قبل سقوط مدينة الموصل بيد "داعش"، كانت المرأة تنشط مهنياً وثقافياً واجتماعياً. أما اليوم، فأصبحت شبه ممنوعة من مغادرة منزلها إلا عند الضرورة وبشروط جدّ متشدّدة وبصحبة محرم.
لم تجد الشابة إيمان محمود بداً من ملازمة المنزل وعدم مغادرته إلا لأمر ضروري، بعدما تخلّت عن دراستها الجامعيّة في إحدى كليات الموصل، بسبب أوامر تنظيم "داعش" المتشدّدة وتضييقه على الطالبات. وذلك عقب سيطرته على محافظة نينوى منذ العاشر من شهر يونيو/حزيران الماضي ولغاية اليوم.
وفرضُ داعش تعليماته هذه لا يقتصر فقط على طالبات جامعات الموصل وتلميذات مدارسها، بل يشمل كل النساء والفتيات في المدينة، سواء كنّ موظفات أو عاملات أو طبيبات أو حتى ربات بيوت. وهو ما أدّى إلى تغيّر في كثير من عادات نساء الموصل وتقاليدهنّ. ولعلّ أبرز التغييرات هو اضطرارهنّ إلى وضع الخمار المفروض من قبل التنظيم، والذي هو كناية عن قماش أسود يغطي الرأس وحتى أسفل الكتفَين، ما عدا العينَين اللتَين تغطان بقماش شفاف يسمح لهنّ بالرؤية. وهو يوضع فوق عباءة أو جبة سوداء فضفاضة تغطي كامل الجسم مع قفازَين لإخفاء اليدَين. وقد سجّل انخفاض في أعداد النسوة والفتيات اللواتي يرتدن الأسواق والأماكن العامة في مدينة الموصل، بشكل لافت، ولأسباب عديدة، منها رفض كثيرات منهنّ وضع الخمار.
وتخبر محمود أن "ملابس النساء العاديّة أو الملوّنة أو حديثة الطراز اختفت من الشارع ومن الأماكن العامة، ليحلّ مكانها ما فرضه التنظيم. وأي مخالفة تتعرّض مرتكبتها للعقوبة من قبل الشرطة الإسلامية النسائية. لذلك فضّلت كثيرات ملازمة المنزل وعدم الخروج إلى الشارع والامتناع عن زيارة الأقارب وارتياد الأسواق، حتى لا يضطررن إلى ارتداء هذا الزيّ المخيف".
من جهته، يقول عادل بشير (مواطن): "الحسرة تملأ قلبي وأنا أشاهد تلميذات صفَّي الخامس والسادس ابتدائي يرتدين الخمار، بينما فرض على تلميذات الصف الأول ولغاية الرابع ابتدائي وضع الحجاب". يضيف: "ويأتي ذلك بعد فصل الفتيات عن الفتيان بشكل نهائي. وهذه الإجراءات المتشددة وغيرها، أجبرت عوائل كثيرة على منع بناتها وبنيها من الذهاب إلى المدارس".
وبحسب مصادر محليّة وطبيّة وشهود عيان، يعمد داعش إلى نشر عناصر نسويّة في شوارع مدينة الموصل وأسواقها، مهمتهنّ محاسبة النساء المخالفات للزيّ الذي يفرضه التنظيم. والمرأة المخالفة تتعرّض للعضّ أو القرص من قبل "الداعشيات". ونساء كثيرات من اللواتي تعرّضن لهذه العقوبة توجّب عليهن التوجّه إلى المستشفيات للتداوي من العضّ. وقد يتطلّب ذلك أحياناً غرزات لرتق الجروح التي يخلّفها ذلك. وتقول مواطنة، فضّلت عدم ذكر اسمها، إنها اضطرت إلى رتق جرح في كتفها الأيمن بثلاث غرزات، بعدما تعرّضت للعض في سوق السرج خانة وسط الموصل، بحجّة عدم تغطية النقاب عينَيها. وتلفت إلى أن "هؤلاء النسوة اللواتي ينتمين إلى ما يعرف بديوان الحسبة أو الشرطة الإسلامية في التنظيم يضعن أسناناً إضافيّة حادة لزيادة الألم عند عضّ المخالفات. كذلك يعتمدن أساليب عقابية أخرى كالضرب بالعصا أو الأحذية أو الصفع على الوجه وما شابه ذلك".
وكانت الظروف الاستثنائية التي تعانيها الموصل بعد سيطرة داعش، قد دفعت مئات من نسائها إلى مغادرة المدينة في اتجاه إقليم كردستان القريب أو إلى محافظات أخرى غير نينوى أو حتى إلى خارج العراق. ومن هؤلاء الطبيبة المتخصصة في الأمراض النسائيّة م. ع. التي تقول: "أقفلت عيادتي الخاصة وسط الموصل وانقطعت عن الدوام في مستشفياتها، بسبب ما تعرّضت له من مضايقات في عملي من قبل عناصر داعش. هم يتدخلون في كل شيء من دون أي فهم أو وعي، ويركنون إلى حججهم الواهية وتعليماتهم القائلة بالتعارض مع تعاليم الدين الإسلامي. لكن الدين منهم براء".
تضيف: "هم يطالبون الطبيبات والممرضات بوضع الخمار في أثناء العمل، وحتى في أثناء العمليات الجراحيّة. وهذا يعيق عملي، فهو حساس ودقيق وتتوّقف عليه حياة إنسان. كذلك يطالبوننا بعدم الاختلاط بالأطباء أو الممرضين الذكور أو التكلم معهم بتاتاً. وهذا غير منطقي، لأنهم زملاء لنا وعملنا يستوجب الاستعانة ببعضنا البعض".
وتشير الطبيبة إلى "ممارسات أخرى كثيرة تضيّق على النساء اللواتي يُعتبرن كائنات لا أهمية لهنّ إلا للمتعة وأداء الأعمال المنزليّة. وما هذا إلا دليل على جهل وتخلف هؤلاء، خصوصاً أن تاريخنا العربي الإسلامي مليء بنساء عظيمات حققن الكثير وتركن بصماتهن في مجالات تخصّصهن".
إلى ذلك، أقفلت محال تجارية عديدة تديرها نساء في المدينة، إذ يرى داعش أن المكان المناسب للمرأة هو منزلها. وتقول ريم شامل، وهي صاحبة صالون تجميل: "أجبرنا هؤلاء على إغلاق المحل وقطعوا أرزاقنا. هم يرون أن هذه المهن تشجّع على فساد الأخلاق. فتوجّهت إلى أربيل خوفاً على حياتي، إذ إن عقوبات كثيرة أنزلت بحقّ نساء، من بينهن طبيبات ومهندسات ومحاميات ومرشحات للانتخابات الماضية". تضيف أن "نساء الموصل يعشن اليوم أحلك الظروف. والمدينة المبتلية بهذه العصابات تحوّلت إلى سجن كبير".
من جهتها، تقول تغريد حبيب، وهي مدرّسة، إن "العديد من الكادرات التعليمية النسوية في الموصل تركن التدريس، بسبب التضييق والاشتراطات غير المقبولة المفروضة علينا، والتي لا تبدأ بفرض الخمار طيلة ساعات الدوام ومراقبتنا، ولا تنتهي بمطالبتنا بحثّ الفتيات على ترك الدراسة وغير ذلك. حياتنا تحوّلت جحيماً لا يطاق".
إلى ذلك، تعلو بعض الأصوات المطالبة برفع الحيف والظلم الواقع على نساء الموصل وبقيّة الشرائح الاجتماعيّة من قبل التنظيم المتطرّف.
علياء إحسان ناشطة نسويّة، كانت تدير منظمة "نسائم الخير" التي تُعنى بشؤون المرأة في الموصل، إلا أنها نقلت نشاطاتها إلى دهوك بعد سيطرة داعش. تسأل: "أين دور الحكومة العراقية والمجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية العالمية، إزاء ما يجري في الموصل بحق النساء والفتيات اللواتي تُسلب حقوقهنّ وتنتهك كراماتهنّ؟". تضيف: "إذا بقيت الحال على ما هي عليه، فهنّ معرّضات إلى ما هو أخطر من ذلك، خصوصاً وأن داعش يؤكد باستمرار على إشاعة ما يُطلق عليه جهاد النكاح، وكذلك ختان الفتيات، وزواج القاصرات، وسبي النساء، وغير ذلك من السلوكيات المقيتة".