المواقف المتقدمة التي صدرت عن بعض الاتحادات النسائية العربية لمناسبة اليوم العالمي للمرأة وعيد الأم، لم تقدم سوى بعض العناوين السريعة لمعاناة المرأة العربية التي تعيش هذه الأيام مخاضاً دموياً لم تعرف له مثيلاً طوال تاريخها الحديث وربما الوسيط والقديم أيضاً. العديد من البيانات اكتفت بتوجيه التهاني والتحيات للمرأة والأم من دون أي تفاصيل أو إشارات إلى واقع الحال المقيم في ديار العرب والذي تدفع ثمنه النساء أكثر من سائر فئات المجتمعات الأخرى.
لم تعرض البيانات لما تمرّ به المرأة في فلسطين من قمع وقهر على يد الاحتلال الإسرائيلي، ولا ما تعيشه النساء العربيات اللواتي يواجهن النزاعات المسلحة والإرهاب والإذلال في أوطانهن. مع ذلك فقد طالبت المجتمع الدولي والبرلمانات والحكومات العربية بالعمل على المساهمة في زوال آخر احتلال على سطح كوكب الأرض، وتوفير الحماية للنساء اللاجئات والمهجّرات والنازحات ولكل ضحايا الاتجار بالبشر والعنف المنفلت من عقاله، وحثت على العمل للقضاء على أشكال التمييز كافة، كما سبق وتعهدت به هذه الدول تجاه الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وبإقرار وتعديل التشريعات الوطنية الملائمة، بحيث تتمكن ملايين النساء من الوصول إلى المساواة التامة في جميع الميادين.
والحقيقة أن ما تتعرض له النساء العربيات يحتاج إلى مطوّلات، خصوصاً مع انهيار العديد من المنظومات التي قامت عليها العديد من الدول الحديثة التي بدأت عملية تشكلها منذ قرابة القرن من الزمن.
المؤكد أن العنف الذي يكاد يهشم المجتمعات العربية برمتها هو عنف مضاعف لم تعرف له مثيلاً طوال الحقبات الماضية. إذ دوماً كان هناك عنف تمارسه الدول الاستعمارية من خلال العلاقة الدونية ببلادنا، وعنف الحكومات المحلية من خلال منظومات القوانين والتشريعات وأجهزة القمع التي تعتمدها، وهذه كانت تستمد مبررات ديمومتها من حدود درجة التطور الذي كانت تمر به المجتمعات العربية. وهو ما شهد ثورة عليه منذ أن بدأت أسئلة النهضة ترتفع في سماء المنطقة على أيدي رواد حركة التحرّر العربية من نساء ورجال. وشيئاً فشيئاً أخذت الكثير من المسلمات، التي اعتبرها البعض بمثابة مقدسات لا يمكن أن تُمس، تتزحزح عن صدر هذه المجتمعات، وهكذا فُتحت أبواب المدرسة ثم الجامعة وسوق العمل أمام مساهماتها. وتدريجياً دقت سواعد النساء على جدران القوانين القمعية التي استمرت متحكمة برقاب المجتمع، واضطرت العديد من الدول الى تعديل بعض تشريعاتها، بينما حافظت الأخرى على ما ورثته متذرعة بالدين حيناً وبالعادات والتقاليد أحياناً أخرى.
*أستاذ جامعي
اقرأ أيضاً: معوّقو اليمن السعيد!