهو ما دفع قوى السلطة على مختلف قواها، إلى التحالف ضدّه، وإسقاط لائحته في انتخاب رابطة الأساتذة الثانويين لإبعاده عن قيادة العمل النقابي.
ويُمكن القول، إن السلطة السياسيّة نجحت في "استيعاب" هيئة التنسيق النقابية، كما استطاعت سابقاً استيعاب الاتحاد العمالي العام، في تسعينيات القرن الماضي، وتبعد عنه القيادة النقابية القادرة على رفع قضايا العمّال، ليتحوّل الاتحاد اليوم إلى هيئة اسمية غير قادرة على تحريك الشارع، ولا ترغب أصلاً في ذلك، إلا في إطار العمل للمصالح السياسيّة الفئوية. وما استخدام الاتحاد العمالي واجهة لاحتلال بيروت في مايو/أيار عام 2008، إلا مثال واضح على ذلك. وعليه، فشلت هيئة التنسيق النقابية في دفع النواب إلى إقرار سلسلة الرتب والرواتب.
من هنا، يُمكن فهم كيف لا يتحرك الشارع، بعد إعلان قزي نسب البطالة، وقوله إن هناك "مليونا ومائة وسبعين ألفاً تحت خط الفقر، أو على خط الفقر، أي يعيشون بـ4.2 دولارات أو 6 دولارات في اليوم، وارتفعت نسبة بطالة الشباب إلى 346 ألف شاب وشابة ما بين عامي 2012 و2014".
ولا تقتصر المشكلة على ارتفاع نسب البطالة، بل يترافق هذا الأمر مع ارتفاع أسعار الشقق، وغياب النقل العام، وتردي الخدمات الصحية الحكومية، وأزمة الضمان الاجتماعي، وتراجع مستوى التعليم الرسمي المدرسي والجامعي لصالح التعليم الخاص. هي مشكلة نظام متكامل، يُهمّش الفئات الفقيرة، لصالح الطبقات الغنية. وفي هذا الإطار، لا بد من الإشارة إلى أن القطاع الوحيد الذي تزيد نسب أرباحه بشكلٍ سنوي في لبنان هو القطاع المصرفي.
وإذا كان اللبنانيّون يعيشون في ظل هذا الوضع المأساوي، فإن حال الأجانب في لبنان ليس أفضل. نظام الكفالة "يحتجز" حرية أكثر من مائتي ألف عاملة منزلية، ومن هنا جاءت مشاركتهن في تظاهرة اليوم للمطالبة بتعديل القوانين وإقرار حقهن في التنظيم النقابي، إضافة إلى انتهاك حقوق عشرات آلاف العمال الأجانب العاملين في الوظائف الأقل دخلاً. ويُعاني اللاجئون الفلسطينيون في لبنان من منعهم من العمل في أكثر من سبعين مهنة، تحت حجة منع التوطين، ويسير اللاجئون السوريون على الطريق عينه، إذ يرفض وزير العمل اللبناني إعطاءهم إجازات عمل في الكثير من المهن، ويريد حصرهم في قطاعي الزراعة والبناء وكعمال نظافة.
إذا، شكلت التظاهرة التي دعا الحزب الشيوعي إليها، التحرك الأساسي في عيد العمال في لبنان، وقد قال غريب في كلمته إن "بيروت اشتاقت للشيوعيين الذين قاموا بحمايتها يوم دنسها الاحتلال، فخرجتم من قلبها يا ثوار الأرض، يا أبطال الجبهة المقاومة اللبنانية".
ووجه التحية في "الأول من مايو/أيار إلى شهداء عمال شيكاغو ووفاء لمن كتبوا بدمائهم وتضحياتهم ولادة هذا العيد من رحم المعاناة والظلم وإلى قيادة الحركة النقابية وكل القادة الشرفاء، من فؤاد الشمالي إلى جميع الذين قدموا أرواحهم في سبيل تحرر الطبقة العاملة من كل أنواع الظلم والاستغلال والحرية"، وشدد غريب على أن "ما قبل الأول من مايو/أيار هذا العام لن يكون كما بعده، فهذا هو حاجز للاندفاع نحو النضال"، مؤكداً "أننا اليوم في الحزب أكثر وحدة وتماسكاً من أي وقت مضى، فلسنا حزباً إقطاعياً ولا وراثياً، بل نحن حزب ينتج قادته من قلب الشارع ومن قلب النضال"، مؤكداً متابعة "المسيرة لبناء دولة علمانية ديمقراطية مقاومة".
وأشار غريب إلى أن حزبه سيعمل "على ربط كل التحركات والمبادرات من الحراك النقابي بقيادة التيار النقابي إلى الحراك الشعبي ومجموعاته إلى الحراك البلدي إلى الحراك السياسي في حركة مواطنون ومواطنات في دولة لتحقيق أهدافنا".
ودعا إلى "اعتماد قانون انتخابي عصري وديمقراطي يقوم على أساس النسبية وخارج القيد الطائفي ولبنان دائرة واحدة، واعتماد قانون مدني للأحوال الشخصية يحرر المواطن من المؤسسة الدينية"، وطالب بـ"اللامركزية الإدارية، وتحقيق المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، عبر إعطاء المرأة حق الجنسية لأولادها".