جلس القاضي الثلاثيني يسامر العاملين المدنيين المخصصين لمساعدته في تسهيل مهمة الناخبين المصريين في جولة الإعادة. كانت العملية الانتخابية هادئة جداً، حتى أن القاضي ومساعديه افترشوا الأرض إلى جانب الصناديق الخاوية لتبادل القصص والحكايات.
مجددا، لم يحضر الناخبون مثلما جرى في الجولة الأولى قبل أسبوع، وظهرت اللجان خاوية على عروشها، رغم كل محاولات الإغراء والترهيب الرسمي والإعلامي. وقاد العزوف الشباب الذي أطلق حملات للمقاطعة.
لم يجرؤ أي من المساعدين على الحديث عن الواقع الذي عايشوه خلال أيام الانتخابات الأربعة، ما دعاهم أن يقصّوا على القاضي نكات وقصصا مسلية، فالساعات طويلة ولا وجود لناخبين.
كانت الساعة قد تجاوزت الثالثة عصرا، ولم يتجاوز عدد من صوّتوا في اللجنة عشرين شخصا، كلهم من كبار السن. فجأة دخل إلى اللجنة شاب في منتصف العقد الثاني من عمره، تهلّل الجميع، وقفز القاضي من مكانه على الأرض، ليحتل مقعدا خصص له خلف الطاولة، منتظرا أن يسلمه الشاب أوراقه الثبوتية حتى يقيّد اسمه ليقوم بالتصويت.
كان احتفاء القاضي بالناخب الشاب كفيلا بأن يقابل باحتفاء مشابه من المساعدين.
انتهى الشاب من الإدلاء بصوته، فلم يُضِع القاضي الفرصة، هذا أول شاب يصوّت في لجنته منذ بداية العملية الانتخابية، والجميع يتحدث عن إحجام الشباب.
سأله: لمن منحت صوتك؟ فرد الشاب بحدة: ليس من حقك أن تسألني. ارتبك القاضي قليلا، ثم ما لبث أن تماسك ليقول: كيف تتحدث إليّ بتلك الطريقة؟ ألا تدري أنني أستطيع سجنك؟ فرد الشاب بتحدٍ: ألا تدرك أنك في منطقتي ووسط أهلي؟
تدخّل المساعدون الإداريون، وهم من أهل المنطقة، وسأله أحدهم عن عائلته، ولما عرف أنها عائلة متنفّذة، بدأ بتلطيف الجو، ليفهم القاضي سريعا أن قضيته خاسرة، وأن تهديد الشاب لن يجدي، فبدأ بالتودّد إليه: لماذا غضبت؟ لقد كنت أحاول مناقشتك. فرد الشاب: أنت قاض وتعرف أن سؤال الناخب عمّن انتخبه يخالف القانون.
أسقط في يد القاضي ولم يستطع الإجابة، ليتدخل أحد المساعدين مجددا: هل أنت محام؟ ليرد الشاب: لست محاميا، ولكنني منذ ثورة 2011 حريص على معرفة حقوقي القانونية.
تأفّف القاضي عند سماعه "ثورة 2011"، فانتبه الشاب وواجهه مجددا بعد أن كان قد أعطاه ظهره، وقال: ثورة يناير لم تنتهِ، ودولة الفساد لن تستمر، والانتخابات مسرحية هزلية. فرد القاضي: لكنك شاركت في المسرحية، فعاجله الشاب: قررت مع مجموعة من أصدقائي أن نستطلع الصناديق بأعيننا لعلمنا أنك ستعلن أرقاما كاذبة سنفضحها على الملأ، ولك أن تعلم أنني أبطلت صوتي.
اقرأ أيضاً: البؤس العربي