في المرّة الأولى التي زارت فيها الفتاة الفرنسيّة بيروت، وكانت بعد مراهقة، صدمت حين شاهدت أكوام النفايات المتجمّعة قرب المستوعبات الممتلئة في الشارع. هذا مشهد لم تره عيناها في بلدها من قبل. لم تر يوماً شيئاً مماثلاً في الشارع.
والد الصبية لبناني. هاجر شاباً كطالب، وعندما تخرّج طبيباً من الجامعة، اختار البقاء في البلاد الجديدة. تزوّج من زميلة دراسة فرنسيّة وقرّر ممارسة المهنة في البلاد التي قصدها. ففيها وجد راحة وأماناً لم يجدهما في بلاده التي كانت قد غرقت في الحرب. كذلك فعل أكثر من شقيق له عندما أتيحت له الفرصة نفسها.
التقطت المراهقة آلة التصوير (لم تكن الهواتف الذكيّة قد انتشرت بعد) وشرعت تلتقط الصور الفوتوغرافية وسط استغراب الناظرين. لم تكن الغرابة باهتمامها في التصوير، بل تحديداً بالمواقع التي اختارتها هدفاً لصورها المتنوعة. صارت تبحث عن كلّ ما هو غريب لتلتقط صوراً له. عربات الخضار الفوضوية. شارات السير التي لا يحترم وجودها أحد. الحفر في الطرقات. حتى إشكالات فردية بين ناس عاديين في الشارع، وكثير من التفاصيل التي لم تتعود أن تراها يوماً.
عملت المراهقة الفرنسيّة على توثيق كلّ ذلك في صور، وقرّرت أن تحمله معها إلى بلادها. أرادت أن تعرض الجانب غير النظامي وغير المدني للبلاد التي يتحدّر منها والدها، لسببٍ غير واضحٍ بالضبط. ربما كان عنصر الغرابة أكثر ما لفتها.
مرّت ست أو سبع سنوات. عادت الصبية في زيارة ثانية إلى البلد. لم يكن الحال أفضل. الواقع أنه لم يتحسّن أبداً، بل بالعكس، فقد ازداد انحداراً. وحدها الصبية لم تعد مراهقة. وفي هذه الزيارة لم تصب بالصدمة والاندهاش، مثلما أصيبت بهما في المرة الأولى يوم كانت مراهقة. على العكس تماماً، فقد بدا أنها تعوّدت وتكيّفت مع هذه المشاهد التي ما عادت غريبة بالنسبة إليها. حتى أنها اكتسبت عادات سيئة من تلك التي يمارسها بعض أهل هذه البلاد. بعد فترة من زيارتها، صارت ترمي النفايات من شباك السيارة في الشارع، وامتنعت عن وضع حزام الأمان، ولم يعد انقطاع الكهرباء أو تقنين المياه أو مشهد النفايات المتراكمة مستهجناً. حتى أنها لم تلتقط صورة "سيلفي" واحدة بالقرب منها كما كان يفعل اللبنانيون أخيراً.
يقولون إن الفوضى تُفسد الناس، لا سيما ذوي "المناعة" الضعيفة. يقولون أيضاً إن الناس تتعوّد الفساد والفوضى مع الوقت وتتأقلم معهما. يحدث هذا فعلاً.. حتى لو كانوا أوروبيين.
إقرأ أيضاً: إنذار إلى الحكومة
والد الصبية لبناني. هاجر شاباً كطالب، وعندما تخرّج طبيباً من الجامعة، اختار البقاء في البلاد الجديدة. تزوّج من زميلة دراسة فرنسيّة وقرّر ممارسة المهنة في البلاد التي قصدها. ففيها وجد راحة وأماناً لم يجدهما في بلاده التي كانت قد غرقت في الحرب. كذلك فعل أكثر من شقيق له عندما أتيحت له الفرصة نفسها.
التقطت المراهقة آلة التصوير (لم تكن الهواتف الذكيّة قد انتشرت بعد) وشرعت تلتقط الصور الفوتوغرافية وسط استغراب الناظرين. لم تكن الغرابة باهتمامها في التصوير، بل تحديداً بالمواقع التي اختارتها هدفاً لصورها المتنوعة. صارت تبحث عن كلّ ما هو غريب لتلتقط صوراً له. عربات الخضار الفوضوية. شارات السير التي لا يحترم وجودها أحد. الحفر في الطرقات. حتى إشكالات فردية بين ناس عاديين في الشارع، وكثير من التفاصيل التي لم تتعود أن تراها يوماً.
عملت المراهقة الفرنسيّة على توثيق كلّ ذلك في صور، وقرّرت أن تحمله معها إلى بلادها. أرادت أن تعرض الجانب غير النظامي وغير المدني للبلاد التي يتحدّر منها والدها، لسببٍ غير واضحٍ بالضبط. ربما كان عنصر الغرابة أكثر ما لفتها.
مرّت ست أو سبع سنوات. عادت الصبية في زيارة ثانية إلى البلد. لم يكن الحال أفضل. الواقع أنه لم يتحسّن أبداً، بل بالعكس، فقد ازداد انحداراً. وحدها الصبية لم تعد مراهقة. وفي هذه الزيارة لم تصب بالصدمة والاندهاش، مثلما أصيبت بهما في المرة الأولى يوم كانت مراهقة. على العكس تماماً، فقد بدا أنها تعوّدت وتكيّفت مع هذه المشاهد التي ما عادت غريبة بالنسبة إليها. حتى أنها اكتسبت عادات سيئة من تلك التي يمارسها بعض أهل هذه البلاد. بعد فترة من زيارتها، صارت ترمي النفايات من شباك السيارة في الشارع، وامتنعت عن وضع حزام الأمان، ولم يعد انقطاع الكهرباء أو تقنين المياه أو مشهد النفايات المتراكمة مستهجناً. حتى أنها لم تلتقط صورة "سيلفي" واحدة بالقرب منها كما كان يفعل اللبنانيون أخيراً.
يقولون إن الفوضى تُفسد الناس، لا سيما ذوي "المناعة" الضعيفة. يقولون أيضاً إن الناس تتعوّد الفساد والفوضى مع الوقت وتتأقلم معهما. يحدث هذا فعلاً.. حتى لو كانوا أوروبيين.
إقرأ أيضاً: إنذار إلى الحكومة