بالتزامن مع تنظيم مسيرة في العاصمة اللبنانية بيروت للمطالبة بإقرار منع الزواج المبكر وحماية القاصرات، أعلنت الجهات الأمنية اللبنانية عن مقتل السورية حلا الأحمد (15 عاماً) على يد زوجها في منطقة البقاع الشمالي، وفق تأكيد الطب الشرعي.
ونظم التجمع النسائي الديمقراطي اللبناني، والتحالف الوطني لحماية الأطفال والطفلات من التزويج المبكر، المسيرة بعد ظهر اليوم لمطالبة المجلس النيابي بممارسة دوره التشريعي ووقف تدخل الطوائف والمصالح السياسية الضيقة بالأحوال الشخصية، وبحق النساء والفتيات بالحماية.
وتندرج الجريمة التي وقعت في منطقة البقاع اللبناني في إطار الزواج المبكر، إذ أعلنت الوكالة الوطنية للأنباء عن العثور على جثة السورية حلا محمد الأحمد (15 عاماً) ملفوفة بقطعة قماش على جانب الطريق في بلدة حوش تل صفية - البقاع الشمالي. وإن كشف الطبيب الشرعي بيّن أن حلا توفيت نتيجة الضرب بآلة حادة في الرأس أدت إلى الوفاة. كما أعلن جهاز أمن الدولة في محافظة بعلبك الهرمل عن توقيف السوري ع.م للاشتباه به بقتل زوجته السورية حلا الأحمد.
آلاف المشاركين في المسيرة
انطلقت المسيرة من منطقة العدلية في بيروت باتجاه مجلس النواب، بمشاركة عدد من النواب المؤيدين لمشروع القانون المقترح في مجلس النواب والذي يحدد سن الزواج بـ 18 عاماً، لكنها توقفت في ساحة رياض الصلح على مقربة من المجلس النيابي. وقدر عدد المشاركين في المسيرة بنحو 3 آلاف شخص أتوا من مناطق لبنانية مختلفة رغم غزارة الأمطار، ورفعوا الشعارات المنادية بإقرار الحد الأدنى لسن الزواج بـ18 عاماً.
وسارت بعض الطفلات وهن يضعن الطرحة البيضاء على رؤوسهن. ورافقت المسيرة زغاريد كتلك التي تردد في الأعراس، لكنها ترافقت هذه المرة مع كلمات تروي ما تعانيه الطفلات جراء تزويجهن. في حين ارتدى بعض المشاركين المنتمين لأحزاب ممثلة في مجلس النواب قمصاناً تشير إلى انتماءاتهم الحزبية. كما شاركت في المسيرة نساء كن ضحايا للتزويج المبكر أو ما تفضل الجهات المنظمة تسميته بزواج الطفلات.
تجربة مريرة مع الزواج المبكر
وتروي إحداهن في حديث لـ "العربي الجديد" تجربتها وكيف دفعتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية للزواج في سن السادسة عشرة. وتقول: "ارتبطت في سن الخامسة عشرة قبل أن أعرف ماذا يعني الزواج والمسؤولية، وخضت تجربة مريرة مع زوجي الذي حاول السيطرة على حياتي ومنعي من إكمال دراستي، وكأنه تزوجني بسن صغيرة ليربيني على يديه. كانت حياتنا مليئة بالمشاكل، ورغم أني اشترطت قبل الزواج أن أكمل تعليمي إلا أنه حاول منعي عن ذلك، فأكملت تعليمي الثانوي بصعوبة. وبسبب رفضه السماح لي بإكمال تعليمي الجامعي اخترت دراسة اختصاص لا يتطلب حضور المحاضرات. ويوم علم بتخرجي غضب وطردني إلى منزل أهلي".
وترفض صاحبة التجربة رفضاً مطلقاً أن تزوج أياً من أطفالها قبل بلوغ الثامنة عشرة، خشية أن يكرروا تجربتها. وتشير إلى المشاكل النفسية التي تنعكس على صحة الفتاة التي تتزوج وهي طفلة، وتلفت إلى أنها أجهضت ثلاث مرات قبل أن تتمكن من إنجاب طفلها الأول، بسبب الحمل في سن مبكرة.
عنف واستغلال واتجار
عند وصول المسيرة إلى محطتها الأخيرة ألقت رئيسة التجمع النسائي الديمقراطي، ليلى مروة، كلمة قالت فيها: "نجتمع اليوم بمناسبة اليوم العالمي للمرأة الذي لأجله دفعت النساء حول العالم الكثير من الأثمان الباهظة، وحلوله يعد مناسبة للتأكيد على حقوق النساء والفتيات باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من حقوق الإنسان".
وتابعت "جاءت الدعوى لحماية الأطفال من التزويج المبكر من أجل الضغط بشكل أكبر وأفعل من أجل إقرار حماية قانونية للفتيات من أبشع أنواع العنف والاستغلال والاتجار بحقهن وهو التزويج المبكر. في لبنان لا تزال الطفلات يمتن ويعانين كل حياتهن من مضاعفات صحية خطيرة نتيجة الحمل في سن مبكرة. ففي عام 2017 توفيت 10 طفلات أمهات دون سن الـ18 عاماً نتيجة الولادة".
وأضافت مروة: "نعم في لبنان ما زال المجلس النيابي للأسف يؤكد أننا في دويلات طائفية لا دولة مواطنة، دولة يحكمها 15 قانوناً للأحوال الشخصية الطائفية، وتكرس جميعها العنف والتمييز ضد النساء والفتيات في عدد من القضايا الأسرية، وعلى رأسها سن الزواج إذ تسمح جميعها بتزويج الطفلة تحت السن القانونية، وتصل سن تزويج الطفلة عند بعض الطوائف إلى 9 سنوات".
وقالت: "نحن في دولة يحكمها الشيخ والخوري لا القوانين والمؤسسات والمواطنة، نحن في دولة تخلق تمييزاً مضاعفاً بين النساء من طوائف مختلفة". وفي ختام كلمتها أكدت مروة أن "الهدف من التحرك وضع مشرعي ومشرعات هذا الوطن أمام مسؤولياتهم، على أمل أن تترجم الوعود بالضغط من داخل المجلس النيابي لمناقشة قانون حماية الأطفال من التزويج، المعد من قبل التجمع النسائي الديمقراطي والنائب إيلي كيروز، والموجود حالياً في أدراج لجنة الإدارة والعدل التي يترأسها النائب جورج عدوان، والتصويت لإقراره".
المطالبة مستمرة رغم التحديات
وأوضحت مروة لـ "العربي الجديد" أن التجمع النسائي الديمقراطي يعمل منذ عام 2000 على حملة توعية طاولت المناطق اللبنانية كافة، مؤكدة الاستمرار في الحملة "من أجل إحقاق حقوق النساء والضغط على الدولة اللبنانية لتحديد سن الزواج، ومعاقبة كل من أجرى عقد زواج بحق طفلة، سواء لدى الشيخ أم لدى الخوري". وعن مصير مشروع القانون قالت: "مثل كل القوانين التي حققتها الحركة النسائية خلال مسيرتها، المسألة بحاجة إلى مزيد من الدعم والتضامن بين القوى الوطنية والقوى الهادفة للتغيير، وسنقوم بتحركات مختلفة لم نحدد موعدها بعد".
وبيّنت أن "الكتل النيابية وافقت بمعظمها على المشروع. وأقمنا مؤتمراً في المجلس النيابي حضرته كل الكتل النيابية وغابت عنه كتلة المستقبل، فيما اعترضت كتلة حزب الله على مشروع تحديد سن الزواج عبر النائب نواف الموسوي. لكن هذا لا يلغي أننا سنستمر رغم كل التحديات".
وعن تواصل التجمع مع رجال الدين بهدف إقناعهم بدعم مطلبهم قالت مروة: "أقمنا عدة نقاشات في طاولات مستديرة مع عدد كبير من ممثلي الهيئات الروحية والشرعية في لبنان، وأكد لنا الجميع أن لديهم مرجعياتهم الخارجية التي لا يمكنهم تجاوزها. نحن نطالب بقانون لبناني يحمي جميع المواطنين نساءً ورجالاً ويحمي النساء من كل ما يتعرضن إليه من تمييز وعنف".