"قرنقعوه قرقاعوه، عطونا الله يعطيكم، بيت مكة يوديكم، يا مكة يا المعمورة. يا أم السلاسل والذهب يا نورة. عطونا من مال الله. يسلم لكم عبد الله".
القرنقعوه أو القرقيعان، احتفال تقيمه الأسر الخليجية للأطفال على سبيل مكافأتهم على إتمام صيام نصف شهر رمضان ولتشجيعهم على الاستمرار والمواظبة على صيام النصف الباقي منه.
ورغم كونها عادة تراثية قديمة، إلا أن أهل الخليج، مازالوا متمسكين بإحيائها، وإن أخذ الاحتفال طابعاً أكثر عصرية، وأضحت المؤسسات الحكومية والخاصة تحرص على إحيائها.
منافسة ومباهاة
في السعودية، حوّلت بعض السعوديات "القرقيعان" من عادة تراثية يتم إحياؤها سنوياً وتغلب عليها سمات البساطة إلى مناسبة للمباهاة، إذ عوضاً عن توزيع الحلوى والمكسرات، كما جرت العادة قديماً، أو توزيع البسكويت وبعض المأكولات غير المكلفة، كما يحدث في السنوات الأخيرة، باتت بعض السعوديات تتفنن في تجهيز قرقيعان خاص بأبنائهن، قد يكلف ميزانية الأسرة آلاف الريالات، حيث يقمن بذلك من خلال محلات متخصصة من أجل توزيعه على قريباتهن وصديقاتهن، مما يجعل المنافسة حامية بين السيدات في محاولة مستميتة للفوز بلقب صاحبة أفضل قرقيعان.
وأبدى المهتم بالشأن الاجتماعي يوسف الشريدة أسفه لأن البعض صار يتسابق مع ذويه في إبراز أثر النعمة التي استقرت عنده من خلال تخصيص (قرقيعان) مستقل لأحد أبنائه الذي لا يتجاوز عمره أشهراً، أحياناً يتم توزيعه على المحيطين، رغم أن المفترض هو حصول الطفل على قرقيعان من الآخرين، وليس أن يحصلوا منه على ذلك.
وقال الشريدة لـ"العربي الجديد"، إن خطورة الأمر تكمن في أنه يستهدف مناسبة شعبية أي تغييراً في برنامجها سيؤثر لاحقاً بشكل تدريجي على أصالتها ويفقدها عفويتها التي ضمنت لها الاستمرار طيلة السنين، كما أنه يستدرج الأهالي للتسابق المادي وإبراز الطبقية. إضافة إلى أن توقيت المناسبة يأتي في أكثر مواسم العام استهلاكاً، وبخاصة لذوي الدخل المحدود، فهو يأتي بعد أن استحوذت (تموينات رمضان) على نصيب كبير من تلك المدخرات، وقبيل التزام مالي قادم هو عيد الفطر المبارك.
وبررت منى أحمد اهتمامها بعمل قرقيعان خاص لطفلها ذي العام الواحد وطباعة اسمه وصورته عليه لتوزيعها على أهلها وصديقاتها، بأنها أنجبت هذا الطفل بعد نحو ستة أعوام من الانتظار، لافتة إلى أن القرقيعان كلفها نحو ثلاثة آلاف ريال قامت بسحبها من زوجها.
أما أبرار فيصل فأكدت لـ"العربي الجديد"، أن قرقيعان ابنها ذو الأربعة أشهر كلفها نحو ستة آلاف ريال اقتطعتها من راتبها بطيب خاطر. معللة حرصها على ذلك بأن "المرء يصعب عليه أن يعيش بمستوى دون مستوى الطبقة التي ينتمي إليها، وإلا سيبدو أقل من الآخرين وربما ينعت بالشح والبخل، وما دام المرء يملك ما يجعله يعيش بمستوى الآخرين فلماذا يبدو أقل شأناً" على حد قولها.
وفي المقابل قالت سهام رضا إنه كان بودها أن تجاري صديقاتها فيما يقدمنه لها من قرقيعان باهظ الثمن، لكنها عجزت للأسف عن ذلك حيث "العين بصيرة واليد قصيرة". وانتقدت فاطمة أحمد التوجه الباذخ الذي وصفته بأنه يشي بعقلية ترى قيمة الفرد في قيمة ما ينفقه.
فرح طفولي
ووفقاً للعادة الشعبية التقليدية القديمة، يخرج الأطفال في مجموعات من بعد الإفطار إلى الأحياء حاملين معهم أكياساً من القماش، ويطوفون على المنازل القريبة وهم يرددون: "قرنقعوه. قرقاعوه. عطونا. الله يعطيكم". ويقومون بالطرق على الأبواب بغية ملء الأكياس التي يحملونها بأنواع الحلوى والمكسرات التي يعدها الأهالي خصيصاً قبل أيام من هذه المناسبة.
ويخرج الأطفال في ليلة القرنقعوه مرتدين الملابس التقليدية ذات الطابع الخليجي الخاص؛ حيث يرتدي الأولاد الثياب البيضاء الجديدة، ويعتمرون فوق رؤوسهم "القحفية"، وهي طاقية مطرزة بخيوط فضية، كما يرتدي بعض الأولاد "السديري" المطرز وهو رداء شعبي يوضع على الثوب، ويتدلى حتى الخصر.
أما الفتيات فيرتدين فوق ملابسهن العادية "الثوب الزري"، وهو ثوب يشع بالألوان ومطرز بخيوط ذهبية، ويضعن أيضاً "البخنق" لتغيطة رؤوسهن، وهو قماش أسود تزينه خيوط ذهبية في الأطراف إلى جانب ارتداء بعض الحلي التقليدية.
والأكياس التي يحملها الأطفال عادة في هذه الليلة تسمى "الخريطة"، ويتم تعليقها في العنق، وتُصنع عادة من القماش، وفي بعض المناطق من الجلد.
وتستعد الأسر قبيل ليلة النصف من رمضان بتحضير سلال كبيرة تسمى "الجفران"، وتكون ممتلئة بالمكسرات وأصابع الحلوى استعداداً لمجيء الأطفال في تلك الليلة.
وباختلاف المكان تختلف الأهازيج والمسميات في تلك الليلة، فتسمى في قطر بـ"القرنقعوه"، و"القرقاعون" في البحرين، ويطلق عليها أهل عمان "القرنقشوه" و"القرقيعان" في الكويت وفي الجانب الشرقي من السعودية، أما في دولة الإمارات فتسمى "حق الليلة"، وتكون هذه الليلة في النصف من رمضان.
وما يزال المواطنون حريصين على ارتداء أطفالهم الأزياء التقليدية التي ترتدى في تلك المناسبة، وإن تحول الاحتفال من عادة تراثية تقليدية إلى احتفالية كبيرة أكثر عصرية، حيث تشارك فيها مختلف المؤسسات؛ فالقرنقعوه بشكله التقليدي (سلة كبيرة من المكسرات والحلويات) أدخلت عليه بعض التغييرات الحديثة في تصميمه ومكوناته. وأصبح هناك أشكال جديدة مجسمة للقرنقعوه خلافاً لشكله القديم، فضلاً عن الهدايا والحلويات الفاخرة غير التقليدية.
كما أصبحت تباع في المتاجر صناديق فاخرة تحمل باقات من الحلويات المنوعة وبأسعار باهظة لكي يتبادلها الأصدقاء والأهل كهدايا بهذه المناسبة.
في قطر.. احتفالات مؤسساتية
وفي قطر، احتفلت مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع بالقرنقعوه بمشاركة آلاف الأطفال. وقال فهد القحطاني، وهو مسؤول في المؤسسة، إنها عملت على تقديم ليلة "القرنقعوه" التقليدية في قالب عصري؛ مما يساعد في تقريبها إلى الجيل الشاب وصغار السن؛ حسب وكالة الأنباء القطرية.
وأشار إلى أن الفعالية "جذبت عدداً كبيراً من مواطني وسكان قطر الذين حضروا مع عائلاتهم لإحياء الليلة التراثية التي تحولت إلى مناسبة اجتماعية تساهم في تعريف أفراد المجتمع بالعادات والتقاليد القطرية العريقة".
وتحمل الاحتفالية بعض المظاهر السلبية؛ حيث أصبحت بعض الأسر تتنافس في كيفية عرض وتغليف الأكياس التي يحملها الأطفال، وقد يكلفهم ذلك مبلغاً كثيراً من المال، كما أن بعض المتاجر التي تستعد بفترة قبل ليلة النصف من رمضان، أصبحت تعرض علباً فاخرة بمناسبة (الكرنكعوه) تصل سعر الواحدة منها إلى مئات الريالات.
وتقول الباحثة الشعبية القطرية الدكتورة كلثم الغانم، عن كيفية الاحتفال بليلة القرنقعوه قديماً إن الأهالي والأطفال يستعدون للاحتفال بهذه المناسبة بشراء المكسرات والحلويات، وتقوم الأمهات بخياطة أكياس من القماش التي سوف يجمع الأطفال فيها ما يوزعه الأهالي عليهم من المكسرات والحلويات وحتى النقود. حيث يقوم الطفل منهم بتعليق الكيس على رقبته. فتقوم ربة المنزل بعد أن تطلب من الأطفال تكرار الأغنية وخاصة الجزء الذي يمتدحون فيها ابنها.
ويعود سبب تسمية ليلة القرنقعوه إلى "قرة العين في هذا الشهر"، فالقرة هي ابتداء الشيء، ويقال إنه بمرور الزمان تحورت الكلمة وصارت "القرنقعوه"، ويقال إنها كناية عن قرع الأطفال.