أكد محللون وتجار لـ"العربي الجديد"، أن أحد أسباب تردي واقع السوق العراقي والحركة التجارية وضعف المنافسة العادلة، هو دخول قادة سياسيين ورموز بالسلطة والأحزاب إلى الأسواق، حيث بات خاضعا لنفوذهم وغباتهم وأجنداتهم السياسية.
وانعكس ذلك سلباً على الأسعار وجودة النوعيات المطروحة من البضائع، حيث يستغل السياسيون سلطتهم لمصالح شخصية وضرب بضائع بعينها عبر قنوات فضائية تابعة لهم، حسب تجار عراقيين لـ"العربي الجديد".
وكانت شخصيات برلمانية مستقلة وجهت دعوات للحكومة بوضع حد لنفوذ السياسيين والأحزاب ورجال الدين في السوق، وترك حركة الاقتصاد للعرض والطلب، وذلك عقب اشتباكات مسلحة اندلعت بين عناصر من حماية أحد المسؤولين مع منافس سياسي له، إثر خلاف حول بضاعة استقدموها بوقت متزامن من بلد المنشأ بأسعار متفاوتة.
وبحسب مصدر بالحكومة العراقية، فإن رئيس الوزراء يسعى لتمرير مشروع قانون عبر البرلمان يحظر على السياسيين العمل بالتجارة أو القطاع المصرفي.
ووفقاً لتقديرات غير رسمية، يعمل نحو 90% من السياسيين العراقيين بالتجارة، ويستغلون نفوذهم في تمرير بضائع فاسدة أو منتهية الصلاحية، وأخرى غير مطابقة للشروط والمواصفات العراقية كالبضائع الصينية والإيرانية؛ ما تسبب بحالات تسمم، فضلا عن هدر كبير بالمال واستنزاف لدخل الفرد.
ويضيف المصدر، الذي رفض ذكر اسمه، "أن بعض التجار العراقيين اضطروا لمغادرة البلاد، بسبب تهديدات تلقوها من السياسيين الذين لا يؤمنون بالمنافسة".
ويقول كبير التجار في سوق جميلة العراقي (أحد أكبر الأسواق وسط بغداد)، عبد الله الربيعي، إنه "يفكر بمغادرة العراق ونقل نشاطاته التجارية إلى دولة أخرى بسبب مضايقات السياسيين".
ويضيف الربيعي لـ "العربي الجديد"، أن تدخل الساسة يهدّد قوت الناس وأرزاقهم، وخاصة في ظل تدخلهم السافر في الأسواق خلال الفترة الأخيرة، ويشير إلى أن هناك شبهات حول أن سياسيين يعملون بالسوق وراء حرائق مؤخراً بمخازن تجار.
وأكد أن كل من يحاول أن يبقى بعيدا عنهم ويرفض الوقوع تحت سيطرتهم سيكون مصيره حرق بضاعته، هذا إن لم يتم قتله.
من جانبه، يقول عضو غرفة تجارة بغداد سعد محسن الموسوي، لـ"العربي الجديد" إن "عدداً كبيراً من زعماء الأحزاب والبرلمانيين يستغلون مناصبهم ونفوذهم في ترويج البضائع التابعة لهم، ومحاربة الأخرى عبر بث الإشاعات من محطات تلفزة أو مواقع تابعة لهم، وفي حال فشل ذلك يأمرون موظفي الصحة أو البلدية بمصادرة البضاعة المنافسة بزعم مخالفتها".
وأضاف أنه "من بين 700 شركة استيراد وتصدير مسجلة بالعراق، هناك ما لا يقل عن 400 شركة تابعة لسياسيين وبرلمانيين ومسؤولين بالحكومة ورجال دين".
وأكد أن "أحد ألاعيب المتنفذين من الساسة والعاملين في الحكومة استغلال القنوات الفضائية التي يمتلكونها في التحكم بأسواق التجارة، وتوجيه اتهامات للمنافسين بأنهم يتاجرون بنوعيات مغشوشة، ويتفق مع ضباط في الشرطة للترويج لشبهات بفساد بعض السلع من أجل تصريف منتجاتهم".
اقرأ أيضاً: المليشيات تدعم سيطرة إيران على السوق العراقية
وتابع أن "بعض الساسة يقوم بابتزاز تجار ومحاربة منتجاتهم بهدف الضغط والابتزاز المالي، وفي حالة دفع التاجر مبلغا ماليا ضخما يتم توفير الحماية للتاجر وبضاعته، والسماح له بالتسويق لها".
وفي نفس السياق، يقول الخبير الأمني، حسين خالد، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "هناك تجاراً تابعين لسياسيين يقومون بالتنسيق مع ضباط في وزارة الداخلية وبرتب عالية، لغرض ضرب بضائع تجار بعينهم، من خلال ترويج أكاذيب عن بضاعة محددة، أو إصدار كتاب رسمي من قبلهم، تعمم إلى مديريات الشرطة أن البضاعة التي تحمل الماركة () هي مادة فاسدة، ويجب منع إدخالها إلى الحدود أو توزيعها في الأسواق".
وفي ذات الإطار، يؤكد أحد تجار الجملة في بغداد، حسام عبد الرحيم، في حديث لـ"العربي الجديد" أن "ظاهرة الساسة الذين يدخلون في عالم التجارة للتربح تفاقمت مؤخراً، وبعضهم يمتلك شركات تعمل بأسماء أشخاص عاديين، ولكنهم يتبعون إلى جهة سياسية أو حزب يشارك في السلطة حالياً، وبذلك سيطر قطاع من التجار على عدة قطاعات؛ لأنهم يملكون المنظومة الحكومية والأمنية وأي تاجر لا يتعاون معهم يلفق له تهمة ضد بضاعته ويخسر رأس المال".
وأكد عبد الرحيم أن "التنافس في السوق أمر بات صعباً، وقال "كنت أستورد بضائع من ماركة معينة تنتج في دولة مجاورة وبسبب رواج البضاعة أصبح لدينا موزعون في جميع المحافظات، إلا أن تجاراً استغلوا علاقتهم ببعض المسؤولين، واستعانوا بضابط كبير في الداخلية روج أن بضاعتنا مسمومة وحذر من تداولها في العراق، رغم عدم امتلاكه أية أدلة قانونية".
وتابع أن "المنتج يعتبر الأفضل بين البضائع، ولكن منينا بخسائر باهظة، وبعد أن دفعنا المال لأحد الساسة قام بإصدار تقرير ثان يؤكد صلاحية البضائع التي تباع من ذات الماركة، بعد فحصها من قبل السلطات المختصة التي أكدت أنها صالحة للاستهلاك البشري".
وطالب التاجر الحكومة بضرورة الكشف عن أموال الساسة والضباط الذين تدور حولهم الشبهات ومحاسبتهم، من أجل وقف عمليات الابتزاز التي أضرت بالسوق.
وأضاف أن الأحزاب باتت تمتلك شركات اقتصادية تعمل لصالحها عبر الاستفادة من المشاريع الممولة حكومية، وتخصص حصة منها لتلك الشركات؛ وهذا يعتبر أعلى قمة الفساد، مشيراً إلى تأزم الأوضاع المالية في العراق، وما يفاقمها هو تدخل الساسة في الأمور التجارية والاقتصادية.
وبين أن "الأموال التي تجنى من قبل الساسة يتم غسلها عبر تحويلها إلى سوق العقارات أو شركات في دول الجوار وأوروبا، وتسجل بأسماء أقربائهم كي لا يتعرف أحد إلى مخالفاتهم".
اقرأ أيضاً: العراق يشدّد الرقابة على الأسواق لمواجهة ارتفاع الأسعار