معقولة أركب طائرة صينية وأغامر بحياتي، العمر ليس "بعزقة يا عمي"، والإنسان لا يمتلك عمرين بل عمراً واحداً، إذا كانت سلعهم ومنتجاتهم رديئة وسيئة، فهل آمن على نفسي عند ركوب طائرة تحمل شعار "صنع في الصين".
وإذا كانت طائرات عملاقي الطيران في العالم إيرباص الأوروبية وبوينغ الأميركية تتحطم في الهواء وتتطاير كقطع الشطرنج، كما حدث مع الطائرة الروسية التي سقطت قبالة مدينة العريش المصرية، فهل ستصمد طائرة صينية أمام مخاطر الأعطال الفنية والطقس السيئ والعمليات الإرهابية؟
كان هذا تعليق أحد الزملاء عندما كنت أتحدث أمس عن أن الصين أنتجت، أول طائرة ركاب كبيرة تشكل رمزا لطموحاتها في مجال الطيران، وأن بكين تعتزم بهذه الطائرة ذات الطراز C919 منافسة العملاقين العالميين "بوينغ" و"إيرباص"، بخاصة من طراز الرحلات المتوسطة مثل بي737 لبوينغ، وإيه 320 لإيرباص، وأن الطائرة الصينية المحلية الصنع استفادت كثيراً من التكنولوجيا الغربية، حيث إنها مجهزة بمحرك طورته مجموعتا جنرال إلكتريك الأميركية، وسفران الفرنسية.
وواصلت حديثي عن مفاجأة الطائرة الصينية حينما قلت له إن الصين لم تكتف فقط بالإعلان عن إنتاج أول طائرة ركاب ضخمة، بل تحركت بسرعة كالعادة لتسويقها وغزو العالم بها، فقد أعلنت الشركة المصنعة للطائرة الجديدة "كوماك" أنها تلقت 517 طلباً على الطائرة الجديدة من 21 عميلا من الصين وخارجها، وأن مصرفا حكوميا سيقدم ثمانية مليارات دولار لإنتاج الطائرات المتعاقد عليها.
إذن الصين تخطو خطوات قوية نحو تعميق إنتاجها وتنويع صادراتها، بخاصة ذات القيمة المضافة، رغم الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تمر بها حالياً جراء تراجع صادراتها وتباطؤ معدل نموها الاقتصادي والمشاكل التي تمر بها قطاعات حيوية مثل الصناعة والعقارات وأسواق المال والإنترنت.
اقرأ أيضا: %40 من مبيعات الصين على الإنترنت مزيفة
لا أخفي إعجابي بالتجربة الاقتصادية الصينية وكسرها احتكارات منتجات وسلع الشركات الأميركية والأوروبية واليابانية والأسيوية لأسواق العالم، ولا أنكر أن التجربة الصينية حققت ما يشبه المعجزة الاقتصادية خلال السنوات الماضية رغم ضخامة عدد سكان البلاد، وأن الصين استطاعت أن تحقق معدلات نمو قياسية لسنوات متواصلة وأن تستفيد من العنصر البشري، ولم تعتبره عبئا على الأنظمة كما هو الحال في المنطقة العربية.
ولا أنكر كذلك أن السلع الصينية كانت مخرجاً لفقراء العالم في تلبية احتياجاتهم المعيشية بأقل تكلفة، وأن هذه السلع امتصت ثورات جياع داخل بعض دول منطقتنا لأنها وفرت معظم الاحتياجات الضرورية بسعر أقل ومتاح للكثيرين.
ولا أخفي إعجابي بالإدارة الصينية المحترفة للأزمة التي يتعرض لها الاقتصاد حاليا، حيث ادارت الأزمة باحترافية طبقا لأليات الأسواق الحرة المفتوحة من حيث خفض سعر صرف اليوان وخفض أسعار الفائدة وبالتالي تقليل تكلفة الأموال في المجتمع، وضخ مليارات الدولارات في الأسواق لتهدئة مخاوف المستثمرين بخاصة الأجانب.
لكنني في المقابل لا أخفي انزعاجي الشديد من سماح السلطات الصينية بتصدير أسوأ منتجاتها وسلعها لدول المنطقة، وبالتالي الإساءة لمنتجها الوطني وشعار صنع في الصين، وأنها تتساهل مع المستوردين والتجار العرب الذين يستوردون أسوأ ما فيها من سلع، لأنها الأرخص والأعلى ربحية، وأن سلطاتها لا تفرض الرقابة الكافية على السلع التي يتم تصديرها.
الصين لديها صناعات ومنتجات متطورة لا تقل في جودتها عن نظيرتها من السلع الأميركية والأوربية، لكنها اساءت لمنتجها الوطني عبر السماح لتجار عرب باستيراد الأسوأ من أسواقها ومصانعها لحصدهم المزيد من الأرباح.
اقرأ أيضا: الصين تصنع طائرة لمنافسة "بوينغ" و"إيرباص"