تبدأ حكاية وداد مساري (24 عاماً) من منطقة زاكورة جنوب المغرب. هناك تزوّجت وهي في الثامنة عشرة من عمرها، من رجل يعمل في صفوف الدرك الملكي. لكن الأمور بدأت تسوء بينهما، عندما راح الزوج يتناول الكحول ليتحول إلى مدمن. وطلبت مساري الطلاق. طلّقها من دون إنهاء الإجراءات القانونية، وراح يتنقّل بداعي العمل من منطقة إلى أخرى، ومعه يتنقّل ملفها من محكمة إلى أخرى. وهو الأمر الذي دعاها إلى توكيل محام للحصول على الطلاق ونفقة الولدين. تقول لـ"العربي الجديد": "ثمانية أشهر لم يرَ الطفلان والدهما، وكل ما يبعث به لا يكفي لمصروفهما". في النهاية، استقرّت مساري في الرباط مع طفليها، وقد تطلّقت.
ويدخل ما عانته مساري في إطار العنف النفسي، الذي لم يلحظه مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء الصادر عن وزارة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية المغربية. وقد وجّهت المعارضة والجمعيات النسائية والحقوقية انتقادات شديدة للمشروع، إذ جمع ما بين فئتَي النساء والأطفال، وهو ما تتشبث به الوزيرة، بسيمة الحقاوي، في مشروعها في انتظار إعادة عرضه على المجلس الحكومي المغربي. يُذكر أن الوزارة أصدرت مشروع القانون المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء في يناير/ كانون الثاني الجاري 2016، وقد أنجزته بالتعاون مع وزارة العدل والحريات.
وتوضح رئيسة قسم تمكين النساء في الوزارة، حنان الناظر، لـ"العربي الجديد" أن المشروع يتضمن لأول مرة "آليات تتكفل بحماية النساء المعنفات من خلال مأسسة الخلايا الحمائية الموجودة في المحاكم وتزويدها الموارد البشرية واللوجستية، واستحداث آليات للتنسيق بين الفاعلين في مجال حماية النساء. تضاف إلى ذلك أيضاً، الأحكام الزجرية، من قبيل العقوبة على بعض الأفعال مثل الإكراه على الزواج أو الامتناع عن الإرجاع إلى بيت الزوجية".
وتشير الناظر إلى أن "تطويق ظاهرة العنف في المغرب أمر صعب، نظراً للتداخل القانوني ما بين الاجتماعي والأخلاقي والاقتصادي والسياسي والصحي. يُذكر أن دستور 2011 وعلى أساس المكتسبات السابقة من قبيل إطلاق مدونة الأسرة والشغل وغيرها، بيّن الإرادة السياسية لمحاربة العنف. وقد نصّ الدستور (بفصله 22) على ضمان الحماية الجسدية والمعنوية لأي شخص في أي ظرف، ومن أي جهة سواء أكانت خاصة أو عامة".
تتابع الناظر أن "وزارة التضامن ووزارة العدل والحريات باشرتا بصياغة مشروع القانون في عام 2013، آخذتين بعين الاعتبار المذكرات التي طرحتها مؤسسات حقوقية ونسوية". وتشدّد على أن مشروع القانون هذا هو "إطار مرجعي، تشريعي، يتضمن مجموعة من الإجراءات ويحدد مفهوم العنف بأشكاله، على أنه كل فعل أساسه التمييز بسبب الجنس وما يترتب عليه من ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي".
إلى ذلك، وجّهت مؤسسات حقوقية ونسوية انتقادات إلى مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء، إذ رأت فيه "سياسة استفرادية". وقد أشارت مذكرة لـ"اتحاد العمل النسائي" حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، إلى أن الاتحاد يرفض مشروع القانون لعدم اعتماد المقاربة التشاركية في صياغته، وأنه لم يطلع عليه إلا من خلال الأمانة العامة للحكومة. أيضاً، لا يتضمّن القانون المطروح ديباجة تبيّن مرجعيته الوطنية والدولية، بالإضافة إلى الاختلال في هيكل المشروع الذي اكتفى بتقديم مذكرة غير إلزامية وجاءت متناقضة مع مشروع القانون. فقد تناولت هذه المذكّرة قانوناً لمحاربة العنف ضد النساء والأطفال والأزواج والزوجات.
وذكرت مذكرة الاتحاد أن مشروع القانون لم يتبنّ مقاربة العنف المبنيّ على نوع الجنس، إذ جمع ما بين النساء والأطفال، كذلك لم يقدّم تعريفاً واضحاً بالعنف كما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
في هذا الإطار، تقول مديرة مؤسسة العنف ضد النساء، فاطمة مغناوي، لـ"العربي الجديد"، إن "القانون لم يعالج مختلف الحالات بالتفصيل، لأن الخلل كامن في تعريف العنف الذي يرد أنه كل فعل يترتب عليه ضرر. وهو مناف لما ورد في الإعلان العالمي". وتوضح أن مشروع القانون الحالي لا يعالج مثلاً حالة مساري التي تتبع زوجها في المحاكم".
وتشير مغناوي إلى أن المشروع لا يتطرق إلى اغتصاب الزوجة والعنف الجنسي وحرمان المرأة من حقوقها في التمدرس والعمل، وهو ما يدخل في إطار العنف. وهو كما تصفه "مشروع لا يعتمد على مرجعية تستند إليها الحركة النسائية". تضيف أن "إصدار المشروع في عهد الحكومة الحالية هو تقدم ملموس نوعاً ما، منذ استؤنف العمل في قانون عام 2006، إلّا أنه لا يستجيب تماماً لكل مطالب الحركة النسوية. بالتالي، لا بد من قانون شامل للحماية والتكفل وعدم الإفلات من العقاب".
اقرأ أيضاً: زواج الفاتحة.. تمديد فترة تثبيته في المغرب