أثارت حادثة الاغتصاب الجماعي التي تعرّضت لها القاصر المغربية خديجة أوقرّو استنكاراً وغضباً على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد عبّر آلاف المناصرين والمناصرات عن دعمهم/هنّ لخديجة ورفضهم/هنّ ما حلّ بها خلال احتجازها لمدّة شهرَين وتعذيبها واغتصابها من قبل مجموعة من المجرمين. رسائل تضامن كثيرة أرسلت إلى خديجة وأهلها، من ضمنها ما بعثه أطباء وناشطون/ات يقدّمون فيها الدعم والموارد لمساعدتها كي تتمكّن من إزالة الوشوم التي تركتها العصابة على كل أنحاء جسدها.
هل كانت خديجة لتحظى بهذا النوع من رسائل التضامن والمساعدات المادية لو لم يترك المجرمون وشوماً على جسدها؟ هل كانت لتحظى بموجة دعم عام على مواقع التواصل الاجتماعي لو لم تترك العصابة أثراً مادياً على جسدها؟ ولعل السؤال الأبرز هو إذا كان الرأي العام في حاجة إلى أثر مادي وملموس لحادثة الاغتصاب وآثارها البشعة على جسد خديجة (ونفسيّتها) حتى يبادر إلى المساعدة في إزالة الوشوم؟
لعل مجتمعاتنا ما زالت في حاجة إلى قرائن ملموسة للتعاطف مع ضحايا الاغتصاب، إذ إنّ الاغتصاب ومعه التحرّش الجنسي ما زالا في الوعي الجمعي فكرة "مجرّدة"، لا سيّما أنّ العنف يصوَّر في المجتمعات كأمر جذاب جنسياً. والدليل أنّه لم يتمّ بعد الإجماع على تعريف التحرّش الجنسي أو توحيد مفهومه من قبل عدد كبير من الجهات والناشطين. وهكذا، فإنّ الوعي الجمعي ما زال بعيداً عن القدرة على تخيّل آثار الاغتصاب ونتائجه، فذلك غير ممكن إلا لمن ذهب ضحيته. وفي بحثه عن "العدالة"، يقوم الوعي الجمعي بالتخفيف من وطأة فكرة الاغتصاب والشر، فيرمي الذنب على الضحايا حتى يقتنع بأنّ المجتمعات آمنة وأنّ المشكلة ليس عامة.
اقــرأ أيضاً
ما حصل أخيراً، كان سيُعَدّ ردّ فعل عاماً لو لم تترافق آثار الاغتصاب النفسية مع ندوب ووشوم جسدية لدى خديجة. لم يكن الوعي الجمعي ليتمكّن من التماهي أو التعاطف مع الضحية، لأنّه لن يتمكّن من لمس آثاره ونتائجه، وكان ليجد حججاً وتبريرات له. أمّا وقد ترافق الاغتصاب الوحشي مع تعذيب وندوب ووشوم على جسد خديجة، فإنّ الأمر أثار موجة كبيرة من الاستنكار العام وتداعى العشرات إلى عرض المساعدة لإزالة آثار الوشوم عن جسد خديجة. لكنّ إزالة آثار الوشوم بالكامل، هل من شأنها أن تزيل آثار الاغتصاب من نفس خديجة بالكامل؟ وهل إزالة آثار الوشوم من شأنها أن تمحي آثار "اللاعدالة والظلم" من الوعي الجمعي، وتقنعه بأنّ إزالة "الشر" بعملية جراحية أمر ممكن، فينام حينها قرير العين؟
*ناشطة نسوية
هل كانت خديجة لتحظى بهذا النوع من رسائل التضامن والمساعدات المادية لو لم يترك المجرمون وشوماً على جسدها؟ هل كانت لتحظى بموجة دعم عام على مواقع التواصل الاجتماعي لو لم تترك العصابة أثراً مادياً على جسدها؟ ولعل السؤال الأبرز هو إذا كان الرأي العام في حاجة إلى أثر مادي وملموس لحادثة الاغتصاب وآثارها البشعة على جسد خديجة (ونفسيّتها) حتى يبادر إلى المساعدة في إزالة الوشوم؟
لعل مجتمعاتنا ما زالت في حاجة إلى قرائن ملموسة للتعاطف مع ضحايا الاغتصاب، إذ إنّ الاغتصاب ومعه التحرّش الجنسي ما زالا في الوعي الجمعي فكرة "مجرّدة"، لا سيّما أنّ العنف يصوَّر في المجتمعات كأمر جذاب جنسياً. والدليل أنّه لم يتمّ بعد الإجماع على تعريف التحرّش الجنسي أو توحيد مفهومه من قبل عدد كبير من الجهات والناشطين. وهكذا، فإنّ الوعي الجمعي ما زال بعيداً عن القدرة على تخيّل آثار الاغتصاب ونتائجه، فذلك غير ممكن إلا لمن ذهب ضحيته. وفي بحثه عن "العدالة"، يقوم الوعي الجمعي بالتخفيف من وطأة فكرة الاغتصاب والشر، فيرمي الذنب على الضحايا حتى يقتنع بأنّ المجتمعات آمنة وأنّ المشكلة ليس عامة.
*ناشطة نسوية