أكثر من مائة ألف شاب عراقي، غالبيتهم العظمى من حملة الشهادات الجامعية، يواصلون العمل في مؤسسات حكومية ووزارات عراقية بلا مقابل ولا أية امتيازات، في ظاهرة جديدة داخل العراق تعرف باسم العقود، حيث تمنح الوزارة أو الدائرة عقوداً بلا أجور أو بأجور رمزية تصرف لهم كل شهرين أو ثلاثة لقاء عملهم لديها، ويمنحون وعوداً بأن لهم الأولوية في التعيين بالدوائر عندما تأتي الفرصة.
إلا أن الموازنات العراقية قللت خلال السنوات الست الماضية من فرص فتح باب التعيين بالوزارات، وأغلقته نهائياً منذ عامين بسب الأزمة الحالية التي تمر بالبلاد. وعادة ما يعمل موظفو العقود بشكل مضاعف وأكثر من موظفي الحكومة الرسميين الذين يواجهون تهم استغلال موظفي العقود في إنجاز الأعمال عنهم.
اقــرأ أيضاً
ويقول موظفو العقود إنهم مضطرون للتعلق بالقشة على أمل التعيين، وآخرون يحصلون على أجر بسيط كإكراميات أو هبات من المراجعين أو من تبرعات موظفين دائمين عند تسلم الراتب نهاية كل شهر.
ويقول مسؤول حكومي عراقي في بغداد لـ"العربي الجديد"، إن هناك عملية استغلال بشعة للشباب موظفي العقود، بينهم من ظل سنوات عاطلاً ولم ينجح في الحصول على الوظيفة التي يحلم بها"، معترفاً بأن "قسما كبيرا من موظفي العقود تحول إلى أشبه ما يكون بنظام السخرة". وتابع "تحولت هذه العقود أيضاً إلى دعايات انتخابية، حيث تجاوزت عتبة الــ 100 ألف عقد بالعراق كلها لشبان يحلمون بوظيفة محترمة".
ولفت المسؤول إلى أن هذا الوضع ابتكر نوعاً آخر من البطالة، غير "البطالة المقنعة" ولا يمكن تعريفه والواقع أن الحكومة غير قادرة على تعيين هؤلاء الشباب، وهناك نوع من الوعود الكاذبة تقطع لهم، كون إبلاغهم بعدم وجود وظائف يعني ربما حدوث فوضى داخل البلاد ومظاهرات. وأضاف المسؤول "لقد تحولوا إلى جيش كبير من الحالمين بالوظيفة، كما أنهم فعلاً تم زجهم في مؤسسات بلا مرتب ولا ضمان صحي ولا حتى مخصصات بسيطة تمنح لهم".
اقــرأ أيضاً
ويوضح الخبير الاقتصادي أيمن الزبيدي أن "الحكومة العراقية بدأت بسياسة التعاقد مع عشرات الآلاف من خريجي الجامعات والمعاهد منذ عام 2008، ولكنها تعاقدت معهم دون أية مخصصات مالية سوى وعود بالتوظيف حال توفر درجات وظيفية".
وأضاف الزبيدي لـ"العربي الجديد" أن "أكثر من 100 ألف متعاقد من خريجي كليات القانون والتربية والآداب والإدارة والحاسبات والاقتصاد والهندسة، وكذلك المعاهد التقنية والفنية، يعملون في دوائر الدولة منذ سنوات دون تلقيهم أي رواتب أو مخصصات مالية".
من جانبه، قال رئيس منظمة حقوق الإنسان، رعد الراوي، إن تعاقد الدولة مع الخريجين بهذه الطريقة عمل غير إنساني ولا يليق بمفهوم الدولة، وما يدور من حديث بالشارع اليوم، عن أنه إحياء لنظام السخرة، قد يكون ملامساً للواقع في بعض المؤسسات مع الأسف، خاصة في دوائر البلدية.
ويضيف لـ"العربي الجديد" أن "تشغيل عشرات الآلاف من خريجي الجامعات والمعاهد بطريقة التعاقد مع دوائر الدولة دون أية مخصصات مالية عمل غير إنساني من قبل الحكومة المركزية وهو استغلال لهم، خاصة أنه لا أمل بتعيينهم كما وعدتهم المؤسسات منذ سنوات". ويقول الراوي لـ"العربي الجديد": "هؤلاء المتعاقدون يأملون أن يتم تعيينهم في تلك الدوائر منذ سنوات طويلة، دون فائدة، فالتعيينات تذهب لمن يدفع أكثر أو للأحزاب والكتل السياسية نتيجة الفساد المستشري في مفاصل الدولة".
وساهمت البطالة المستشرية في البلاد في دفع الخريجين للتعاقد مع الدولة وفقاً لهذا النظام، أملاً في الحصول على وظيفة عند إطلاق الدرجات الوظيفية، لكن الوعود لم يتحقق منها شيء، فيما يعاني المتعاقدون بشكل مستمر.
حيدر العباسي خريج كلية القانون، يعمل في إحدى دوائر البلديات في بغداد منذ أربع سنوات ضمن عقد مجاني مع الدولة على أمل الحصول على وظيفة، لكنه لم يحصل على أي شيء حتى الآن.
يقول العباسي لـ"العربي الجديد"، ليس أمامي أي خيار آخر سوى التعاقد والعمل مجاناً لعلي أحصل على وظيفة، فقد وعدتنا الحكومة بأولوية التوظيف حال إطلاق درجات وظيفية، ولكن كلما أطلقت الدرجات لا نحصل منها على شيء بسبب الفساد المالي والإداري والمحاباة الحزبية والسياسية".
ويبين العباسي أن "الأمر أشبه بالمقامرة والاستعباد في ذات الوقت، فالدولة تستعبدنا وتستغل معاناتنا من البطالة وتعدنا بالتوظيف، لكننا نعمل منذ سنوات دون أي مقابل ونعيش فقط على أمل التعيين المركزي وكأننا نقامر بأعمارنا ومستقبلنا، وهذا هو حال عشرات آلاف الخريجين".
ويقدم كثير من الموظفين القدماء على جمع بعض المبالغ من رواتبهم ودفعها على شكل مخصصات مالية بسيطة لهؤلاء المتعاقدين مجاناً مع الدولة، وفقاً لما وصفوه بالتكافل الاجتماعي ومراعاة الحالة الإنسانية لهم.
اقــرأ أيضاً
ويبين حازم الدليمي، موظف قديم، "نحن كموظفين قدماء في دوائر الدولة نشعر بالخجل حينما نستلم رواتبنا الشهرية، في وقت يعمل معنا زملاء آخرون منذ سنوات دون أي مرتبات أو مخصصات مالية، لذلك نقوم كل شهر بالتبرع ببعض المبالغ المالية وتخصيصها للمتعاقدين".
وحسب الإحصائيات، فإن نسبة البطالة في العراق ارتفعت كثيراً خلال السنوات الأخيرة نتيجة الحرب والصراعات الداخلية واستشراء الفساد، لتصل إلى أكثر من 32% فيما تجاوزت نسبة الفقر 30%. وتعد البطالة إحدى أكبر المشاكل التي يواجهها العراق، والتي دفعت آلافاً من الشباب الخريجين للهجرة إلى خارج العراق بحثاً عن عمل بسبب البطالة، لعدم وجود بدائل داخل العراق عن الوظائف الحكومية نتيجة الدمار الذي لحق بالقطاع الخاص.
إلا أن الموازنات العراقية قللت خلال السنوات الست الماضية من فرص فتح باب التعيين بالوزارات، وأغلقته نهائياً منذ عامين بسب الأزمة الحالية التي تمر بالبلاد. وعادة ما يعمل موظفو العقود بشكل مضاعف وأكثر من موظفي الحكومة الرسميين الذين يواجهون تهم استغلال موظفي العقود في إنجاز الأعمال عنهم.
ويقول موظفو العقود إنهم مضطرون للتعلق بالقشة على أمل التعيين، وآخرون يحصلون على أجر بسيط كإكراميات أو هبات من المراجعين أو من تبرعات موظفين دائمين عند تسلم الراتب نهاية كل شهر.
ويقول مسؤول حكومي عراقي في بغداد لـ"العربي الجديد"، إن هناك عملية استغلال بشعة للشباب موظفي العقود، بينهم من ظل سنوات عاطلاً ولم ينجح في الحصول على الوظيفة التي يحلم بها"، معترفاً بأن "قسما كبيرا من موظفي العقود تحول إلى أشبه ما يكون بنظام السخرة". وتابع "تحولت هذه العقود أيضاً إلى دعايات انتخابية، حيث تجاوزت عتبة الــ 100 ألف عقد بالعراق كلها لشبان يحلمون بوظيفة محترمة".
ولفت المسؤول إلى أن هذا الوضع ابتكر نوعاً آخر من البطالة، غير "البطالة المقنعة" ولا يمكن تعريفه والواقع أن الحكومة غير قادرة على تعيين هؤلاء الشباب، وهناك نوع من الوعود الكاذبة تقطع لهم، كون إبلاغهم بعدم وجود وظائف يعني ربما حدوث فوضى داخل البلاد ومظاهرات. وأضاف المسؤول "لقد تحولوا إلى جيش كبير من الحالمين بالوظيفة، كما أنهم فعلاً تم زجهم في مؤسسات بلا مرتب ولا ضمان صحي ولا حتى مخصصات بسيطة تمنح لهم".
ويوضح الخبير الاقتصادي أيمن الزبيدي أن "الحكومة العراقية بدأت بسياسة التعاقد مع عشرات الآلاف من خريجي الجامعات والمعاهد منذ عام 2008، ولكنها تعاقدت معهم دون أية مخصصات مالية سوى وعود بالتوظيف حال توفر درجات وظيفية".
وأضاف الزبيدي لـ"العربي الجديد" أن "أكثر من 100 ألف متعاقد من خريجي كليات القانون والتربية والآداب والإدارة والحاسبات والاقتصاد والهندسة، وكذلك المعاهد التقنية والفنية، يعملون في دوائر الدولة منذ سنوات دون تلقيهم أي رواتب أو مخصصات مالية".
من جانبه، قال رئيس منظمة حقوق الإنسان، رعد الراوي، إن تعاقد الدولة مع الخريجين بهذه الطريقة عمل غير إنساني ولا يليق بمفهوم الدولة، وما يدور من حديث بالشارع اليوم، عن أنه إحياء لنظام السخرة، قد يكون ملامساً للواقع في بعض المؤسسات مع الأسف، خاصة في دوائر البلدية.
ويضيف لـ"العربي الجديد" أن "تشغيل عشرات الآلاف من خريجي الجامعات والمعاهد بطريقة التعاقد مع دوائر الدولة دون أية مخصصات مالية عمل غير إنساني من قبل الحكومة المركزية وهو استغلال لهم، خاصة أنه لا أمل بتعيينهم كما وعدتهم المؤسسات منذ سنوات". ويقول الراوي لـ"العربي الجديد": "هؤلاء المتعاقدون يأملون أن يتم تعيينهم في تلك الدوائر منذ سنوات طويلة، دون فائدة، فالتعيينات تذهب لمن يدفع أكثر أو للأحزاب والكتل السياسية نتيجة الفساد المستشري في مفاصل الدولة".
وساهمت البطالة المستشرية في البلاد في دفع الخريجين للتعاقد مع الدولة وفقاً لهذا النظام، أملاً في الحصول على وظيفة عند إطلاق الدرجات الوظيفية، لكن الوعود لم يتحقق منها شيء، فيما يعاني المتعاقدون بشكل مستمر.
حيدر العباسي خريج كلية القانون، يعمل في إحدى دوائر البلديات في بغداد منذ أربع سنوات ضمن عقد مجاني مع الدولة على أمل الحصول على وظيفة، لكنه لم يحصل على أي شيء حتى الآن.
يقول العباسي لـ"العربي الجديد"، ليس أمامي أي خيار آخر سوى التعاقد والعمل مجاناً لعلي أحصل على وظيفة، فقد وعدتنا الحكومة بأولوية التوظيف حال إطلاق درجات وظيفية، ولكن كلما أطلقت الدرجات لا نحصل منها على شيء بسبب الفساد المالي والإداري والمحاباة الحزبية والسياسية".
ويبين العباسي أن "الأمر أشبه بالمقامرة والاستعباد في ذات الوقت، فالدولة تستعبدنا وتستغل معاناتنا من البطالة وتعدنا بالتوظيف، لكننا نعمل منذ سنوات دون أي مقابل ونعيش فقط على أمل التعيين المركزي وكأننا نقامر بأعمارنا ومستقبلنا، وهذا هو حال عشرات آلاف الخريجين".
ويقدم كثير من الموظفين القدماء على جمع بعض المبالغ من رواتبهم ودفعها على شكل مخصصات مالية بسيطة لهؤلاء المتعاقدين مجاناً مع الدولة، وفقاً لما وصفوه بالتكافل الاجتماعي ومراعاة الحالة الإنسانية لهم.
ويبين حازم الدليمي، موظف قديم، "نحن كموظفين قدماء في دوائر الدولة نشعر بالخجل حينما نستلم رواتبنا الشهرية، في وقت يعمل معنا زملاء آخرون منذ سنوات دون أي مرتبات أو مخصصات مالية، لذلك نقوم كل شهر بالتبرع ببعض المبالغ المالية وتخصيصها للمتعاقدين".
وحسب الإحصائيات، فإن نسبة البطالة في العراق ارتفعت كثيراً خلال السنوات الأخيرة نتيجة الحرب والصراعات الداخلية واستشراء الفساد، لتصل إلى أكثر من 32% فيما تجاوزت نسبة الفقر 30%. وتعد البطالة إحدى أكبر المشاكل التي يواجهها العراق، والتي دفعت آلافاً من الشباب الخريجين للهجرة إلى خارج العراق بحثاً عن عمل بسبب البطالة، لعدم وجود بدائل داخل العراق عن الوظائف الحكومية نتيجة الدمار الذي لحق بالقطاع الخاص.