عادةً ما تستغرب الأمهات الإيرانيات أن يطرح عليهن سؤال يتعلق بكيفية إنجابهن أطفالهن، إن كان من خلال الولادة الطبيعية أو العملية القيصرية. والرد الطبيعي لمعظمهن هو أن الولادة الطبيعية غير ممكنة إذ لا يمكن احتمال الألم. ويمكن القول إن اللجوء إلى العملية القيصرية بات جزءاً من ثقافة المجتمع الإيراني، الأمر الذي يتجلى من خلال الأرقام.
في السياق، تقول الإحصائيات الرسيمة إن إيران تحتل المرتبة الثانية عالمياً لناحية العمليات القيصرية بعد البرازيل. وتوضح وزارة الصحة أن نسبة الأمهات الإيرانيات اللواتي يلجأن للولادة القيصرية تبلغ 53 في المائة، علماً أن 75 في المائة منهن قادرات على إنجاب أطفالهن بطريقة طبيعية.
في المقابل، يلفت أطباء في البلاد إلى أن النسب أعلى بكثير في بعض المستشفيات، ولا سيما تلك الموجودة في المدن الكبرى، على غرار العاصمة طهران. وتشير تقارير رسمية إلى أن النسبة تتراوح ما بين 80 ومائة في المائة في بعض المستشفيات، بينما لا تتجاوز الـ 15 في المائة في باقي دول العالم.
هذه الأرقام استدعت اتخاذ بعض الإجراءات لتقليص نسبة الولادات القيصرية في إيران. وأقرت وزارة الصحة ميزانية ضخمة خلال الأشهر الماضية لتنفيذ خطتها، التي بدأت من خلال تجهيز غرف كبيرة ومجهزة بأحدث التقنيات لتشجيع النساء على الولادة الطبيعية. وأعلنت عن خطة لبناء أكثر من 366 جناحاً في مستشفيات البلاد، يتسع كل واحد منها لألف سرير، بهدف استقبال النساء الحوامل لإنجاب أطفالهن بطريقة طبيعية.
اقرأ أيضاً: أولويّة الإيرانياّت لمواد التجميل وليس صحّتهن
في السياق، يقول عضو لجنة الصحة في البرلمان الإيراني، سيامك مره صدق، إن اللجنة صوتت على قرار جعل الولادة الطبيعية مجانية، وإلغاء التأمين الصحي لعمليات الولادة القيصرية، ما سيشجع العديد من النساء على عدم اللجوء إلى الطريقة الأسهل للولادة. يضيف لـ"العربي الجديد" أنه أُقرت خطة أخرى لمساعدة الأطباء على الترويج للولادة الطبيعية وتشجيع الأمهات، لافتاً إلى اعتماد طرق حديثة للتخفيف من آلام الولادة الطبيعية، وتزويد الأطباء في غالبية المستشفيات في المدن بها". ويوضح أن هذه الإجراءات ستساعد على القضاء على هذه الظاهرة في وقت تعد فيه الولادة الطبيعية أفضل للطفل وللأم في وقت واحد.
من جهته، يقول الطبيب المتخصص بالولادة وأمراض النساء أصغر قاصديان إن جميع الدراسات الطبية العالمية تشير إلى فوائد الولادة الطبيعية، وآلية تأثير تقلّصات الرحم على ذكاء الطفل وصحته النفسية والجسدية. يتابع أن ولادة الطفل الأول لأي أم بعملية قيصرية تعني أنها ستكون مضطرة لإنجاب باقي أطفالها بالطريقة نفسها، مشيراً إلى أن "هذا العامل ساهم في زيادة نسبة الولادات القيصرية بهذا الشكل المضطرد في المجتمع الإيراني. ويوضح أن التخلص من هذه الظاهرة يحتاج إلى وقت، والوصول إلى نسبة الـ 15 في المائة من الولادات القيصرية، وهي النسبة المنشودة، يحتاج إلى عشر سنوات على الأقل.
ويرى قاصديان أن المشكلة في الأساس تتعلّق بالوعي الاجتماعي، وتشجيع الأطباء على إجراء هذه العمليات، لافتاً إلى أن الحياة تطورت، والجيل الحالي من الإيرانيات لا يرغب في إنجاب أكثر من طفل أو إثنين، وتفضّل الأم ألا تتعرض للألم الذي يتسبب لها بخوف كبير.
في السياق، تقول فاضلي، وهي في العقد الثالث من العمر، ولديها طفلة في الخامسة من عمرها، إن الخوف هو السبب الرئيسي الذي منعها من الولادة الطبيعية. وتشير إلى أنها ليست مضطرة لتحمل الألم، كما أن بعض الأطباء يجرون عملية جراحية تجميلية للبطن الذي يترهل بعد فترة الحمل، ما شجعها على اختيار الولادة القيصرية.
من جهتها، ترى بافي أن الولادة الطبيعية تعدّ مستهجنة أصلاً في المجتمع، ولا تلجأ إليها النساء إلا في الأرياف، ويعد أمراً غريباً أن تختار أي امرأة إنجاب أطفالها بطريقة طبيعية، في وقت تستطيع الإنجاب بطريقة أسهل. إلا أن سميرة تقول إنه يتحمل مسؤولية هذا التقصير الأطباء في المستشفيات. تضيف أن الإجراءات الحكومية باتت ضرورية، ولاسيما أن الولادة القيصرية أصبحت حلاً سهلاً للعديد من الأمهات اللواتي لا يدركن فوائد الولادة الطبيعية.
أيضاً، تقول نكراني، وهي في الخمسين من عمرها، إنها أنجبت أولادها الأربعة بطريقة طبيعية، لافتة إلى أن الجيل الشاب يفكر بطريقة عملية، من دون أن تكون صحيحة بالضرورة، مطالبة الحكومة بتشديد إجراءاتها وعدم السماح للنساء باختيار طريقة الولادة، بل حصر الأمر بالأطباء المتخصصين.
اقرأ أيضاً: المرأة الإيرانيّة.. أنصفها التاريخ أكثر من الحاضر