بدأ تفعيل رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران بعد وفائها بشروط اتفاقها مع مجموعة (5+1) حول برنامجها النووي، ولم تنقطع اتصالات المستثمرين الأجانب بإيران طوال الفترة الماضية، حول مستقبل وجود مشروعات لشركاتهم بإيران بعد قطيعة امتدت لنحو أكثر من ثلاثة عقود.
البنك المركزي الإيراني أعلن أنه بدأ في التصرف في أمواله المجمدة، ليتأكد من سريان رفع العقوبات، وتستعد البنوك الإيرانية للانخراط في منظومة البنوك العالمية خلال أسبوع تقريبًا، وهو ما سيمكن لحركة نشطة من التجارة والاستثمار الخارجي مع إيران.
وكل ما سبق وغيره مجرد مظاهر لانفراجة، ولكن يبقى سؤال مهم، ما هو مستقبل ومسارات إيران الاقتصادية والتنموية في ظل قبولها بالاندماج في الاقتصاد الرأسمالي الغربي؟
إن السنوات الطويلة من العقوبات الاقتصادية جعلت إيران قادرة على تحقيق جزئي من الاكتفاء الذاتي لبعض السلع أو النجاح في بعض الصناعات، ولكنها نجاحات تتناسب مع التحديات التي فرضتها تبعات مواجهة العقوبات الاقتصادية، من أجل تحقيق حلم امتلاك السلاح النووي.
وما تحقق لإيران من نجاحات في ظل العقوبات الاقتصادية، ليس خصوصية إيرانية، ولكنه أمر متكرر بمعظم الدول التي عانت من أمر العقوبات الاقتصادية، ويعد نموذج جنوب أفريقيا من النماذج القريبة التي طورت زراعتها وسلاحها بشكل ملموس.
ويقول المراقبون إن أمام إيران مسارين للتعامل مع الرأسمالية الغربية، أولها أن تستمر إيران في مسار بناء اقتصادها في أطر إنتاجية، تقوي من دور القطاع الخاص، وترشد كذلك من أداء المؤسسات العامة، وتحقيق تنمية تستحضر فيها إيران ذاتها، وتمكنها من أن تكون قوة إقليمية تتناسب وطموحات مشروعها القومي الذي يستهدف السيطرة على إقليم الشرق الأوسط.
أو أن تقبل بالدور المرسوم من قبل الرأسمالية الغربية، والذي يرحب بإيران في إطار دور مماثل لدول الآسيان والصين وغيرها من الدول الصاعدة، بحيث تكون مجرد مصنع لإنتاج السلع، أو مؤسسات لإنتاج الخدمات، ولكن في ضوء عدم الخروج عن الأطر الرأسمالية، بكل ما تعنيه من تداعيات اجتماعية وثقافية بل وسياسية، فليس بوسع إيران في ظل هذا السيناريو، أن تخرج عن الالتزام بالسياسات الأميركية والغربية تجاه العديد من القضايا الدولية والإقليمية.
آمال الانفتاح
ثمة تطلعات كبيرة لدى الشعب الإيراني بالانفتاح على العالم، ومطالعة ما حجب عنه على مدار أكثر من ثلاثة عقود، وبخاصة فيما يتعلق بالتكنولوجيا المتقدمة، وكذلك ما شهده العالم من تغيرات تتعلق بالجوانب الاجتماعية والثقافية. ولذلك يتوقع أن يتولد لدى المستهلك الإيراني تفضيل المنتج الأجنبي على المنتجات الوطنية، وبخاصة إذا ما فتحت إيران أسواقها أمام السلع الأجنبية، تحت وطأة قبول عضويتها في منظمة التجارة العالمية.
ولن تكن عضوية إيران بمنظمة التجارة العالمية بلا مقابل، إذ من المرجّح أن تُفرض على طهران تعديل العديد من القوانين والتشريعات الاقتصادية، ورفع القيود المعطاة الآن للدولة للتحكم في حرية التجارة، ومن شأن هذه التغيرات أن تفتح باباً على الصناعات المحلية الإيرانية لا قبل لها بها، كما ستفتح الباب للمنافسة في قطاع الخدمات المتعلقة بقطاع تجارة الجملة والتجزئة، وكذلك الخدمات المالية.
وفي ظل تراجع أسعار النفط والغاز، سيكون مصير ميزان المدفوعات الإيراني مختلفاً، وقد يتحول إلى عجز بسبب الإقبال على الواردات الأجنبية، من السلع والخدمات، ولذلك سيكون التحدي الأول في هذا المضمار أن يؤهل المستهلك الإيراني، بأهمية التوازن وتشجيع المنتج المحلي على الصمود في الأسواق، وفي نفس الوقت فالقطاع الإنتاجي بإيران عليه أن يطور من نفسه، ويطالب بأن تكون له حماية انتقالية تمكنه من مواكبة التكنولوجيا، والحفاظ على مستوى عال من المنافسة في السوق المحلية.
اقرأ أيضا: البيروقراطية والمخاطر السياسية تعرقل الاستثمار في ايران
ويمثل سكان إيران الذين يتجاوز عددهم حاجز الـ 75 مليون نسمة، هدفاً أمام العديد من المستثمرين والشركات الأجنبية كسوق كبير، فهل ستعظم إيران من حصتها في مشاركة حقيقية، تزيد من القيمة المضافة لما لديها من موارد وصناعات؟ أم ستتحول لمجرد ورش للتجميع ويُقتل حلمها في توطيد وتطوير ما تولد لديها من تكنولوجيا إبان فترة فرض العقوبات الاقتصادية؟
تطويع طهران
بلا شك أن الوصول لاتفاق حول البرنامج النووي، لم يكن مجرد إنهاء تلك الأزمة، بل كان بمثابة تسوية لجميع الملفات العالقة بإيران ودورها في المنطقة، وكذلك وضعها الاقتصادي، وفي ضوء تفعيل الثمن الاقتصادي لوفاء إيران بالتزاماتها فيما يتعلق ببرنامجها النووي، يتوقع أن يهبط معدل التضخم ليكون بحدود رقم واحد، وليس رقمين كما هو الآن نحو 17.2%، بسبب حصول إيران على أموالها المجمدة على مراحل، وبما سيعوضها عن تراجع أسعار النفط، على الأقل في الأجل القصير.
وقبول إيران للأجندة الغربية الأميركية، من شأنه أن يلبي احتياجاتها الاقتصادية من تدفق للاستثمارات المباشرة، وكذلك وجود حركة سياحة نشطة من قبل السائحين الغربيين والأميركيين، ولا مانع من أن يكون لإيران دور في منظومة التشابك الصناعي للشركات متعدية الجنسية، وعما قريب نقرأ أن إيران في طريقها للانضمام للدول الصاعدة، وتظل قراءة تجربتها الاقتصادية رهن المؤشرات الاقتصادية التي تمثل نجاحاً ورقياً، ويهمل فيها الإنسان، ويصبح مجرد رقم في منظومة الرأسمالية.
ولدى إيران ما تقدمه للغرب على صعيد قضيته الرئيسة في المنطقة، وهي قضية الطاقة، ليكون احتياطي الغاز الطبيعي الإيراني، والذي يبلغ نحو 33.7 ترليون متر مكعب، رهن التصرف الأميركي والغربي، لاستخدامات الطاقة الأقل تلوثًا، وكذلك لمواجهة روسيا وإضعافها لأطول فترة ممكنة.
وقتها لن يكون لإيران الحرية في تسعير ثروتها من النفط والغاز باليورو، ولكنها ستكون أداة طيعة للعودة لحظيرة الدولار، وسوف يفتح ذلك الباب لتدفق الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة الإيراني لتطوير حقول الإنتاج، وجلب ما يلزمها من معدات حديثة، ترفع من إنتاجية إيران، وتزيد من الكميات المنتجة، لتساهم إيران مع دول الخليج في تكريس سيطرة أمريكا والغرب على منظومة الطاقة العالمية.
من المحتمل أن المواطن الإيراني سيشهد حركة ملموسة في أداء اقتصاد بلاده، من زيادة في معدلات الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي لن تكون معدلات البطالة عند حدها الحالي بنسبة 13% من إجمالي القوى العاملة، وهو ما سيدفع لتغير كبير في الوضع الاجتماعي والسياسي داخل إيران، سوف تظهر ملامحه خلال الفترة القادمة، مع إجراء أول انتخابات تشهدها البلاد، وهو ما سيضعف فرص عودة المحافظين لسدة الحكم في إيران.
وفي ضوء المستجدات الإقليمية، والتي من أبرزها تصاعد الأزمة الإيرانية السعودية، ستكون إيران شبة محاصرة إقليميًا، وبخاصة بعد أن سعت السعودية لاحتواء تركيا وضمها لصفها من خلال مصالح اقتصادية. وبالتالي ستكون إيران مضطرة لأن تزيد من علاقاتها بأمريكا والغرب بشكل أكبر مما كانت عليه من قبل.
اقرأ أيضا: إيران بلا عقوبات: فرص تصطدم بتحديات
البنك المركزي الإيراني أعلن أنه بدأ في التصرف في أمواله المجمدة، ليتأكد من سريان رفع العقوبات، وتستعد البنوك الإيرانية للانخراط في منظومة البنوك العالمية خلال أسبوع تقريبًا، وهو ما سيمكن لحركة نشطة من التجارة والاستثمار الخارجي مع إيران.
وكل ما سبق وغيره مجرد مظاهر لانفراجة، ولكن يبقى سؤال مهم، ما هو مستقبل ومسارات إيران الاقتصادية والتنموية في ظل قبولها بالاندماج في الاقتصاد الرأسمالي الغربي؟
إن السنوات الطويلة من العقوبات الاقتصادية جعلت إيران قادرة على تحقيق جزئي من الاكتفاء الذاتي لبعض السلع أو النجاح في بعض الصناعات، ولكنها نجاحات تتناسب مع التحديات التي فرضتها تبعات مواجهة العقوبات الاقتصادية، من أجل تحقيق حلم امتلاك السلاح النووي.
وما تحقق لإيران من نجاحات في ظل العقوبات الاقتصادية، ليس خصوصية إيرانية، ولكنه أمر متكرر بمعظم الدول التي عانت من أمر العقوبات الاقتصادية، ويعد نموذج جنوب أفريقيا من النماذج القريبة التي طورت زراعتها وسلاحها بشكل ملموس.
ويقول المراقبون إن أمام إيران مسارين للتعامل مع الرأسمالية الغربية، أولها أن تستمر إيران في مسار بناء اقتصادها في أطر إنتاجية، تقوي من دور القطاع الخاص، وترشد كذلك من أداء المؤسسات العامة، وتحقيق تنمية تستحضر فيها إيران ذاتها، وتمكنها من أن تكون قوة إقليمية تتناسب وطموحات مشروعها القومي الذي يستهدف السيطرة على إقليم الشرق الأوسط.
أو أن تقبل بالدور المرسوم من قبل الرأسمالية الغربية، والذي يرحب بإيران في إطار دور مماثل لدول الآسيان والصين وغيرها من الدول الصاعدة، بحيث تكون مجرد مصنع لإنتاج السلع، أو مؤسسات لإنتاج الخدمات، ولكن في ضوء عدم الخروج عن الأطر الرأسمالية، بكل ما تعنيه من تداعيات اجتماعية وثقافية بل وسياسية، فليس بوسع إيران في ظل هذا السيناريو، أن تخرج عن الالتزام بالسياسات الأميركية والغربية تجاه العديد من القضايا الدولية والإقليمية.
آمال الانفتاح
ثمة تطلعات كبيرة لدى الشعب الإيراني بالانفتاح على العالم، ومطالعة ما حجب عنه على مدار أكثر من ثلاثة عقود، وبخاصة فيما يتعلق بالتكنولوجيا المتقدمة، وكذلك ما شهده العالم من تغيرات تتعلق بالجوانب الاجتماعية والثقافية. ولذلك يتوقع أن يتولد لدى المستهلك الإيراني تفضيل المنتج الأجنبي على المنتجات الوطنية، وبخاصة إذا ما فتحت إيران أسواقها أمام السلع الأجنبية، تحت وطأة قبول عضويتها في منظمة التجارة العالمية.
ولن تكن عضوية إيران بمنظمة التجارة العالمية بلا مقابل، إذ من المرجّح أن تُفرض على طهران تعديل العديد من القوانين والتشريعات الاقتصادية، ورفع القيود المعطاة الآن للدولة للتحكم في حرية التجارة، ومن شأن هذه التغيرات أن تفتح باباً على الصناعات المحلية الإيرانية لا قبل لها بها، كما ستفتح الباب للمنافسة في قطاع الخدمات المتعلقة بقطاع تجارة الجملة والتجزئة، وكذلك الخدمات المالية.
وفي ظل تراجع أسعار النفط والغاز، سيكون مصير ميزان المدفوعات الإيراني مختلفاً، وقد يتحول إلى عجز بسبب الإقبال على الواردات الأجنبية، من السلع والخدمات، ولذلك سيكون التحدي الأول في هذا المضمار أن يؤهل المستهلك الإيراني، بأهمية التوازن وتشجيع المنتج المحلي على الصمود في الأسواق، وفي نفس الوقت فالقطاع الإنتاجي بإيران عليه أن يطور من نفسه، ويطالب بأن تكون له حماية انتقالية تمكنه من مواكبة التكنولوجيا، والحفاظ على مستوى عال من المنافسة في السوق المحلية.
اقرأ أيضا: البيروقراطية والمخاطر السياسية تعرقل الاستثمار في ايران
ويمثل سكان إيران الذين يتجاوز عددهم حاجز الـ 75 مليون نسمة، هدفاً أمام العديد من المستثمرين والشركات الأجنبية كسوق كبير، فهل ستعظم إيران من حصتها في مشاركة حقيقية، تزيد من القيمة المضافة لما لديها من موارد وصناعات؟ أم ستتحول لمجرد ورش للتجميع ويُقتل حلمها في توطيد وتطوير ما تولد لديها من تكنولوجيا إبان فترة فرض العقوبات الاقتصادية؟
تطويع طهران
بلا شك أن الوصول لاتفاق حول البرنامج النووي، لم يكن مجرد إنهاء تلك الأزمة، بل كان بمثابة تسوية لجميع الملفات العالقة بإيران ودورها في المنطقة، وكذلك وضعها الاقتصادي، وفي ضوء تفعيل الثمن الاقتصادي لوفاء إيران بالتزاماتها فيما يتعلق ببرنامجها النووي، يتوقع أن يهبط معدل التضخم ليكون بحدود رقم واحد، وليس رقمين كما هو الآن نحو 17.2%، بسبب حصول إيران على أموالها المجمدة على مراحل، وبما سيعوضها عن تراجع أسعار النفط، على الأقل في الأجل القصير.
وقبول إيران للأجندة الغربية الأميركية، من شأنه أن يلبي احتياجاتها الاقتصادية من تدفق للاستثمارات المباشرة، وكذلك وجود حركة سياحة نشطة من قبل السائحين الغربيين والأميركيين، ولا مانع من أن يكون لإيران دور في منظومة التشابك الصناعي للشركات متعدية الجنسية، وعما قريب نقرأ أن إيران في طريقها للانضمام للدول الصاعدة، وتظل قراءة تجربتها الاقتصادية رهن المؤشرات الاقتصادية التي تمثل نجاحاً ورقياً، ويهمل فيها الإنسان، ويصبح مجرد رقم في منظومة الرأسمالية.
ولدى إيران ما تقدمه للغرب على صعيد قضيته الرئيسة في المنطقة، وهي قضية الطاقة، ليكون احتياطي الغاز الطبيعي الإيراني، والذي يبلغ نحو 33.7 ترليون متر مكعب، رهن التصرف الأميركي والغربي، لاستخدامات الطاقة الأقل تلوثًا، وكذلك لمواجهة روسيا وإضعافها لأطول فترة ممكنة.
وقتها لن يكون لإيران الحرية في تسعير ثروتها من النفط والغاز باليورو، ولكنها ستكون أداة طيعة للعودة لحظيرة الدولار، وسوف يفتح ذلك الباب لتدفق الاستثمارات الأجنبية في قطاع الطاقة الإيراني لتطوير حقول الإنتاج، وجلب ما يلزمها من معدات حديثة، ترفع من إنتاجية إيران، وتزيد من الكميات المنتجة، لتساهم إيران مع دول الخليج في تكريس سيطرة أمريكا والغرب على منظومة الطاقة العالمية.
من المحتمل أن المواطن الإيراني سيشهد حركة ملموسة في أداء اقتصاد بلاده، من زيادة في معدلات الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي لن تكون معدلات البطالة عند حدها الحالي بنسبة 13% من إجمالي القوى العاملة، وهو ما سيدفع لتغير كبير في الوضع الاجتماعي والسياسي داخل إيران، سوف تظهر ملامحه خلال الفترة القادمة، مع إجراء أول انتخابات تشهدها البلاد، وهو ما سيضعف فرص عودة المحافظين لسدة الحكم في إيران.
وفي ضوء المستجدات الإقليمية، والتي من أبرزها تصاعد الأزمة الإيرانية السعودية، ستكون إيران شبة محاصرة إقليميًا، وبخاصة بعد أن سعت السعودية لاحتواء تركيا وضمها لصفها من خلال مصالح اقتصادية. وبالتالي ستكون إيران مضطرة لأن تزيد من علاقاتها بأمريكا والغرب بشكل أكبر مما كانت عليه من قبل.
اقرأ أيضا: إيران بلا عقوبات: فرص تصطدم بتحديات