هناك أشياء تحدث في الأسواق هذه الأيام تثير انتباه أي مراقب لتطورات الأحداث الاقتصادية العالمية، خذ مثلاً ما يحدث في أسواق المعادن النفيسة والذهب والمجوهرات والنفط وأحياناً العملات والبورصات.
فالقاعدة الاقتصادية المتعارف عليها تقول إنه كلما زادت المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية حول العالم، كلما زاد اقبال المستثمرين والبنوك المركزية على حيازة الذهب باعتباره الملاذ الآمن، وكذا زاد الاقبال على حيازة الدولار وغيره من العملات الرئيسية مثل الأسترليني واليورو والفرنك السويسري.
ويصاحب ذلك كله زيادة في الطلب على الاستثمار في أدوات الدين الحكومية المضمونة مثل سندات وأذون الدول السبع الصناعية الكبرى.
ومع ارتفاع سعر الذهب والدولار ترتفع أسعار النفط، وفي المقابل يتراجع الطلب على الأدوات المالية الأخرى خاصة التقليدية مثل البورصات وأسواق المال والأسواق الناشئة.
لكن هذه القاعدة شهدت تغيراً خلال السنوات القليلة الأخيرة، وأكبر دليل على ذلك الأرقام التي أعلنها مجلس الذهب العالمي اليوم الخميس وقال فيها إن الطلب على الذهب انخفض بنسبة 6% في النصف الأول من العام الجاري بسبب حدوث انخفاض حاد في مشتريات صناديق المؤشرات، وأن الطلب على المعدن الأصفر في أدنى مستوى له منذ العام 2009، أي منذ 9 سنوات.
بل إن مجلس الذهب العالمي رصد تراجعاً كبيراً في سعر الذهب خلال عام 2018، حيث فقد السعر منذ بداية العام ما يقرب من 100 دولار من قيمته، علما بأن بنوك استثمار عالمية كثيرة توقعت في وقت سابق حدوث زيادة في سعر الذهب وليس العكس.
حتى على مستوى مشتريات البنوك المركزية من الذهب فسجلت هي أيضا تراجعاً في الربع الثاني من العام الجاري بنحو 7%، حيث أن ما اشترته هذه البنوك يبلغ 89.4 طناً فقط مقابل 2086.5 طناً في النصف الأول من 2017، وهو رقم يعد متواضعاً مع وجود توقعات سابقة بزيادة استثمارات البنوك المركزية في المعدن الأصفر في ظل المخاطر المتزايدة في العالم.
وكانت أعين المستثمرين وتوقعاتهم تراهن على البنوك المركزية في روسيا وتركيا والصين وإيران وكوريا الشمالية وفنزويلا في زيادة الطلب العالمي على المعدن الأصفر باعتبارها أكبر المشترين المحتملين للذهب بسبب الظروف التي تمر بها بلدانها، وخوف هذه البنوك من التعرض لمخاطر في حال فرض عقوبات اقتصادية عليها من قبل إدارة ترامب.
إذن، كانت كل التوقعات تشير إلى أن الطلب على الذهب سيزيد خلال الفترة الماضية، خاصة مع سياسة ترامب الحمائية، وتفاقم الحرب التجارية بين واشنطن وحلفائها التجاريين وأبرزهم الاتحاد الأوروبي والصين، وكذا مع زيادة المخاطر السياسية في العديد من البؤر الساخنة في العالم مثل منطقة الشرق الأوسط (خلافات إيران وأميركا، خلافات إيران ودول الخليج، حروب ليبيا واليمن وسورية والعراق)، والخلافات الروسية الأميركية على خلفية ملف جزر القرم، والقلاقل في دول بأميركا اللاتينية خاصة الأرجنتين وفنزويلا، أضف إلى ذلك أسباب أخرى منها المخاطر التي بدأت تحيط بالاقتصاد البريطاني بسبب تعثر مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكست"، وزيادة حدة التوتر في أوروبا.
لكن وجدنا في المقابل أن التوقعات تتغير ويصبح الدولار أكثر جاذبية من الذهب خاصة مع زيادة سعر الفائدة عليه وتحسن مؤشرات الاقتصاد الأميركي.
العالم يتغير، ومعه تتغير أولوياته في الاستثمار.