طلّاب ليبيون في الخارج يواجهون مصيراً مجهولاً

11 فبراير 2019
طلاب ليبيون يحتجّون في تركيا (أوزجيه إيليف كيزيل/ الأناضول)
+ الخط -
الصراعات الليبيّة الداخلية باتت تنعكس بشكل كبير ومباشر على الطلّاب الليبيين الموفدين للدراسة في الخارج، في ظل تأخّر صرف مستحقاتهم المالية. وهؤلاء إما يضطرون للعمل أو المغادرة، ما يهدد مستقبلهم

قرّرت وزارة التعليم في حكومة الوفاق الوطني الليبية نقل عدد من الطلاب، المفترض أن يدرسوا في الخارج إلى الداخل، مطالبة الجهات التي رشّحتهم للدراسة بالالتزام بتأمين تكاليفهم الدراسية. ويأتي القرار في ظل عجز تواجهه الوزارة، في تغطية المصاريف الدراسية لآلاف الطلاب الموفدين للدراسة في عدد من الدول حول العالم، نتيجة عدم استجابة البنك المركزي للقرارات الصادرة عنها ودفع الأموال.

ومع استمرار الصراع بين الوزارة والبنك المركزي، بات مستقبل الطلاب على المحكّ، ما اضطر بعضهم إلى العمل لتوفير المصاريف اللازمة لمتابعة الدراسة. زياد المقصبي، الذي يدرس في إيطاليا، بات يدرّس اللغة العربية مع المدرسة الليبية في روما، ليؤمن مصاريف دراسته في ظلّ تأخر المنحة التي ترسلها الدولة عبر السفارة. ويقول إنه اضطرّ إلى العمل والدراسة في وقت واحد، حتى لا يضيّع جهد ثلاث سنوات، وخصوصاً أنه بقي له سنة واحدة وينهي دراسته. ويتحدث عن معاناة عدد من زملائه الذين اضطروا إلى إرجاع عائلاتهم إلى ليبيا بسبب عجزهم عن توفير مصاريفهم، ومنهم من توقف عن الدراسة.

من جهته، يأسف وائل عمر أحد الطلاب الذين يدرسون في جنوب أفريقيا، تجاهل الحكومة مطالبه وزملاءه. ويقول: "لم تنفع الاحتجاجات ولا الوساطات الشخصية لمخاطبة الدولة. نحن هنا نعاني الأمرّين بين ترك الدراسة والعودة ومواصلتها في ظروف بائسة"، مشيراً إلى أنه يغسل الصحون في أحد المطاعم لتأمين مصاريفه الشخصية. ويوضح أنه قد يتوقف عن الدراسة في حال استمرت الدولة في عدم إرسال المنحة المتوقفة منذ أربعة أشهر.



كما يؤكد وائل أن بعض زملائه الذين يدرسون في كندا اضطروا إلى التوقف عن الدراسة بعد تأخر صرف المنح الدراسية أربعة أشهر، بسبب الغلاء في هذه الدولة التي يمنع قانونها الطلاب الأجانب من العمل أو إيجاد مصدر آخر للكسب.

وبحسب نشرات إدارة الملحقيات وشؤون الموفدين في وزارة التعليم، يوجد أكثر من 20 ألف موفد للدراسة في الخارج في أكثر من دولة، معظمهم في مصر وإيطاليا وأميركا وجنوب أفريقيا وألمانيا وأوكرانيا وماليزيا.

وتصاعدت مشكلة المنح الدراسية التي تهدّد مستقبل آلاف الطلاب الليبيين مؤخراً، بسبب الصراعات بين وزارة التعليم والبنك المركزي، على خلفية قرارات الوزارة الرامية إلى مراجعة أوضاع الموفدين إلى الخارج، وإعادة تنظيم عمل الملحقيات وإدارة البعثات الدراسية، بهدف القضاء على الفساد الإداري والمالي.

وفي ظلّ فوضى القرارات والإجراءات الجديدة، تأخرت منحة الربع الأخير من العام الماضي حتى مطلع العام الجاري، ما دفع الطلاب الموفدين إلى تنظيم احتجاجات أمام بعض السفارات. وفي ظلّ وعود الوزارة بتذليل الصعاب، طغت المشاكل إلى السطح بعدما جاهر الوزير عثمان عبد الجليل، بضرورة فتح تحقيق لمعرفة أسباب تأخر صرف منح الطلبة ومحاسبة المتهاونين في استكمال الإجراءات، متهماً البنك المركزي علناً في عرقلة صرف المنح. لكنّ البنك المركزي نفى تهم الوزير، مؤكداً أن اتهاماته للبنك "تضمنت مغالطات وتضليلاً للرأي العام وصنعاً لبطولات وهمية وتحريضاً غير مبرر". وبرّر أن عدم صرف المنح يدخل في إطار "برنامج متكامل لترشيد الإنفاق العام للدولة"، ليأتي رد الوزير صريحاً بأن البنك يضغط على الوزارة بهدف تنفيذ قرارات إيفاد طلاب مؤجلة في مقابل سماحه بصرف المنح. ويؤكّد أن الوزارة كلّفت لجاناً بتدقيق ملفات الموفدين، وقد أوقفت مستحقات من وصفتهم "لا يستحقون" من دون توضيح الأسباب، وقد نشرت أسماء مستحقي المنح على صفحتها الرسمية.



وحفلت تصريحات وبيانات الطرفين بشعارات تشير إلى رغبتها في إنهاء معاناة الطلاب، وحرصها على تزويد كوادر الدولة بطلاب مؤهلين علمياً من جامعات كبرى أوفدوا إليها.
وتقول منية الفاندي التي تدرس في الولايات المتحدة الأميركية: "أنا طالبة موفدة من وزارة التعليم لا من البنك المركزي. وجدت نفسي وزملائي مثل كرة يرميها الوزير للبنك فيردّها. الأولى بالوزير والحكومة إيجاد الحلول اللازمة. فالجامعات هنا لا تكترث لهذه المشاكل وقد تفصلنا". وعن مشاكل الطلاب في هذه الدولة، تتحدث عن "التأمين الصحّي الذي لا يتوفر من دون وصول المنح. المعروف أن تكاليف العلاج في أميركا تعدّ ضمن الأغلى في العالم"، مشيرة إلى أن الشركة التي تعاقدت مع الدولة الليبية أوقفت خدماتها للطلاب الليبيين، بسبب عدم سداد الدولة مستحقاتها المالية.

وتؤكّد الفاندي أنّ المنح لم تصرف منذ ثلاثة أشهر، والنتيجة مشاكل متراكمة على الطلاب، وخصوصاً الذين اصطحبوا عائلاتهم. تضيف: "تكرار تأخّر صرف المنح يدفع الجامعات إلى اتخاذ قرارات تعرقل سير دراسة الطلاب. وبعض الجامعات قد تضعهم تحت طائلة المساءلة القانونية. ويمكن أن نواجه الترحيل القسري أو الطرد".