في غياب المعلومات الدقيقة، أو حتى التقريبية، تصبح مهمة تقدير حجم الدمار الذي لحق بالوطن العربي شبه مستحيلة.
ولكن، لو وضعنا رقم تريليون دولار على سبيل التقدير، أو مبلغاً ابتدائياً، فربما لا نجانب الحقيقة كثيراً. ومن دون الخوض في بناء نماذج قياسية، وتحليلات مالية هندسية، يشكل هذا الرقم بداية مشجعة ومحفزة على إعادة الإعمار والبناء.
قد يتساءل الإنسان عن الدول التي تحتاج إلى إعادة إعمار. ولو تجاهلنا الظروف السياسية والسيادية للبلدان العربية، بعد الوصول إلى حلول وتسويات بين الأطراف المتنازعة فيها، فإن الدول المعنية ستكون العراق، سورية، ليبيا، اليمن، والصومال، وستكون هناك دول أخرى بحاجة إلى التوسع في العمران، واستكمال المرافق من أجل ضمان قدرتها على تحمل الأعباء المترتبة عليها، مثل مصر، وتونس، والأردن، وفلسطين ولبنان.
لو أردنا أن نعرف مصادر تمويل المبلغ الأولي الذي قدرناه في حدود تريليون دولار، فلن يكون الجواب سهلاً. ولكن الدولة الأولى المرشحة لهذا الدور، والقادرة عليه مباشرة، هي الصين.
وقد يكون لأوروبا والولايات المتحدة وكندا وروسيا أدوار أقل حجماً من حيث التمويل، وأوسع مساحة من حيث التنفيذ. وسبب أن الصين ستكون الدولة الرائدة في هذا الجهد العمراني هو مقدرتها المالية، فهي تملك، في الوقت الحاضر، فوائض مالية كبيرة قد تصل إلى 6-7 تريليونات دولار، منها 3 تريليونات ديوناً على الولايات المتحدة وحدها. وكذلك، الصين هي التي بادرت بإنشاء بنك التنمية الآسيوي، كما أن مصالحها الاستراتيجية تقتضي أن يكون لها وجود في المنطقة.
وبالطبع، لن تترك الدول العظمى الأخرى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا الميدان للصين وحدها، تسرح فيه وتمرح، كما يحلو لها. ولذلك، فإن دولاً، كالولايات المتحدة، سوف تدخل مباشرة للتمويل والتنفيذ. أما روسيا، فستبقى قدرتها على المساهمة المالية محدودة، مرتبطة بالمشروعات التي تتولى تنفيذها هي في مجالات الطاقة، وسكك الحديد، والطرق وغيرها.
أما أوروبا، فتستطيع مثل الولايات المتحدة أن تقدم المال والمقدرة الهندسية التصميمية والتنفيذية.
ولكن إمكانات الاتفاق بين هذه الدول سوف تتطلب، منذ البداية، تحديداً للأدوار التي ستضطلع بها القوى الإقليمية، مثل تركيا وإيران، وحتى إسرائيل، ولو بطرق غير مباشرة عبر الولايات المتحدة وأوروبا، أو من خلال البنوك الدولية.
ولكن، إذا أعدنا النظر في احتمالات الحلول السلمية والسياسية للمشكلات والحروب القائمة عبر التفاوض، فإن إمكانات عودة الأحوال إلى ما كانت عليه في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2010، أي قبل اندلاع الثورة التونسية، سيكون غير وارد في بعض الأقطار العربية.
سوف تجد سورية نفسها مضطرة إلى القبول، في أحسن الأحوال، بدولة كونفدرالية من ثلاثة أقاليم، تتمتع بدرجة عالية من الاستقلالية، مثل إقليم كردستان في العراق. والحال في العراق كذلك، على الرغم من الانتصار الأخير في الرمادي، وسيجد العراق نفسه دولة كونفدرالية على أحسن الأحوال، ومقسماً إلى ثلاثة أقاليم مستقلة، في الشمال، فالوسط والجنوب، فالغرب.
والحرب ضد داعش وباقي الحركات الإرهابية بتدخل دولي من دول متناقضة المصالح والاتجاهات صارت وسيلة لإعادة توزيع السكان، طائفياً وإثنياً، في كل من العراق وسورية.
وإذا توصلت الأطراف المتفاوضة إلى حل، فإن تنفيذه على الأرض سيؤدي إلى "ترانسفير" سكاني، لم يشهد له العالم مثيلاً، منذ انفصال باكستان عن الهند عام 1949.
اقرأ أيضا: روسيا وتركيا والوطن العربي
إذا صدقت هذه التوقعات، يصبح من الأرجح أن تنقسم على الغرار نفسه كل من اليمن وليبيا. وسوف يكون كل إقليم في هذه الدول المقسمة واقعاً تحت سيطرة هذه الجهة أو تلك من الدول العظمى، وسنرى تحالفاتٍ بين الدول العظمى والدول المؤثرة إقليمياً لضمان استمرار المصالح الاستراتيجية لهذه الدول في الدويلات، أو الكينونات، العربية الجديدة في الدول الأربع.
أما السودان، فإن المشكلات في إقليم دارفور على استمرارها، إلا أنه من الصعب التنبؤ بانفصال الإقليم، خصوصاً إذا حصل أهله على صلاحيات أكبر في إدارته، لكن إقليم دارفور سيبقى بحاجة إلى اموال لتعميره وتطويره.
إذا حصلت هذه الأمور، وبدأ بتنفيذ مشروع إعادة الإعمار، فإن المطلوب إيجاد مكان يتفق الجميع أنه المركز لهذه الجهود كلها.
ولاختياره، فإن شروطاً يجب توفرها فيه حتى يقدر على ذلك.
أولها، الاستقرار السياسي والأمني في هذا البلد.
وثانيها، قبول كل الأطراف به، لأنه قادر على مخاطبتها جميعاً.
والثالث، سهولة الوصول إليه والخروج منه.
والرابع، توفر الإمكانات البشرية واللوجستية والفنية من أجل أن يستطيع معالجة هذه الأعباء.
وخامسها، توفر الخدمات التي يتطلبها وجود الخبراء والماليين والمهندسين والمصممين ومدراء شركات المقاولات والمحامين وغيرها. وهذه الخدمات، في الأساس، هي السكن والخدمات التعليمية بكل اللغات والخدمات الصحية المتميزة.
وأخيراً وليس آخراً، وجود جهاز مصرفي قادر على التعامل مع كل المتطلبات مع ضمان حرية إدخال العملات والآليات وإخراجها.
وأعتقد أن البلد الذي ستنطبق عليه كل هذه الشروط هو الأردن، فقد أثبت أنه قادر أمنياً وعسكرياً على الحفاظ على وحدته وتماسكه وأمنه وسط العواصف التي تحيط به من كل مكان. وهو يتمتع بمرافق وخدمات فوقية وتحتية متميزة، وبقوى بشرية عالية التأهيل، وبنظام سياسي مستقر، ولديه شركات خدمات واتصالات ومكاتب ومساكن جاهزة للاستخدام. والأهم هو سهولة الدخول اليه والخروج منه.
وقد جاء الأردن في الخدمات الصحية أولاً في الوطن العربي وخامساً في العالم، ويتميز بمدارسه وجامعاته (عنده أكثر من 30 جامعة)، وبمدارسه الخاصة، وبالحرية الاقتصادية، حيث جاء ترتيبه السابع من بين أكثر من 150 دولة.
أورد هذا كله بعض صناع القرار في دول مثل الصين وأوروبا. وفي الأردن حالياً أكثر من 1.5 مليون عامل عربي يعملون فيه، ولديه قوى بشرية وطنية جاهزة للعمل، متى ما توفرت الفرصة لذلك.
اقرأ أيضا: النفط والسياسة والاقتصاد
ولكن، لو وضعنا رقم تريليون دولار على سبيل التقدير، أو مبلغاً ابتدائياً، فربما لا نجانب الحقيقة كثيراً. ومن دون الخوض في بناء نماذج قياسية، وتحليلات مالية هندسية، يشكل هذا الرقم بداية مشجعة ومحفزة على إعادة الإعمار والبناء.
قد يتساءل الإنسان عن الدول التي تحتاج إلى إعادة إعمار. ولو تجاهلنا الظروف السياسية والسيادية للبلدان العربية، بعد الوصول إلى حلول وتسويات بين الأطراف المتنازعة فيها، فإن الدول المعنية ستكون العراق، سورية، ليبيا، اليمن، والصومال، وستكون هناك دول أخرى بحاجة إلى التوسع في العمران، واستكمال المرافق من أجل ضمان قدرتها على تحمل الأعباء المترتبة عليها، مثل مصر، وتونس، والأردن، وفلسطين ولبنان.
لو أردنا أن نعرف مصادر تمويل المبلغ الأولي الذي قدرناه في حدود تريليون دولار، فلن يكون الجواب سهلاً. ولكن الدولة الأولى المرشحة لهذا الدور، والقادرة عليه مباشرة، هي الصين.
وقد يكون لأوروبا والولايات المتحدة وكندا وروسيا أدوار أقل حجماً من حيث التمويل، وأوسع مساحة من حيث التنفيذ. وسبب أن الصين ستكون الدولة الرائدة في هذا الجهد العمراني هو مقدرتها المالية، فهي تملك، في الوقت الحاضر، فوائض مالية كبيرة قد تصل إلى 6-7 تريليونات دولار، منها 3 تريليونات ديوناً على الولايات المتحدة وحدها. وكذلك، الصين هي التي بادرت بإنشاء بنك التنمية الآسيوي، كما أن مصالحها الاستراتيجية تقتضي أن يكون لها وجود في المنطقة.
وبالطبع، لن تترك الدول العظمى الأخرى، مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا الميدان للصين وحدها، تسرح فيه وتمرح، كما يحلو لها. ولذلك، فإن دولاً، كالولايات المتحدة، سوف تدخل مباشرة للتمويل والتنفيذ. أما روسيا، فستبقى قدرتها على المساهمة المالية محدودة، مرتبطة بالمشروعات التي تتولى تنفيذها هي في مجالات الطاقة، وسكك الحديد، والطرق وغيرها.
أما أوروبا، فتستطيع مثل الولايات المتحدة أن تقدم المال والمقدرة الهندسية التصميمية والتنفيذية.
ولكن إمكانات الاتفاق بين هذه الدول سوف تتطلب، منذ البداية، تحديداً للأدوار التي ستضطلع بها القوى الإقليمية، مثل تركيا وإيران، وحتى إسرائيل، ولو بطرق غير مباشرة عبر الولايات المتحدة وأوروبا، أو من خلال البنوك الدولية.
ولكن، إذا أعدنا النظر في احتمالات الحلول السلمية والسياسية للمشكلات والحروب القائمة عبر التفاوض، فإن إمكانات عودة الأحوال إلى ما كانت عليه في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 2010، أي قبل اندلاع الثورة التونسية، سيكون غير وارد في بعض الأقطار العربية.
سوف تجد سورية نفسها مضطرة إلى القبول، في أحسن الأحوال، بدولة كونفدرالية من ثلاثة أقاليم، تتمتع بدرجة عالية من الاستقلالية، مثل إقليم كردستان في العراق. والحال في العراق كذلك، على الرغم من الانتصار الأخير في الرمادي، وسيجد العراق نفسه دولة كونفدرالية على أحسن الأحوال، ومقسماً إلى ثلاثة أقاليم مستقلة، في الشمال، فالوسط والجنوب، فالغرب.
والحرب ضد داعش وباقي الحركات الإرهابية بتدخل دولي من دول متناقضة المصالح والاتجاهات صارت وسيلة لإعادة توزيع السكان، طائفياً وإثنياً، في كل من العراق وسورية.
وإذا توصلت الأطراف المتفاوضة إلى حل، فإن تنفيذه على الأرض سيؤدي إلى "ترانسفير" سكاني، لم يشهد له العالم مثيلاً، منذ انفصال باكستان عن الهند عام 1949.
اقرأ أيضا: روسيا وتركيا والوطن العربي
إذا صدقت هذه التوقعات، يصبح من الأرجح أن تنقسم على الغرار نفسه كل من اليمن وليبيا. وسوف يكون كل إقليم في هذه الدول المقسمة واقعاً تحت سيطرة هذه الجهة أو تلك من الدول العظمى، وسنرى تحالفاتٍ بين الدول العظمى والدول المؤثرة إقليمياً لضمان استمرار المصالح الاستراتيجية لهذه الدول في الدويلات، أو الكينونات، العربية الجديدة في الدول الأربع.
أما السودان، فإن المشكلات في إقليم دارفور على استمرارها، إلا أنه من الصعب التنبؤ بانفصال الإقليم، خصوصاً إذا حصل أهله على صلاحيات أكبر في إدارته، لكن إقليم دارفور سيبقى بحاجة إلى اموال لتعميره وتطويره.
إذا حصلت هذه الأمور، وبدأ بتنفيذ مشروع إعادة الإعمار، فإن المطلوب إيجاد مكان يتفق الجميع أنه المركز لهذه الجهود كلها.
ولاختياره، فإن شروطاً يجب توفرها فيه حتى يقدر على ذلك.
أولها، الاستقرار السياسي والأمني في هذا البلد.
وثانيها، قبول كل الأطراف به، لأنه قادر على مخاطبتها جميعاً.
والثالث، سهولة الوصول إليه والخروج منه.
والرابع، توفر الإمكانات البشرية واللوجستية والفنية من أجل أن يستطيع معالجة هذه الأعباء.
وخامسها، توفر الخدمات التي يتطلبها وجود الخبراء والماليين والمهندسين والمصممين ومدراء شركات المقاولات والمحامين وغيرها. وهذه الخدمات، في الأساس، هي السكن والخدمات التعليمية بكل اللغات والخدمات الصحية المتميزة.
وأخيراً وليس آخراً، وجود جهاز مصرفي قادر على التعامل مع كل المتطلبات مع ضمان حرية إدخال العملات والآليات وإخراجها.
وأعتقد أن البلد الذي ستنطبق عليه كل هذه الشروط هو الأردن، فقد أثبت أنه قادر أمنياً وعسكرياً على الحفاظ على وحدته وتماسكه وأمنه وسط العواصف التي تحيط به من كل مكان. وهو يتمتع بمرافق وخدمات فوقية وتحتية متميزة، وبقوى بشرية عالية التأهيل، وبنظام سياسي مستقر، ولديه شركات خدمات واتصالات ومكاتب ومساكن جاهزة للاستخدام. والأهم هو سهولة الدخول اليه والخروج منه.
وقد جاء الأردن في الخدمات الصحية أولاً في الوطن العربي وخامساً في العالم، ويتميز بمدارسه وجامعاته (عنده أكثر من 30 جامعة)، وبمدارسه الخاصة، وبالحرية الاقتصادية، حيث جاء ترتيبه السابع من بين أكثر من 150 دولة.
أورد هذا كله بعض صناع القرار في دول مثل الصين وأوروبا. وفي الأردن حالياً أكثر من 1.5 مليون عامل عربي يعملون فيه، ولديه قوى بشرية وطنية جاهزة للعمل، متى ما توفرت الفرصة لذلك.
اقرأ أيضا: النفط والسياسة والاقتصاد