في صبيحة 15 مايو/ أيار الجاري، وقفت منى (15 عاماً) بين آلاف المحتشدين عند طرف الحاجز الفاصل بين معضمية الشام الخاضعة لسيطرة المعارضة ومدينة دمشق الخاضعة لسيطرة قوات النظام. كانت تحمل قلماً وبضع أوراق أرادت قراءتها قبل الوصول إلى مركز الامتحان. لكنّ الخوف كان يمنعها من التركيز.
منى، كمعظم أقرانها من تلاميذ الشهادة الإعدادية، لم تخرج من حيّها المحاصر منذ نحو ثلاث سنوات. كان معظم التلاميذ ينظرون إلى ما حولهم بقلق. ما الذي سوف يرونه في طريقهم إلى مركز الامتحان؟ بالنسبة إليهم، ثمّة دمشق أخرى يعجزون وذووهم عن الوصول إليها منذ سنوات. أكثر ما تتذكره منى هو سوق الحميدية الذي قصدته مع والدتها حين كانت في الصف السادس ابتدائي. تقول إنّ أكثر ما كان يقلقها هو أن يسألها جنود النظام أمراً من دون أن تعرف الإجابة.
أهالي التلاميذ كانوا قلقين أيضاً. تجلى ذلك من خلال مجموعة النصائح والتوجيهات التي أحاطوهم بها. مثلاً، الأفضل عدم الإجابة عن أي سؤال له علاقة بالسياسة.
خلال العام الدراسي، لم تكن منى متأكدة من تمكّنها من تقديم الامتحان والحصول على الشهادة الإعدادية. مع ذلك، كانت تدرس وكلها أمل. تقول: "مرّة يخبروننا بأنّهم لن يسمحوا لنا بتقديم الامتحانات، ومرّة أخرى يخبروننا بأنّنا سوف نقدّم الامتحانات. المدرسة نصحتنا بأن ندرس. وهذا ما فعلته".
مثل غيرها من التلاميذ، اجتازت منى حاجز الجيش النظامي بعد تفتيش دقيق، ثم صعدت إلى الحافلات التي كانت تنتظرهم عند الجهة الأخرى، ترافقها والتلاميذ الباقين مدرّسات يشاركن في المراقبة. كان جنود النظام المسلحين يحيطون بالحافلات لمرافقة التلاميذ.
انطلقت الحافلات إلى خارج المعضمية، وأطل التلاميذ برؤوسهم من النوافذ لرؤية المدينة القريبة الغريبة. تقول منى: "لا تشبه المعضمية. لا توجد مبانٍ مدمّرة. فقط كثير من الحواجز. شاهدنا سوقاً مليئاً بالطعام فيما لا طعام عندنا. طلب منّا الجندي الجلوس في أماكننا بهدوء. لكننا لم نستجب، فهددنا وأغلق الستائر".
بعد انتهاء الامتحان والعودة إلى المعضمية، منعت قوات النظام التلاميذ والمدرّسات من إدخال الخبز أو غيره إلى الحيّ. تقول منى: "كان الطعام مرمياً على الأرض. كنت أسير على حبّات الأرزّ التي اشتهيت أن آخذها معي لأهلي".
حال تلاميذ المعضمية لا يختلف عن حال آلاف قاطني مناطق المعارضة، والذين اضطروا مع بدء امتحانات الشهادة الإعدادية إلى التوجّه إلى مناطق أخرى لتقديم امتحاناتهم بسبب تهالك المنظومة التعليمية في مناطقهم أو غيابها، بالإضافة إلى عدم الاعتراف بشهاداتهم.
في السياق، يوضح الأستاذ علي قلعه جي أنّ "مشكلة الاعتراف بالشهادة هي العائق الأكبر الذي يواجه التلاميذ الموجودين في مناطق المعارضة. الشهادات الممنوحة هنا غير رسميّة ولا تعترف بها أيّ من مدارس وجامعات العالم لأنّها لا تصدق من أي جهة رسميّة. لذلك، فإنّ تلاميذ الشهادتَين الإعدادية والثانوية مضطرون إلى الانتقال إلى مناطق النظام لتقديم الامتحانات، علماً أن كثيرين لا يستطيعون تقديم الامتحانات بسبب الخوف من الوضع الأمني".
في حيّ الوعر في مدينة حمص الذي تحاصره قوات النظام وتمنع عنه الطعام والدواء منذ أشهر عدّة، سُمح لتلاميذ الشهادة الإعدادية بالخروج لتقديم الامتحانات في القسم الخاضع لسيطرتها، شرط أن يذهبوا إلى الامتحان ويعودوا مباشرة إلى الحيّ من خلال حافلات خاصة تنقلهم يومياً.
اقــرأ أيضاً
في اليوم الأول للامتحانات، أخرجت الحافلات 590 تلميذاً من الحيّ الجائع. يقول محمد: "لم يكن أحد يتحدّث عن الامتحان في الحافلة. كنا نفكر ماذا سنأكل. اشترينا طعاماً قبل أن نصل إلى المركز وبدأنا نأكل في الحافلات. أعطاني والدي بعض المال وسمح لي أن أشتري كلّ ما أشتهيه". يضيف: "درست جيداً لكنّ بعض أصدقائي لم يدرسوا وخرجوا ليأكلوا فقط. خبأت بعض قطع الحلوى في ملابسي، لكنهم لم يسمحوا لنا بإدخال الطعام إلى أهلنا".
من جهته، يقول أحمد، وهو والد أحد التلاميذ من سكان مدينة حمص، إنّ عديدين ممن كانوا يقفون أمام مراكز الامتحانات لم يكونوا من أهالي التلاميذ، بل آخرون جاؤوا ليعطوا الطعام للأطفال الآتين من مناطق الحصار.
إلى ذلك، اضطر أكثر من ثمانية آلاف تلميذ من محافظة إدلب إلى السفر إلى مدينة حماه لتقديم امتحاناتهم فيها. تقول أمّ فضل من مدينة إدلب: "سافرت مع ولدي إلى حماه على الرغم من مخاطر الطريق. لم أرد أن أحرمه من حلمه في إكمال تعليمه. يحقّ لجميع التلاميذ أن يدرسوا ويحصلوا على الشهادة مهما كانت الظروف. استأجرنا منزلاً صغيراً مع تلاميذ آخرين إلى حين انتهاء أيام الامتحانات". تضيف أنّ "كثيرين من التلاميذ لم يأتوا بسبب خوف أهلهم عليهم، أو لعدم امتلاكهم مصاريف السفر واستئجار منزل".
تجدر الإشارة إلى أنّ سلطات محلية تابعة لتنظيم "جبهة النصرة" في منطقة سنجار في ريف إدلب، منعت تلاميذ المنطقة من التوجه إلى مناطق النظام لتقديم الامتحانات.
اقــرأ أيضاً
منى، كمعظم أقرانها من تلاميذ الشهادة الإعدادية، لم تخرج من حيّها المحاصر منذ نحو ثلاث سنوات. كان معظم التلاميذ ينظرون إلى ما حولهم بقلق. ما الذي سوف يرونه في طريقهم إلى مركز الامتحان؟ بالنسبة إليهم، ثمّة دمشق أخرى يعجزون وذووهم عن الوصول إليها منذ سنوات. أكثر ما تتذكره منى هو سوق الحميدية الذي قصدته مع والدتها حين كانت في الصف السادس ابتدائي. تقول إنّ أكثر ما كان يقلقها هو أن يسألها جنود النظام أمراً من دون أن تعرف الإجابة.
أهالي التلاميذ كانوا قلقين أيضاً. تجلى ذلك من خلال مجموعة النصائح والتوجيهات التي أحاطوهم بها. مثلاً، الأفضل عدم الإجابة عن أي سؤال له علاقة بالسياسة.
خلال العام الدراسي، لم تكن منى متأكدة من تمكّنها من تقديم الامتحان والحصول على الشهادة الإعدادية. مع ذلك، كانت تدرس وكلها أمل. تقول: "مرّة يخبروننا بأنّهم لن يسمحوا لنا بتقديم الامتحانات، ومرّة أخرى يخبروننا بأنّنا سوف نقدّم الامتحانات. المدرسة نصحتنا بأن ندرس. وهذا ما فعلته".
مثل غيرها من التلاميذ، اجتازت منى حاجز الجيش النظامي بعد تفتيش دقيق، ثم صعدت إلى الحافلات التي كانت تنتظرهم عند الجهة الأخرى، ترافقها والتلاميذ الباقين مدرّسات يشاركن في المراقبة. كان جنود النظام المسلحين يحيطون بالحافلات لمرافقة التلاميذ.
انطلقت الحافلات إلى خارج المعضمية، وأطل التلاميذ برؤوسهم من النوافذ لرؤية المدينة القريبة الغريبة. تقول منى: "لا تشبه المعضمية. لا توجد مبانٍ مدمّرة. فقط كثير من الحواجز. شاهدنا سوقاً مليئاً بالطعام فيما لا طعام عندنا. طلب منّا الجندي الجلوس في أماكننا بهدوء. لكننا لم نستجب، فهددنا وأغلق الستائر".
بعد انتهاء الامتحان والعودة إلى المعضمية، منعت قوات النظام التلاميذ والمدرّسات من إدخال الخبز أو غيره إلى الحيّ. تقول منى: "كان الطعام مرمياً على الأرض. كنت أسير على حبّات الأرزّ التي اشتهيت أن آخذها معي لأهلي".
حال تلاميذ المعضمية لا يختلف عن حال آلاف قاطني مناطق المعارضة، والذين اضطروا مع بدء امتحانات الشهادة الإعدادية إلى التوجّه إلى مناطق أخرى لتقديم امتحاناتهم بسبب تهالك المنظومة التعليمية في مناطقهم أو غيابها، بالإضافة إلى عدم الاعتراف بشهاداتهم.
في السياق، يوضح الأستاذ علي قلعه جي أنّ "مشكلة الاعتراف بالشهادة هي العائق الأكبر الذي يواجه التلاميذ الموجودين في مناطق المعارضة. الشهادات الممنوحة هنا غير رسميّة ولا تعترف بها أيّ من مدارس وجامعات العالم لأنّها لا تصدق من أي جهة رسميّة. لذلك، فإنّ تلاميذ الشهادتَين الإعدادية والثانوية مضطرون إلى الانتقال إلى مناطق النظام لتقديم الامتحانات، علماً أن كثيرين لا يستطيعون تقديم الامتحانات بسبب الخوف من الوضع الأمني".
في حيّ الوعر في مدينة حمص الذي تحاصره قوات النظام وتمنع عنه الطعام والدواء منذ أشهر عدّة، سُمح لتلاميذ الشهادة الإعدادية بالخروج لتقديم الامتحانات في القسم الخاضع لسيطرتها، شرط أن يذهبوا إلى الامتحان ويعودوا مباشرة إلى الحيّ من خلال حافلات خاصة تنقلهم يومياً.
في اليوم الأول للامتحانات، أخرجت الحافلات 590 تلميذاً من الحيّ الجائع. يقول محمد: "لم يكن أحد يتحدّث عن الامتحان في الحافلة. كنا نفكر ماذا سنأكل. اشترينا طعاماً قبل أن نصل إلى المركز وبدأنا نأكل في الحافلات. أعطاني والدي بعض المال وسمح لي أن أشتري كلّ ما أشتهيه". يضيف: "درست جيداً لكنّ بعض أصدقائي لم يدرسوا وخرجوا ليأكلوا فقط. خبأت بعض قطع الحلوى في ملابسي، لكنهم لم يسمحوا لنا بإدخال الطعام إلى أهلنا".
من جهته، يقول أحمد، وهو والد أحد التلاميذ من سكان مدينة حمص، إنّ عديدين ممن كانوا يقفون أمام مراكز الامتحانات لم يكونوا من أهالي التلاميذ، بل آخرون جاؤوا ليعطوا الطعام للأطفال الآتين من مناطق الحصار.
إلى ذلك، اضطر أكثر من ثمانية آلاف تلميذ من محافظة إدلب إلى السفر إلى مدينة حماه لتقديم امتحاناتهم فيها. تقول أمّ فضل من مدينة إدلب: "سافرت مع ولدي إلى حماه على الرغم من مخاطر الطريق. لم أرد أن أحرمه من حلمه في إكمال تعليمه. يحقّ لجميع التلاميذ أن يدرسوا ويحصلوا على الشهادة مهما كانت الظروف. استأجرنا منزلاً صغيراً مع تلاميذ آخرين إلى حين انتهاء أيام الامتحانات". تضيف أنّ "كثيرين من التلاميذ لم يأتوا بسبب خوف أهلهم عليهم، أو لعدم امتلاكهم مصاريف السفر واستئجار منزل".
تجدر الإشارة إلى أنّ سلطات محلية تابعة لتنظيم "جبهة النصرة" في منطقة سنجار في ريف إدلب، منعت تلاميذ المنطقة من التوجه إلى مناطق النظام لتقديم الامتحانات.