يُعَدّ قطاع الصحة في أفغانستان من القطاعات التي لم تعتنِ بها الحكومة والجهات المعنيّة الأخرى بما فيه الكفاية، على الرغم من تخصيص مبالغ ضخمة له، في حين يُعاني ذلك القطاع الحيوي من جرّاء الفساد. ويأتي ذلك في المناطق النائية الخارجة عن رقابة القانون والتي تعاني وضعاً أمنياً متأزماً.
تدّعي الحكومة الأفغانية الحالية أنّها من خلال سنّ قوانين جديدة وإدخال تغييرات على بعض القوانين القديمة، أنجزت الكثير في هذا المجال، وهو الأمر الذي أدّى إلى تحسّن الأوضاع الصحية في البلاد. لكنّها تقرّ بعجزها حيال الوضع الأمني الذي يؤثّر بصورة كبرى على كل القطاعات الحيوية في البلاد، لا سيّما قطاع الصحة. كذلك تعجز الحكومة عن القضاء على الفساد في القطاع الصحي، لأنّ الأوضاع الأمنية المتأزمة تفتح الاحتمالات أمام الفساد وتغذّيه.
اليوم، يشكو سكان الجنوب من فساد كبير في المستشفيات الحكومية، الأمر الذي يعرقل العملية الصحية في الولايات الجنوبية عموماً وفي ولاية بكتيا خصوصاً. ويشمل ذلك بيع الأدوية في الأسواق، ودفع المرضى إلى العيادات الخاصة بدلاً من تلقّي علاجهم في المستشفيات الحكومية، وأخذ الرشى. وفي ظلّ قلّة المستشفيات وتواضع الإمكانات الطبية، فإنّ للفساد تأثيره الكبير على القطاع الصحي. بالنسبة إلى سكان في مدينة كرديز مركز بكتيا، فإنّ الأطباء والعمّال يغزّون الفساد في المستشفيات، إذ إنّ همّهم هو استقطاب المرضى إلى عياداتهم الخاصة، ويعمدون إلى التباطؤ في تقديم العلاج في المستشفيات.
يقول أصيل الدين، من سكان مدينة كرديز، إنّ "الناس يقصدون المستشفى المركزي في المدينة في الصباح الباكر، ويصطفون في الطوابير ويسجّلون أسماءهم وينتظرون ساعات طويلة حتى يأتي الأطباء". ويشرح أنّ "الأطباء لا يبقون طويلاً في المستشفيات، ويعاينون عدداً محدوداً من المرضى بطريقة سطحية. بعد ذلك، يوصي الموظّفون هؤلاء المرضى بالتوجّه إلى العيادات الخاصة. بعض هؤلاء يقصد تلك العيادات في حين أنّ البعض الآخر يعاود الكرّة في اليوم التالي في المستشفى الحكومي. هكذا، يتلاعب الأطباء والموظفون بصحة الناس".
لا يقتصر الأمر على تغيّب الأطباء أو تأخّرهم عن مواعيدهم أو دعوتهم المرضى إلى عياداتهم الخاصة، فيتحدث مواطنون أفغان عن الأدوية المخصصة للتوزيع المجاني التي تباع في الأسواق. بالنسبة إلى هؤلاء المواطنين، فإنّ عملية الفساد منسّقة ما بين الأطباء والموظفين. وفي السياق، يخبر سهيل خان، وهو من سكان بكتيا وقد قصد كابول للخضوع إلى عملية استخراج حصوة من إحدى كليتيه، أنّ "الأدوية لا توزّع على المرضى ولا يحصل عليها إلا من يملك وساطة ما أو من يدفع للموظفين والممرضين في المستشفى ولو مبلغاً صغيراً".
من جهته، يقول محمد ممتاز كروخيل، وهو من أعضاء مجلس بكتيا، إنّ "المشكلات موجودة في كل مستشفيات الجنوب وهي كبيرة"، مشيراً إلى أنّ "أساس المشكلة هو تعيين الأطباء والموظفين على أسس خاطئة تتعلّق بالوساطة والرشوة. وكثر هم الأطباء الذين عُيّنوا إمّا لأنّ ثمّة علاقة تربطهم بمسؤولين محليين وإمّا لأنّهم دفعوا المال في مقابل الحصول على الوظيفة. بالتالي، نحن لن نتوقّع منهم العمل". ويطالب كروخيل الحكومة بـ"اتخاذ خطوات عاجلة وفاعلة بهذا الخصوص لأنّ القضية متعلقة بصحة الناس وحياتهم ولأنّ المعضلة تتفاقم يوماً بعد آخر"، في حين يطلب من المجتمع الدولي وتحديداً المؤسسات المعنية بمساعدة الحكومة "إنشاء مزيد من المستشفيات والمراكز الصحية في إقليم بكتيا وفي مناطق الجنوب عموماً، لأنّ عدد المستشفيات والمراكز الصحية قليل جداً نظراً إلى عدد السكان.
فيردّ رئيس إدارة الصحة المحلية في بكتيا، ولايت خان أحمدزي، على تلك الاتهامات مؤكداً أنّ "تعيين كل الأطباء والموظفين جاء من خلال امتحان شامل وآلية واضحة، وليس في الإمكان أخذ أيّ نوع من الرشى أو قبول الوساطة لتعيين طبيب أو موظف". وفي ما يخصّ بيع الأدوية في الأسواق، يقول أحمدزي إنّ "ذلك قد يكون منتشراً في أماكن أخرى غير بكتيا"، مطالباً المواطنين بالتعاون في هذا الشأن والتبليغ عن مثل هذه الحالات. ويشدّد أحمدزي على أنّ "الحكومة، في حال علمت بأنّ طبيباً باع أدوية أو تقاضى رشوة بأيّ شكل كان، سوف تتحرك وتتخذ كل الخطوات القانونية".
تجدر الإشارة إلى أنّ ذلك لا يطاول مستشفيات بكتيا فحسب، بل في كل مناطق البلاد، خصوصاً تلك التي تعاني من وضع أمني متأزم. وهذا ما يؤكده عبد الولي، من سكان ولاية خوست (شرق)، قائلاً إنّ "بيع الأدوية في الأسواق ودعوة المرضى إلى العيادات الخاصة من قبل الأطباء أمران متفشيان في كل مستشفيات خوست ومراكزها الصحية".