مخيّم بلاطة وسكانه بعد 70 عاماً من النكبة

23 مايو 2018
"لن تقضوا علينا"... (جعفر أشتية/ فرانس برس)
+ الخط -
وحدهم اللاجئون الذين يعيشون في المخيّم منذ الأيام الأولى للنكبة، يواجهون المؤامرة التي تحاك في الدول والمدن الكبرى ضدّهم وكذلك ضدّ مخيّم بلاطة الذي احتضنهم عندما هاجمتهم العصابات الصهيونية قبل 70 عاماً وطردتهم بالقوة من أرض فلسطين. العصابات أخذت الأرض منهم عنوة، أمام أعين الجميع، فسكن قوم آخرون بيوت الأرض القديمة وزوّروا التاريخ وقالوا: "هذه الأرض لنا".

لا يشعر أيّ لاجئ فلسطيني يعيش في بيت ضيّق ومتهالك، بأنّ ثمّة من يقف إلى جانبه أو يدافع عن قضيّته وحقوقه التي تتقلص شيئاً فشيئاً. من جهتها، لم تعد وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) تقف في صف اللاجئ الذي يعاني الأمرّين وسط ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة جداً. وترفض امرأة من مخيّم بلاطة للاجئين الفلسطينيين شرقيّ مدينة نابلس، شماليّ الضفة الغربية المحتلة، الحديث عن دور الوكالة في تقديم الخدمات لها. وقبل أن تمضي، تقول من بعيد: "إحنا زهقنا حكي. بدنا فعل. العالم كله متآمر علينا، ولا أحد يقف معنا. مللنا الحديث. لا نفع منه. نريد تحركاً فعلياً وجاداً من قبل الذين يدّعون أنّهم مسؤولون".

لا يبدو أحد في مخيّم بلاطة مرتاحاً إزاء ما يجري. فسكانه ما زالوا مبعدين عن قراهم التي تركوها وقد بقوا على قيد الحياة، في حين أنّ الشباب والأطفال لا يعرفون عن قراهم الأصلية إلا ما يسمعونه من خلال أحاديث أجدادهم وقصصهم. وهؤلاء جميعاً متروكون وحدهم في ظروف صعبة، وقد تخلت عنهم المؤسسات التي تأسست بهدف إغاثتهم ودعمهم إلى حين العودة التي طالت كثيراً.

حازم خرمة ودكانه (العربي الجديد) 


حازم خرمة من سكان مخيّم بلاطة، وهو لاجئ من مدينة اللد المحتلة. يخبر "العربي الجديد" من دكانه الصغير التي تبدو رفوفه شبه خالية من البضائع، أنّه تقدّم بطلب مساعدة من وكالة أونروا مرّتين، "لكنّهم لم يعطوني شيئاً، متحججين بأنّني أملك دكاناً في المخيّم. هل هذا دكان؟ أين البضاعة فيه؟ لا أكاد أبيع بثلاثين شيقل في اليوم (نحو ثمانية دولارات)". يُذكر أنّ خرمة كان قد أصيب برصاصة في رأسه خلال أحداث الانتفاضة الأولى. ويشير خرمة إلى أنّه لم يتسلم من الوكالة أيّ معونات له ولعائلته منذ فترة طويلة، مضيفاً: "وأنا كنت قد رزقت بطفلة بعد عشرين عاماً من الانتظار، وهي تبلغ من العمر اليوم سنتَين وشهرَين. وطفلتي تحتاج إلى كيس حليب كل ثلاثة أيام، لذا أعتمد على هذا الدكان لتوفير ثمنه".

محمود شرايعة لاجئ من قرية كفر عانة في قضاء مدينة يافا المحتلة، وهو كذلك من سكان مخيّم بلاطة. يقول لـ"العربي الجديد إنّ "وكالة أونروا كانت تقدّم لنا سابقاً المؤن ومبلغاً من المال وفقاً لعدد أفراد الأسرة، مرّة كل شهر أو شهرين. لكنّها انقطعت قبل سنوات، من دون أن نعلم السبب". ويشير إلى أنّ قلّة قليلة من أهالي المخيّم ما زالت تحصل على مؤن منها حتى اليوم. إلى ذلك، يقصد أهالي المخيّم بمعظمهم المركز الصحي التابع لوكالة أونروا بهدف تلقّي العلاج والحصول على الدواء مجاناً. لكنّ المشكلة الكبيرة تكمن في عدم توفّر عدد كبير من الأدوية، الأمر الذي يضطرهم إلى شراء الدواء على حسابهم الخاص من الصيدليات. وفي بعض الأحيان تكون الأدوية مكلفة جداً. وهو ما يؤكده شرايعة قائلاً إنّ المركز الكبير "لا يقدّم الخدمات بشكل جيد. عندما نقصده للعلاج، يعطوننا مسكنات وبعض العقاقير التي لا تؤمّن علاجاً حقيقياً للمريض". ويرى شرايعة أنّ ذلك يعود إلى "التقليص المتعمّد نتيجة سياسة الولايات المتحدة الأميركية التي تسعى إلى القضاء على قضية اللاجئين الفلسطينيين وعلى الشعب الفلسطيني، من خلال إلهائه بكيفية تأمين قوت يومه. هكذا لا يفكّر في قضيّته الأساسية، وبالتالي بالعودة إلى دياره".

الحاجة زهدية خديش وصورة ابنها الأسير (العربي الجديد) 


من جهتها، ما زالت الحاجة زهدية خديش صامدة في مخيّم بلاطة. هي والدة الأسير خالد خديش المحكوم عليه بمؤبّدَين، وتهمته تنفيذ عمليات فدائية ضدّ الاحتلال الإسرائيلي. على قارعة طريق المخيّم، كانت تحاول ضبط جهاز الراديو الصغير. وجدت مبتغاها، فعلا صوت أم كلثوم وإن مشوّشاً. نسألها عن حالها فتجيب: "ما دام الأسرى بخير، إحنا بخير". والحاجة زهدية كانت قد هجرت مع عائلتها في عام 1948 من قريتها إجزم في قضاء حيفا، وعاشت في مدينة سلفيت. لكنّها انتقلت إلى مخيّم بلاطة بعد زواجها من أحد أبناء قريتها الأصلية.

"ولا إشي". بهذا تردّ الحاجة زهدية عند سؤالها عمّا تقدّمه وكالة أونروا لهم، وتضيف: "كانوا يقدّمون المؤن من طحين وزيت وحبوب ومعلبات، بالإضافة إلى مبلغ مالي لكلّ واحد من أفراد العائلة. لكنّ تلك المعونات انقطعت من دون سبب". وتتابع: "أنا أرملة. يجب أن يحنّوا علينا وعلى الفقراء وعلى الناس الذين تهجّروا من البلاد". وتخبر الحاجة زهدية أنّ ابنها طلب منها في يوم أن تقف ليلتقط لها صورة قائلاً إنّ ثمّة من يريدها في أميركا. فأجابته: "شو بدهم فيها؟ هم ضدّنا وعلينا!". وتؤكد الحاجة أنّه مهما طال الزمن وعتقت ذكريات النكبة، وعلى الرغم من الأوضاع الصعبة التي يمرّ بها الشعب الفلسطيني، فإنّ "رائحة البلاد التي سرقها المحتل من أصحابها سوف تبقى حاضرة. وسوف يبقى الأمل بالعودة قوياً في قلب كلّ لاجئ".