كانت في الثالثة عشرة من عمرها عندما خرجت الحاجة عطاف أحمد سالم مع عائلتها من عكا الفلسطينية، بعد اعتداءات الصهاينة على فلسطين، لا سيّما مجزرة دير ياسين، وتوجّهت إلى لبنان حيث استقرّت حتى هذه اللحظة. هذه حكاية الحاجة عطاف التي لا تختلف عن حكايات كثيرة لفلسطينيين هُجّروا من وطنهم ولجؤوا إلى دول كثيرة، لا سيّما في الجوار. وهؤلاء تركوا كلّ شيء خلفهم، على أمل العودة بعد أيام، "عندما تنتهي الحرب".
عندما أبصرت الحاجة عطاف النور، كانت يتيمة الأب، فهو توفي من جرّاء مرض قبل أن تولد بأشهر. ولدت لتعيش سنوات حياتها الأولى مع أختها وأخيها في كنف أهل أمها في فلسطين. لكنّها كبرت في لبنان بعيدة عن فلسطين، "البلد الأحب إلى قلبي". وتتحدّث عن رحلتها "الطويلة جداً نتيجة الترحال المستمر على الدوام من فلسطين انتقلنا إلى لبنان، ومن لبنان إلى سورية، قبل أن نعود لنستقر نهائياً في لبنان، وتحديداً في مدينة صيدا القديمة".
والحاجة عطاف التي يحتضنها اليوم ابن أخيها إذ إنّها لم تُرزق بالأولاد عند زواجها، تقول: "خرجت من فلسطين وأنا صغيرة، لكنّني ما زلت حتى اللحظة أذكر كلّ تفصيل من تفاصيل منزلنا". وعمّا حصل معهم عشيّة اللجوء، تخبر: "بعدما وصل الصهاينة إلى دير ياسين وطاولت مجزرتهم أهلها واعتدوا على الأعراض، خاف أهل أمي. فحضر إلى بيتنا ابن عمّتي أبو أحمد خليفة، وطلب من أمي توضيب أغراضها وترك المنزل، خوفاً من أن يعتدي الصهاينة علينا وينكّلوا بنا مثلما فعلوا في دير ياسين. في البداية، رفضت أمي طلبه، لكنّه أصر عليها. في النهاية، وافقت وقد علمت أنّ عماتي جميعهنّ سوف يتركنَ بيوتهنّ ويرحلنَ".
تتابع الحاجة عطاف سردها: "أحضر ابن عمتي شاحنة كبيرة، وضعنا فيها بعضاً من أغراضنا وملابسنا، لتحملنا إلى لبنان. عندما وصلنا إلى منطقة البوابة الفوقا في مدينة صيدا (جنوب) كانت خالاتنا في انتظارنا. هنّ كنّ قد سبقننا قبل نحو شهر، في حين بقيت جدّتي لأمي معنا حتى مجيئنا إلى لبنان. من هناك، أخذتنا خالاتي إلى بيت كنّ يعشنَ فيه في منطقة صيدا القديمة، حيث بقينا لمدّة شهرَين تقريباً. بعدها، انتقلنا إلى منطقة الميّة وميّة (جنوب) بعدما طُلب من اللاجئين الانتقال إلى هناك. وضّبنا أغراضنا وركبنا سيارة أمّنها لنا ابن عمّتي، وعندما وصلنا إلى المية ومية، أقمنا في قصر الميّة وميّة". وتكمل الحاجة عطاف: "هناك، بقينا ثلاثة أشهر لننتقل بعدها إلى سورية. نزلنا إلى منطقة سكة الحديد، وركبنا القطار وانتقلنا إلى مخيّم النيرب لنعيش في منطقة سُمّيت البركسات". وتشير إلى أنّ "أخي اشترى عدّة حلاقة، لأنّه كان حلاقاً، وصار يعمل ويعيلنا. عشنا في مخيّم النيرب قرابة السنة، وبعد ذلك طلبت أمي زيارة والدتها التي بقيت في لبنان. أخي أراد أيضاً الانتقال إلى لبنان".
من سورية، انتقلت الحاجة عطاف إلى "لبنان وقد فضّل أخي البقاء فيه، إذ هو قريب من فلسطين". وتلفت إلى أنّ أخاها "كان وطنياً، وكان من الرجال الذين قاوموا الاحتلال الصهيوني في تلك الفترة، وكثيراً ما اعتقله المكتب الثاني، لعمله السرّي. كان يقاتل مع الفدائيين". وتذكر الحاجة عطاف أنّه في مرّة، "اعتقل المكتب الثاني أخي حسين فخفنا عليه. وتوسطنا له لدى أحد الأشخاص من معارفنا كان يقيم في منطقة برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت. وفي اليوم التالي، عاد إلينا".
عندما وصلت الحاجة عطاف حينذاك إلى "القلعة البرية في مدينة صيدا، المنطقة التي كانت تقيم فيها جدتي، استأجرنا منزلاً وسكنّاه لفترة من الزمن. أخي كان معيلنا، وكان ذلك من خلال عمله في الحلاقة أيضاً". وتشير إلى أنّها انتقلت في ما بعد إلى مخيّم عين الحلوة، "حينها كنت قد تزوّجت. كان ذلك خلال الهزة التي ضربت لبنان، وقد تهدّمت منازلنا. في عين الحلوة، نصبنا الشوادر لنعيش تحتها، قبل أن نعود بعد مدّة إلى صيدا القديمة. فيها أمضيت حياتي، وما زلت أعيش فيها حتى اليوم".