تنطبق مقولة "الولد سابق سنّه" تماماً على الطفل التونسي أوّاب بن عمران ذي السنوات العشر، الذي يطمح إلى دخول موسوعة "غينيس" بأطول رحلة لطفل
تحتكم منطقة دوز، 540 كيلومتراً جنوب تونس العاصمة، إلى منطق اجتماعي يقضي بأن يذهب الاحترام والتبجيل إلى كبار السن، فهم "بركة" العائلة والقبيلة و"تاج راسها". أمّا الأطفال الصغار، فما عليهم إلاّ أن يتحرّكوا في مناطق الظلّ، إلى أن يكبروا ويثبتوا ذواتهم.
هذا المنطق قلبه أوّاب بن عمران المولود عام 2006 رأساً على عقب، بوضع اسمه في قائمة مشاهير المنطقة الذين يُذكرون للزائر الأجنبي. والدليل على ذلك أنّ الأهالي ذكروه لـ"العربي الجديد" حين زارت المدينة وسألت عن وجوهها المشهورة الجديرة باللقاء. السبب في ذلك يعود إلى أنّ الفتى حصد لقب أصغر رحّالة في تونس، بقطعه مسافة 2500 كيلومتر على درّاجته الهوائية قبل أن يبلغ العاشرة من عمره. وما أعطى رحلاته عمقاً، أنها لم تكن للسياحة، بل ترويجاً للأمن والسلام في البلاد.
اتصل به أحد أعضاء "جمعية الإعلاميين الهواة" وضرب له موعداً معنا في مقر الجمعية، فطلع الفتى يسبقه نشاطه، ونظرات تنمّ عن ذكاء متقد وحماس يغلّف حركاته وكلماته. شاكسناه: "مرحباً بالطفل الصغير" فردّ سريعاً: "حين ركبت درّاجتي وخضت طريقاً محفوفاً بالمخاطر، كان أترابي يطلبون من أمهاتهم إعداد الحليب. وحين التحقت بالمدرسة عام 2012 حزّ في نفسي أنهم لم يسمحوا لي أن أصعد إلى الصفّ السادس مباشرة".
الفتى يتطلّع إلى الغد دوماً، ويفكر من منطلق كونه ناضجاً: "حين أخوض في الطريق، أتخيّل أن أحلامي كلّها أمامي، وما علي إلاّ أن أطاردها بمزيد من السير، فلا أشعر بمتاعب الرحلة ومخاطرها". ومع سؤاله: "ألا تخشى أن يفوّت عليك هذا المنطق الإحساس بطفولتك؟" يجيب: "الطفولة ليست مرحلة في حياة الإنسان، بل هي إحساس يرافقه طوال العمر، وأنا سأعيش هذا الإحساس حتى حين أصبح أباً، مثلما يعيشه أبي معي وهو كبير".
كانت الرحلة الأولى لأوّاب عام 2014، أي حين كان في الثامنة، وقادته عبر الطريق الرابط بين مدن دوز ومطماطة ومدنين وجرسيس وبن قردان وجربة، على طول 450 كيلومتراً، مرفقاً بابن عمته صهيب. يقول: "انتابني خوف غير مفهوم في الليلة التي سبقت الرحلة، لكنّه تلاشى بمجرّد الدوس على دوّاسة الدرّاجة".
اقــرأ أيضاً
تحتكم منطقة دوز، 540 كيلومتراً جنوب تونس العاصمة، إلى منطق اجتماعي يقضي بأن يذهب الاحترام والتبجيل إلى كبار السن، فهم "بركة" العائلة والقبيلة و"تاج راسها". أمّا الأطفال الصغار، فما عليهم إلاّ أن يتحرّكوا في مناطق الظلّ، إلى أن يكبروا ويثبتوا ذواتهم.
هذا المنطق قلبه أوّاب بن عمران المولود عام 2006 رأساً على عقب، بوضع اسمه في قائمة مشاهير المنطقة الذين يُذكرون للزائر الأجنبي. والدليل على ذلك أنّ الأهالي ذكروه لـ"العربي الجديد" حين زارت المدينة وسألت عن وجوهها المشهورة الجديرة باللقاء. السبب في ذلك يعود إلى أنّ الفتى حصد لقب أصغر رحّالة في تونس، بقطعه مسافة 2500 كيلومتر على درّاجته الهوائية قبل أن يبلغ العاشرة من عمره. وما أعطى رحلاته عمقاً، أنها لم تكن للسياحة، بل ترويجاً للأمن والسلام في البلاد.
اتصل به أحد أعضاء "جمعية الإعلاميين الهواة" وضرب له موعداً معنا في مقر الجمعية، فطلع الفتى يسبقه نشاطه، ونظرات تنمّ عن ذكاء متقد وحماس يغلّف حركاته وكلماته. شاكسناه: "مرحباً بالطفل الصغير" فردّ سريعاً: "حين ركبت درّاجتي وخضت طريقاً محفوفاً بالمخاطر، كان أترابي يطلبون من أمهاتهم إعداد الحليب. وحين التحقت بالمدرسة عام 2012 حزّ في نفسي أنهم لم يسمحوا لي أن أصعد إلى الصفّ السادس مباشرة".
الفتى يتطلّع إلى الغد دوماً، ويفكر من منطلق كونه ناضجاً: "حين أخوض في الطريق، أتخيّل أن أحلامي كلّها أمامي، وما علي إلاّ أن أطاردها بمزيد من السير، فلا أشعر بمتاعب الرحلة ومخاطرها". ومع سؤاله: "ألا تخشى أن يفوّت عليك هذا المنطق الإحساس بطفولتك؟" يجيب: "الطفولة ليست مرحلة في حياة الإنسان، بل هي إحساس يرافقه طوال العمر، وأنا سأعيش هذا الإحساس حتى حين أصبح أباً، مثلما يعيشه أبي معي وهو كبير".
كانت الرحلة الأولى لأوّاب عام 2014، أي حين كان في الثامنة، وقادته عبر الطريق الرابط بين مدن دوز ومطماطة ومدنين وجرسيس وبن قردان وجربة، على طول 450 كيلومتراً، مرفقاً بابن عمته صهيب. يقول: "انتابني خوف غير مفهوم في الليلة التي سبقت الرحلة، لكنّه تلاشى بمجرّد الدوس على دوّاسة الدرّاجة".
بعد عام من ذلك باشر "غزال دوز" رحلته الثانية التي قادته من دوز إلى المنستير، بطول 731 كيلومتراً. تزامن وصوله مع افتتاح "الألعاب الدولية للسلام". هناك مُنح لقب "الدرّاج الصغير". يقول: "انتابني إحساس مميز، ووعدت نفسي بأن أكون درّاجاً كبيراً بغضّ النظر عن سنّي".
بات الفتى مؤمناً عميقاً بنفسه وبمسعاه، فباشر رحلته الثالثة، وكانت الأهمّ لأنها الأطول بمسافة 1300 كيلومتر. كذلك، لأنّها حملت شعار "هذه تونس" بهدف الترويج للسياحة التونسية، والقول إنّ الانفجار الإرهابي الذي ضرب فندقاً في مدينة سوسة، ما هو إلا خطوة عابرة لا تمثّل التونسيين. يقول: "نحن نحبّ الحياة ونعشق الفرح، ونرحبّ بالضيف، فبأيّ حق تتشوّه هذه الحقيقة على يد أناس يكرهون الحياة وفشلوا في تحقيق نجاحات مهمّة فيها".
حظيت هذه الرحلة بتغطية إعلامية واسعة، وهو ما دفع سكان مدينة دوز إلى استقبال الدرّاج الصغير عند مدخلها، وعاملوه بصفته بطلهم الكبير. يقول رشيد عضو "جمعية الإعلاميين الهواة" في المدينة: "دوز أصلاً مدينة مهمّشة على أكثر من صعيد، وقد ساهمت رحلة أوّاب في لفت الانتباه إليها، وإمداد أطفالها وشبابها بأمل كبير. لقد جعل من نفسه نموذجاً يُحتذى".
يقول أوّاب إنّ المبيت في الرحلة الأولى كان عند أقارب وأصدقاء ومعجبين به من خلال صفحته على "فيسبوك"، بينما كان في الرحلتين التاليتين داخل الخيمة. يعلق: "مبيتي في الخلاء كان ضمن رغبتي في القول إنّ تونس آمنة، حتى إنّ بإمكاننا المبيت في البراري". يضيف: "خلقت لي التجربة صداقات كثيرة أحتفظ بها حتى اليوم، وجعلت من صفحتي على فيسبوك واسمها الدرّاج الصغير، نافذة للتواصل معهم".
يخطط أوّاب كي تكون الرحلة الرابعة من تونس إلى المغرب عبر الجزائر. وقد شرع رفقة أبيه في الإعداد لها مادياً، إذ ستكلفه 10 آلاف دينار تونسي (4352 دولاراً أميركياً). يقول الوالد: "نريد أن تكون رحلة مساندة لحقوق الطفل المعوّق في البلدان المغاربية. وقد شرعنا في الاتصال بالجمعيات المعنية في الدول الثلاث، لاستغلالها إنسانياً في هذا الإطار".
يؤمن أوّاب أنّ الدراسة تأتي قبل الهواية، إذ حصل على معدل 17.72 من عشرين: "لا أريد أن أكون ناجحاً في مجال وفاشلاً في آخر". ويؤكد: "بالإضافة إلى طموحي في الدخول إلى موسوعة غينيس بلقب أطول رحلة لطفل، أطمح في أن أصبح طبيباً".
اقــرأ أيضاً
بات الفتى مؤمناً عميقاً بنفسه وبمسعاه، فباشر رحلته الثالثة، وكانت الأهمّ لأنها الأطول بمسافة 1300 كيلومتر. كذلك، لأنّها حملت شعار "هذه تونس" بهدف الترويج للسياحة التونسية، والقول إنّ الانفجار الإرهابي الذي ضرب فندقاً في مدينة سوسة، ما هو إلا خطوة عابرة لا تمثّل التونسيين. يقول: "نحن نحبّ الحياة ونعشق الفرح، ونرحبّ بالضيف، فبأيّ حق تتشوّه هذه الحقيقة على يد أناس يكرهون الحياة وفشلوا في تحقيق نجاحات مهمّة فيها".
حظيت هذه الرحلة بتغطية إعلامية واسعة، وهو ما دفع سكان مدينة دوز إلى استقبال الدرّاج الصغير عند مدخلها، وعاملوه بصفته بطلهم الكبير. يقول رشيد عضو "جمعية الإعلاميين الهواة" في المدينة: "دوز أصلاً مدينة مهمّشة على أكثر من صعيد، وقد ساهمت رحلة أوّاب في لفت الانتباه إليها، وإمداد أطفالها وشبابها بأمل كبير. لقد جعل من نفسه نموذجاً يُحتذى".
يقول أوّاب إنّ المبيت في الرحلة الأولى كان عند أقارب وأصدقاء ومعجبين به من خلال صفحته على "فيسبوك"، بينما كان في الرحلتين التاليتين داخل الخيمة. يعلق: "مبيتي في الخلاء كان ضمن رغبتي في القول إنّ تونس آمنة، حتى إنّ بإمكاننا المبيت في البراري". يضيف: "خلقت لي التجربة صداقات كثيرة أحتفظ بها حتى اليوم، وجعلت من صفحتي على فيسبوك واسمها الدرّاج الصغير، نافذة للتواصل معهم".
يخطط أوّاب كي تكون الرحلة الرابعة من تونس إلى المغرب عبر الجزائر. وقد شرع رفقة أبيه في الإعداد لها مادياً، إذ ستكلفه 10 آلاف دينار تونسي (4352 دولاراً أميركياً). يقول الوالد: "نريد أن تكون رحلة مساندة لحقوق الطفل المعوّق في البلدان المغاربية. وقد شرعنا في الاتصال بالجمعيات المعنية في الدول الثلاث، لاستغلالها إنسانياً في هذا الإطار".
يؤمن أوّاب أنّ الدراسة تأتي قبل الهواية، إذ حصل على معدل 17.72 من عشرين: "لا أريد أن أكون ناجحاً في مجال وفاشلاً في آخر". ويؤكد: "بالإضافة إلى طموحي في الدخول إلى موسوعة غينيس بلقب أطول رحلة لطفل، أطمح في أن أصبح طبيباً".