لا تزال حكومة تونس تكثّف مساعيها من أجل استرداد أكبر قدر من الأموال المنهوبة والمودعة بأرصدة خارجية، في ظل تعقيدات إجرائية وإدارية تثير قلقاً لدى جميعات مدنية تبدي تخوفاً من ضياع هذه الأموال وإمكانية استعادة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وعائلته ورموزه ثرواتهم بأحكام قضائية وسط اتهامات للحكومة بالتقاعس في هذا الملف، وبالتالي تكرار ما حدث مع أموال الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ورموز نظامه.
ومنذ إصدار قرار مصادرة الأموال المنهوبة تقدمت الدولة التونسية بعدد من الطلبات القضائية والإدارية لاسترجاع هذه الأموال، لكنها كانت غالباً ما تجابه بمسوّغات إجرائية، منها عدم حصول الأحكام على صيغتها النهائية، وفي هذا الإطار يواصل المتهمون الهاربون بالتحصين عبر الفرار خارج البلاد وتجنب مواجهة القضاء التونسي منذ نحو 6 سنوات عقب اندلاع الثورة التونسية، رغم ضمانات المحاكمة العادلة التي أقرتها الحكومة.
وعلى أمل تسريع إقناع الدول الأجنبية على مساعدتها في استرجاع أكبر قسط من الأموال المهربة شارك وفد رفيع المستوى في الملتقى الدّولي حول استرجاع الأموال المنهوبة الذي نظمته كل من أميركا وبريطانيا، خلال اليومين الماضيين، بواشنطن بدعم من المبادرة الخاصة باسترداد الأصول المنهوبة، والتي تمثل شراكة بين مجموعة البنك الدّولي ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
وبحثت تونس عبر وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية، مبروك كورشيد، سبل استرجاع الأموال بين الدّول المشاركة في هذا الملتقى وإمكانيات توظيف آلية المصادرة في استرجاع الأموال المنهوبة بالخارج وآليات ممارسة الدولة الطالبة (تونس) حقوقها على المال موضوع المصادرة فضلاً على التباحث حول إيجاد استراتيجية جديدة تعتمد بالأساس على البحث والتقصي عن الأموال الموجودة بالخارج وتقديم المقترحات الكفيلة برفع الحواجز التي تعيق عملية استرجاع الأموال المنهوبة.
وتواجه تونس منذ مصادرة أملاك بن علي وعائلته ورموزه صعوبات كبيرة في استرداد الأموال المنهوبة والمجمدة في أرصدة بنكية بعدد من الدول الأوروبية والآسيوية، بسبب تعقيدات قانونية وعدم إبداء الدول التي تحتضن مصارفها الأرصدة المصادرة تعاوناً في هذا الشأن، في وقت تلجأ فيه الحكومة إلى الاستدانة الخارجية لسداد عجز موازنتها.
وفي تصريح لـ"العربي الجديد"، قال وزير أملاك الدولة والشؤون العقارية، مبروك كورشيد، إن النتائج الحالية لاسترجاع الأموال المهربة ضعيفة ومخيبة لتطلعات التونسيين بالرغم من طلبات المساعدة التي تقدمت بها الدولة التونسية للمنظمات الدولية ولا سيما منها البنك الدولي والأمم المتحدة.
وحول حصيلة الأموال المسترجعة أكد الوزير التونسي أنها لا تمثل إلا القليل من جملة الأرصدة التي أحصتها الدولة، حيث تمكنت السلطات على امتداد السنوات الست الماضية من استجلاب طائرتين ويختين ومبلغ مالي زهيد لا يتجاوز 250 ألف دولار بمساعدة سويسرية، فضلاً عن استرجاع 3 ملايين دولار من أموال أحد أصهار الرئيس المخلوع و28 مليون دينار تونسي من لبنان كانت محجوزة على زوجة زين العابدين بن علي المصادرة أموالها.
وشدد كورشيد على حاجة خزينة الدولة الشديد لهذه الأصول، مشيراً إلى أن التوفق في استعادتها سيساهم بقدر كبير في تقدم نسق التنمية في المحافظات المحرومة خاصة بعد استحداث الحكومة لحساب ستنزل فيه الأموال المسترجعة وستصرف حصراً في التنمية وفق تأكيده.
وسبق لعائلة بن علي وأصهاره تقديم طعون لدى المحاكم بالبلدان الأجنبية المعنية شملت القرارات الصادرة بالأصل والقرارات الشكلية المتعلقة بطلب السلطات التونسية الحصول على وثائق بنكية تخص التحركات المالية المشبوهة لعائلة الرئيس المخلوع.
ويبدي رئيس جمعية الشفافية المالية لمكافحة الرشوة والفساد، عبد الواحد طراد، مخاوف من استعادة بن علي وعائلته للأموال المجمدة في الخارج بأحكام قضائية قد تصدر لصالحهم بسبب ما وصفه بتقاعس الحكومة التونسية على استكمال الملفات القضائية التي تطالب بها المحاكم الدولية للبت في هذا الملف.
وقال طراد، في حديثه لـ "العربي الجديد"، إن جمعيته ربطت صلات مع السلطات السويسرية التي أكدت الملفات التي تقدمت بها الحكومة التونسية لا تتضمن كل الوثائق الكافية للحصول على أحكام باتة في استعادة الأموال.
ولفت رئيس جمعية الشفافية المالية إلى تحركات مكثفة لعائلة بن علي وأصهاره من أجل استعادة أملاكهم مطالباً الحكومة بإثبات جديتها في التعاطي مع هذا الملف لا سيما وأن الحكومة السويسرية سبق وأن بادرت بمساعدة الجانب التونسي خبراء في الميدان لضمان حسن إعداد ملفات التقاضي وفق تأكيده.
وفي وقت سابق، أكد النائب العام الفدرالي في سويسرا، مايكل لاوبر، على ضرورة توخي تونس الإجراءات القانونية المعتمدة لإيجاد الحلول العاجلة التي من شأنها أن تمكنها من استرجاع أموالها المهربة. وفي مارس/آذار 2011، أصدرت السلطات القضائية التونسية مرسوماً لمصادرة ممتلكات 114 شخصية، من بينهم زين العابدين بن علي، وزوجته ليلى الطرابلسي، وأقربائهم، عقب حراك شعبي أطاح به.
وقال البنك المركزي التونسي، في يونيو/حزيران 2015، إنه توصل إلى تحديد ممتلكات وأموال منهوبة في 10 بلدان. ولا توجد أرقام رسمية دقيقة عن قيمة الأموال المهربة إلى الخارج، لكن خبراء يقدرون ثروة بن علي بحوالى 5 مليارات دولار، في حين يقدرون ثروة أصهاره بحوالى 12 مليار دولار.
وقدر خبير الأمم المتحدة المعني بآثار الدين الخارجي على التمتع الكامل بجميع حقوق الإنسان، خوان بابلو بوهوسلافسكي، في تصريحات إعلامية سابقة، مجموع الأموال المهربة من تونس بنحو 38.8 مليار دولار خلال الفترة الممتدة من 1960 إلى 2010، منها 33.9 مليار دولار خلال نظام بن علي. واعتبر الخبير الأممي أن المبالغ التي تمت إعادتها إلى تونس حتى الآن لا تزال مخيبة للآمال، داعياً المجتمع الدولي إلى الإيفاء بالتزاماته القانونية بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بضمان عودة الأصول المسروقة في الوقت المناسب إلى تونس.
ووعد الاتحاد الأوروبي، في وقت سابق، بإعادة الأموال المهربة والمجمدة لرموز النظام السابق في كل من مصر وتونس وليبيا، معتبراً إعادة هذه الأموال مسألة ترتبط بالكرامة والعدالة بالنسبة لشعوب الدول التي تتوق إلى الحرية، إلا أن هذه الوعود لم تنفذ، حتى الآن، رغم مرور نحو 6 سنوات على ثورات الربيع العربي.