للعنف ضدّ المرأة سبب جذري رئيسي. ويمثّل اختلال موازين القوى بين المرأة والرجل أبرز الأسباب الكامنة وراء تعرّض النساء والفتيات لأنواع العنف المختلفة، ومن شأن تلك الموازين غير المتكافئة أن تضع النساء (بنظر المجتمع وبنظر الرجل وأحياناً بنظر بعض النساء)، في مكانة أدنى بالمقارنة مع مكانة الرجل في المجتمع.
بالنظر إلى الأسباب الكامنة وراء اختلال موازين القوى بين المرأة والرجل، نجد أن ثمة أسباباً عديدة تجد لها جذراً واحداً يتمثل في التمييز ضد المرأة وعلى صعد عدة.
- التمييز في الأدوار. في مجتمعاتنا، ما زال السياق الثقافي الاجتماعي يتوقع من المرأة القيام بأعمال رعائية، من قبيل الاهتمام بالمنزل والأطفال والمسنين. كذلك، بات يُتوقع منها "مساعدة" الرجال في تحمل عبء المعيشة الاقتصادي. وهكذا، تجد المرأة نفسها في دوّامات عمل مستمرة، تتراوح بين عمل رعائي غير مثمّن اقتصادياً، وبين عمل إنتاجي ما زال يحافظ على "السقف الزجاجي" لجهة محدودية تطوّر المرأة الوظيفي، وانعدام التكافؤ في الأجور والفرص والمستحقات والضمانات وغيرها.
- التمييز في الموارد والفرص. ما زالت المرأة في مجتمعات عديدة تعاني تمييزاً في حقوق الميراث والتملك وفتح الحسابات المصرفية. كذلك تواجه نساء كثيرات، ولا سيما في "المجتمعات الانتقالية"، محدودية الوصول إلى الموارد الاجتماعية لجهة حرية التنقل والحركة والسفر وغيرها، من دون التعرض لانتهاكات مختلفة.
- التمييز في القوانين والسياسات. لعلّ أبرز أنواع الانتهاكات والتمييز الصارخة بحقّ المرأة، تأتي في السياقات القانونية التمييزية بحقّها، من الأحوال الشخصية كالحضانة والزواج والطلاق والإرث وغيرها، وحقّ المرأة بمنح جنسيتها، وغياب الحماية من العنف أو حماية المعتدي، ومن خلال جرائم الشرف وغيرها.
- التمييز في الوصول إلى مواقع صنع القرار. قد يكون هذا التمييز نتيجة للأسباب الواردة أعلاه، ويمثّل معها سبباً إضافياً لانعدام المساواة بين المرأة والرجل، سواء كانت مواقع القرار فردية أو شخصية تخصّ المرأة، لجهة السيطرة على جسدها وعلى جملة الحقوق الإنجابية والجنسية، أو من ضمن نطاق الهوية الجنسية، أو ما يتعداه ليشمل المحيط الأسري والقرارات المتعلقة به، أو الشأن المجتمعي والسياسي والأمني والوطني. ونجد أن سياق اتخاذ القرارات لا يأتي تلقائياً، إنما نتيجة نضال مستميت من المرأة تأتي كلفته الجندرية عالية في الأغلب.
إذا كانت النساء والرجال يولدون متساوين بحسب ما تنصّ عليه شرعة حقوق الإنسان الدولية، فإنّ المرأة تعيش حياتها في ظلّ انعدام في المساواة مع الرجل. ولعلّ أطر التمييز السابقة بحق المرأة، من شأنها أن تخلق بشكل تلقائي جملة امتيازات ذكورية يمنحها المجتمع بكلّ مظلاته الدينية والثقافية الأبوية، للرجل. وتكمن الكارثة حين يحظى الرجل العنيف بحصانة مجتمعية، فلا يُحاسَب.
*ناشطة نسوية